أن نتحدّث عن العلاقة بين المعلومات لدى الإعلاميين أو الصحفيين مثلاً من دون أن يعني هذا أن نتحدث عن المجتمع كلّه، ولا يمكن أن نتحدث عن دور مأمول لصحف ومواقع من دون أن نربط ذلك بالتطور العالمي الهائل في مجال المعلومات ووسائل البناء الأساسي بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وبديهي أن مهنة الصحافة تتطلب بشكل عام أن يجد الصحفي من يتعاون معه ويمده بالمعلومة التي تعينه في عمله الإعلامي ووصولاً إلى العمل في البيئة الرقمية والنشر الإلكتروني، ولكي يستطيـع الصحفي أن ينقل (معلومة أو صورة) عليه امتلاك المعلومة والتي غالباً ما يمده بها المسؤول أو من في يده سلطة على الموضوع، وقد يكون إنساناً عادياً حتي يتمكن من نقل تلك الصورة بأمانة وإخلاص، وهنا يكمن الترويج للثقافة الشفافية

وتنص المادة الثامنة من الميثاق العربي لحقوق الإنسان على أن للصحفي الحق في الحصول على المعلومات، وعلى جميع الجهات الرسمية والمؤسسات العامة تسهيل مهمته وإتاحة المجال له للاطلاع على برامجها ومشروعاتها وخططها، وحظر القانون فرض أية قيود تعيق حرية الصحافة في ضمان تدفق المعلومات إلى المواطن أو فرض إجراءات تؤدي إلى تعطيل حقه في الحصول عليها، وللصحفي حق تلقي الإجابة على ما يستفسر عنه من معلومات وأخبار وفقا لأحكام الفقرتين (أ) و(ب) من هذه المادةوينص الميثاق في المادة 32 على الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير وكذلك الحق في استقاء الأنباء الأخبار والإحصاءات والأفكار التي تهم الناس من مصادرها المختلفة وتحليلها وتداولها والتعليق عليها ونقلها إلى الآخرين بأي وسيلة ودونما اعتبار للحدود الجغرافية.
 
ونتساءل: هل ممكن أن يتم أي تطور مستقبلي في تغييب تكنولوجيا الاتصال والمعلومات المغاربية؟ وهل يتم تحديث الصحافة والإعلام ونوعية الكُتاب من دون أن يتوفر لهم مناخ الحرية والمعلوماتية...؟ علينا أن نعترف، أنّ إنّ الصحفي أو الإعلامي ببلداننا المغاربية، يعاني من ضعف التأهيل المهني في النواحي الفنية المتخصصة في مجال الإفادة من المعلومات، فإنّ هذا الضعف يعود إلى الصحفي أولاً، والمناخ الذي يحيط به، كما أنّ الصحفي لا يجد الخبرة في مجال توفر المعلومات، فضلاً عن أنّ أغلب هذه المعلومات غير متوفر أصلاً. وفي هذا السياق فإنّ السواد الأعظم من الصحفيين والكتاب لا يحصلون على معلومات جاهزة متوفرة لهم، كذلك فإنّ الكاتب المغاربي ـ وهي حقيقة لا يجب إغفالها ـ يقضي ما بين 15 ـ 18 ساعة يومياً للحصول على المعلومات أو الأخبار بكل الطرق والوسائل الممكنة وغير الممكنة أو المتوفرة له، وهي في الغالب غير موجودة ولا متوفرة ! 


إذاً كيف يمكن الخروج من هذه المعضلة؟ 


للإجابة، علينا أن نتوسل مجموعة من التوصيات، التي نراها ذات فعالية، ونقترح العناصر التالية: تيسير تدفق المعلومات بين المستويات المختلفة والمؤسسات والهيئات ومجموعة الأفراد المشتغلين بالإعلام والصحافة أو المتأثرين بهم لكونهم مصادر معلومات أو منتفعين بها. كذلك استخدام وسائل الاتصال الحديثة لإبلاغ المهتمين بالصحافة والإعلام بالمعلومات التي يحتاجون إليها لتوفير المعلومات التي تعينهم في شتى الأغراض الوظيفية، ولابد من توفير الموارد الببليوجرافية التي تيسّر استخدام مصادر المعلومات المتاحة، وهو ما يصل بنا إلى الدعوة لتوجيه خدمات المعلومات نحو الميادين التي تساعد على تحقيق التنمية الشاملة للمجتمع المغاربي، أيضاً إنشاء قواعد بيانات آلية تيسر للصحفيين والإعلاميين والكتاب الحصول على إجابات لاستفساراتهم في شتى القضايا المعرفية. 

فمن المؤسف حقاً أنّه في حين نجد لدى العالم المتقدم وحدات لتحليل المعلومات بهدف تحقيق الاستغلال الأمثل لها، فإنّ مثل هذه الوحدات ليست موجودة لدينا في أغلب المؤسسات والقطاعات، فلا يصل للإعلامي أو الصحفي أو الكاتب أيّة معلومة مهمة من العالم حولنا بالطرق التقليدية لها، أي لا يعرف كيفية سير المعلومة قبل أن تأتي إليه، وبالتبعية، فهو لا يعرف قيمة هذه المعلومة في وقت يكون في أشد الحاجة إليها... من ناحية أخرى، فإنّ نفس الحال ينطبق على صانع القرار في بلداننا المغاربية، فالذي لا يملك قاعدة بيانات في جميع فروع العلم سيفشل في إدارة دفة التقدم في مجاله، فلا يمكن لصانع قرار في مجال تخطيط المدن مثلاً أن يغفل العوامل البيئية عند وضع التخطيط العمراني لمدينة، ولا يمكن أن يغفل حتى تأثير المناخ على نجاح هذا التخطيط، ولا يمكن أن يغفل الحاجات الأساسية التي يجب إشباعها لسكان هذه المدينة حالياً ومستقبلاً، ولا يمكن أن يغفل النفايات المنزلية السائلة والصلبة، ولا يمكن أن يغفل احتمال حدوث كوارث، ولابد أن يخطط لها... وهكذا، ولكي يكون مؤهلاً للنجاح في عمله يجب أن ينهل من العلم في جميع الاتجاهات، ولكن للأسف لا يتوفر له الوقت ولا المعلومة لبناء هذه القاعدة فنفاجأ بكوارث قد يكون سببها غياب أحد المبادئ الأساسية في علم التخطيط العمراني. 

في عصر ثورة المعلومات والاتصالات يمكن لصانع القرار الاحتفاظ بآلاف الكتب المرئية أو الالكترونية على مكتبه في جميع المجالات والتخصصات ويستدعي المعلومة في ثوان دون الحاجة إلى سكرتارية أو موظفين لاستدعاء المعلومة واتخاذ قرار سريع فيها، فربما التأخير ثوان في اتخاذ قرار يكون سبباً في خسارة اقتصادية تقدّر بملايين الدولارات، بخاصة وأنّ هناك قرارات تنجح فقط بسبب توفر المعلومة لاتخاذ قرار سليم. وقد اقتنعت المؤسسات التجارية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم بضرورة تدريب موظفيها، حتى أنّ الوزراء ووكلاء الوزارات والمناصب العليا في الدول كان يتم تدريبهم من أجل توفير المعلومات الحديثة لهم، ولذا جاءت الكتب المرئية في جميع المؤسسات، لتقدم كافة الطرق العلمية لتوصيل المعلومة إلى صانع القرار من دون إحراجه بالدخول في دورة تدريبية، ومن دون تحمله لعبء الدراسة خمسة عشر يوماً، فلقد أثبتت دروس الماضي عدم جدوى ذلك حيث يقوم في الغالب بالتدريس فيها متخصصون ليسوا على علم كاف بمشاكل صانع القرار ومؤسسته. 

وقد اكتفت الدول المتقدمة بتأليف كتب لكل تخصص من التخصصات، يقوم صانع القرار بدراستها في وقت فراغه بطريقة شيقة وبكل وسائل توصيل المعلومات للبشر، والعصر الذي نعيشه بثورته المعلوماتية يتيح لصانع القرار احتفاظه بالمعلومة الصحيحة كما يتيح له تحديثها في ثوان، ويتيح له حذف ما هو غير صحيح من دون الالتجاء إلى الوسائل الروتينية طويلة الأمد، وهناك ملايين الكتب التي تتواجد في المكتبات لا تجد من يفتحها، وبسبب انشغال المهتمين بها في مشاكل إدارية أو اقتصادية أو عائلية سوف تبقى هذه الكتب قابعة ينساها كل من كان يتمنى أن يقرأها. 

يقول علماء الاقتصاد: ''إنّ سبب تخلف بعض الدول في العالم الثالث لا علاقة له بضعف مواردها الطبيعية، وإنّما تكمن المشكلة الأساسية في ضعف الموارد الإنسانية أو البشرية، فحيثما وجدت الأمية كان الجهل والفقر والمرض، ولن تتخلص الشعوب من براثن التخلف ما لم تأخذ بأسباب التعليم والتقدم، بخاصة في هذا العصر الذي هو عصر العلم، وعصر الاكتشافات العلمية، فالعلم هو معيار التقدم لأي شعب من الشعوب، ونعني التقدم المادي والتقني، فما بلغت الدول الغربية مرحلة الريادة إلا بالعلم والعلماء، لذا فقد شهدت نهضة اتصالاتية كبيرة. وإذا أرادت بلداننا المغاربية الرقي والتقدم، فعليها أن تبدأ بتنمية مواردها البشرية، بأن تستهدف إعادة بناء الإنسان بتوفير أقصى درجات الرعاية لمواهبه وقدراته واستعداداته، وإفساح المجال أمامه للخلق والإبداع والنفع دون الضرر، والبناء دون الهدم، فبتنمية الموارد البشرية تنمو المجتمعات في مختلف قطاعاتها، ولن تنمو المجتمعات إلاّ بالتعليم والإعلام، فالتعليم هو النشاط الرئيسي في بناء الموارد البشرية، والإعلام هو الوجه التعليمي الآخر المكمل لعملية البناء والتعبئة. 

هذه المهمة الكبيرة والخطيرة تتطلب وجود كفاءات إعلامية مغاربية، على درجة عالية من الوعي والإدراك والثقافة ومواكبة تطورات العصر التقنية في مجال الاتصالات والمعلومات، ومدربة تدريباً شاملا على التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة، وقادرة على تقديم رسالتها الإعلامية في إطار جذاب، فالإعلام مرآة الشعوب، بها يتميز ومن خلالها يميز، فقوة الإعلام قوة الأمة، وضعفه يعكس ضعفها، وما انتشرت ثقافة أمة في عصرنا الحاضر ولا قيمها إلا بقوة إعلامها، وإرادة إعلامييها وسعة أفقهم، وما تراجعت ثقافة وانزاحت إلى الهامش، إلا بضعف وسائلها الإعلامية وضحالة إعلامييها وفتور همتهم. 




كاتب صحفي من المغرب.