تتفق كل التقارير والبيانات والنشرات التي تصدرها المنظمات المحلية والدولية المعنية بمجال الإعلام والصحافة والعاملين في حقل الإعلام، أن أوضاع الصحفيين والإعلاميين الليبيين أصبحت في أسوء حالاتها، ولا تختلف جميعها في حالة المناخ الذي يعمل فيه الصحفيون والإعلاميون، والذي (وفقا لتلك التقارير) تحول إلى بيئة طاردة اضطر بسببها معظم الصحفيين للخروج من البلاد أو الصمت والابتعاد وتجنب الدخول في معركة غير عادلة مع مجموعات مسلحة تحركها أجندات ضيقة لا تؤمن بالاختلاف.
لم تأت هذه النتيجة مباشرة وكأنها استسلام من قبل الجميع أمام أول تحد، بل جاءت بعد تضحيات كبيرة كلفت عددا من الصحفيين والإعلاميين حياتهم، وكلفت آخرين التهجير القسري ومغادرة البلاد، وآخرون لاذوا بالصمت مجبرين، ولم يتبق إلا النذر القليل ممن أتيحت لهم الفرصة في العمل في بعض المؤسسات المرتبطة ببعض القوى المسيطرة على بعض المناطق في البلاد التي تحولت إلى مناطق نفوذ مختلفة لا سلطة موحدة تربطها.
منذ سنة 2011 أصبحت تقارير المنظمات الدولية ترصد تردي حالة حرية الصحافة في ليبيا بشكل أشبه ما يكون بالمتوالية الهندسية، حيث تدرج تصنيف ليبيا من وسط القائمة الدولية إلى آخرها، ولم تشهد سنة من السنوات السبع تقدما ولو نسبيا، ولعل تقرير منظمة صحفيون بلا حدود الدوري الأخير الذي صدر في شهر مايو الماضي بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة في الثالث من شهر مايو 2018 لخص الوضع في ليبيا بشكل تفصيلي وتطرق لمعاناة العاملين في مجال الإعلام وما يعانونه، حيث نشرت المنظمة تقريرها بالمشاركة مع المركز الليبي لحرية الصحافة، تحت عنوان "حرية الإعلام في قبضة المٌنتهكين"، الذي أكد أن الصحفيين الليبيين لايزالون تحت طائلة منتهكي حرية الصحافة والإعلام، ووثق التقرير الذي وثق 46اعتداء خلال الفترة بين يناير وديسمبر للعام 2017، في 16 مدينة ليبية، مشيرا إلى أن هذا الرقم لا يمثل إلا جزءاً قليلا من الاعتداءات والجرائم التي يعيشها الصحفيون بشكل يومي، فالكثير منهم يٌفضل السكوت وعدم تقديم الشكاوى خوفاً من ردود فعل انتقامية من المنتهكين الذين ينعمون بإفلات تام من العقاب في ظل الصراع الذي تعيشه ليبيا منذ عدة سنوات "وفقا للتقرير".
وأرجع أسباب العنف الممارس ضد الصحفيين لدوافع وأسباب سياسية في اغلبها بالإضافة الى فرض القيود على الوصول للمعلومات، ووفقا لذلك تقبع ليبيا في المركز 162 (من أصل 180 بلداً) في التصنيف العالمي لحرية الصحافة لسنة 2018. واتهم التقرير حكومة الوفاق باعتبارها الحكومة المعترف بها دوليا بالتقصير في اتخاذ أي خطوات عملية لإصلاح قطاع الإعلام واحترام الصحفيين بل إنها تزيد من التقييدات والإجراءات التعسفية تجاههم.
في ظل تلك الحالة التي استحال معها العمل الإعلامي بشكل موضوعي، وضعف أداء مؤسسات الإعلام الليبية، واصطفافها جميعا وراء الأطراف السائدة في أماكن تواجدها، تراجع عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين وتجنبوا الاستمرار في العمل، وهو ما ترتب عليه تسرب عدد كبير من الكفاءات الصحفية ولملء مكانها كان الخيار وجود إعلاميين وصحفيين غير ليبيين لتعويض النقص، وبذلك أصبح الإعلام الليبي يشتمل على الأجانب بشكل لم يعتده في السابق، ولعل من الأسباب التي أدت إلى تزايد أعداد الصحفيين غير الليبيين يرجع إلى كون ليبيا ونتيجة لما شهدته من أحداث أصبحت مركزا إعلاميا ليس محليا وأقليميا فحسب بل عالميا أيضا، وهو ما ترتب عنه اهتمام الصحفيين والإعلاميين العرب والأجانب بليبيا وهم من يسمون "المتهمون بالشأن الليبي"، والذين يتوزعون على مؤسسات الإعلام المختلفة، بما في ذلك وكالات الأنباء والصحف والقنوات الفضائية الإخبارية العربية والدولية، وبل في كثير من وسائل الإعلام الليبية التي تنتشر خارج البلاد لأسباب مختلفة، وهي التي تعتمد على الخبرات الإعلامية في الدول التي تتخذها مقرات لها وذلك بالنظر للأوضاع اللوجيستية والمالية لتلك المؤسسات.
ويتفاقم وضع وحالة الإعلام الليبي ويتدنى بشكل متتال في ظل غياب دور السلطات الرسمية التي يجب عليها توفير المناخ المناسب، والتكفل ببسط الأمن والاستقرار ليؤدي الجميع دوره، وهذا ما جعل منظمة مراسلون بلا حدود تتهم حكومة الوفاق بالمسؤولية عن أوضاع الصحافيين والإعلاميين، حيث اتهمت المنظمة التي تعنى بأحوال الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، حكومة الوفاق في تقرير لها نشرته في العاشر من شهر يوليو الجاري، بعرقلة عمل الصحفيين الدوليين والليبيين والمراسلين ووسائل الاعلام الأجنبية .
وقالت المنظمة في تقريرها إن "ظروف العمل ساءت بشكل خطير منذ وصول فائز السراج إلى الحُكم"، مؤكدة أن السلطات الليبية تعمل بشكل لا يمكن تخيّله لمنع عمل الصحافيين، واصفة العمل الصحفي في ليبيا بأنه وصل إلى مرحلة "السقوط التام"، مشيرة إلى أن أهل المهنة، ممّن حاورتهم يطلبون عدم ذكر أسمائهم بسبب الضغط الشديد المسلط عليهم.
وربطت المنظمة بين ما تعرض له الصحفيون الأجانب في ليبيا ووصول السراج إلى طرابلس رئيسا للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، قائلة في تقريرها "بعد وصول حكومة فائز السراج إلى الحكم في 30 مارس 2016، عرفت ظروف عمل الصحافيين الأجانب في ليبيا تراجعا كبيرا".
ونقلت المنظمة الدولية عن شهادات مراسلين لوسائل إعلام أجنبية بأن العمل الصحفي في ليبيا أصبح مهمة مستحيلة بالنسبة للصحافيين الأجانب والمراسلين المحليين، وهو ما استنكره مدير مكتب شمال افريقيا لمراسلون بلا حدود، صهيب الخياطي، وقال "تضع هذه القواعد الجديدة حياة الصحافيين في خطر وتجعل منهم أهدافا للميليشيات المُسلّحة".