في الوقت الذي أطلق فيه الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، عملية "طوفان الكرامة"، بهدف تطهير العاصمة الليبية طرابلس من سيطرة المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية واستعادة سلطة الدولة، سارعت حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، لاطلاق عملية عسكرية باسم "بركان الغضب" للقيام بما وصفته بـ"تطهير كل المدن من الخارجين عن الشرعية"، في إشارة إلى قوات الجيش الوطني.
ومؤخرا نجحت حكومة الوفاق في السيطرة على عدد من مدن الغرب الليبي أبرزها مدينتي صبراتة وصرمان بدعم تركي كبير وذلك في اطار عملية "عاصفة السلام" التي أطلقتها حكومة الوفاق منذ نحو أسبوعين في خرق واضح للهدنة الدولية التي اقترحتها عدة دول لمواجهة فايروس كورونا منتصف مارس الماضي.


وظهر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،فائز السراج ليعلن سيطرة قواته على مدينتي صبراتة وصرمان فضلا عن أبوقرين، مؤكدا أنهم سيبسطون سيطرتهم على كامل ليبيا برا وبحرا وسماء.ولم يعرج السراج على فضيحة التدخل التركي العسكري العلني والسافر كما لم يكشف عن تركيبة قواته التي أطلق عليها مسمى "القوات المسلحة".لكن الانتهاكات والجرائم التي أعقبت هذه التطورات كشفت بوضوح حقيقة القوات التي تعول عليها الوفاق لبسط سيطرتها على البلاد.
وشهدت شوارع مدينتي صبراته وصرمان إعدامات جماعية وفردية،ونقلت تقارير إعلامية عن شهود عيان، ان العديد من رجال الأمن والمواطنين ضُربوا وسحلوا في الشوارع، قبل أن تتم تصفيتهم بدم بارد في المدينتين، بعد دخول المليشيات المسلحة إليهما، بدعم تركي مباشر كشف حجم إنخراط نظام أردوغان في الفوضى التي تعصف بالبلاد.
وقال الناشط السياسي من مدينة الزاوية القريبة محمود فحيل البوم، "إن المليشيات نفذت عمليات سرقة ونهب وإعدام في المدن التي سيطرت عليها، لأن هذا اسلوبهم، فعندما ينتصرون يتوحشون ويرتكبون أفعالا يندى لها جبين الإنسانية ".وأوضح في تصريح لـ"إرم نيوز"، أن "المليشيات أحرقت وسرقت   مراكز الشرطة ومقر مديرية الأمن في صبراته وصرمان، واعدمت أنصار الجيش الوطني الليبي في الميادين والشوارع، بعد أن أحرقوا بيوتهم وسرقوا معارض السيارات والمحلات التجارية"؛ وفق تعبيره.


وأعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن شديد إدانتها واستنكارها حيال تطورات الأوضاع المؤسفة التي شهدتها مدن صبراتة وصرمان.وطالبت اللجنة، في بيان أصدرته، ، مكتب النائب العام بفتح تحقيقات شاملة حيال هذه الجرائم والانتهاكات المروعة والتي طالت المواطنين وممتلكاتهم و أجهزة أمن الدولة ومرافق وممتلكات عامة وأفراد الشرطة والأمن التابعين للأجهزة الأمنية المدنية، مؤكدة على أن هذه الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنساني ، لن تسقط بالتقادم مهما طال الزمن أو قصر.
وبورها،أعربت الأمم المتحدة عن قلقها حيال انتهاكات ميليشيات حكومة الوفاق لحقوق الإنسان وتنفيذ أعمال انتقامية بحق المدنيين غرب ليبيا.وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إنها تتابع بقلق بالغ تقارير عن اقتحام سجن وإطلاق سراح 401 سجين وأعمال انتقامية بحق المدنيين في مدن بغرب ليبيا.
في المقابل سارعت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج إلى التهرب من المسؤولية حيال هذه الانتهاكات الجسيمة، مستبعدة وجود أي أعمال عنف وتهريب للمساجين.وأعلنت أن 393 نزيلًا هربوا إثر تمرد في سجن مدينة صرمان، ووجهت بإجراء تحقيق لتحديد المسؤولين عن الأمر، وحثت النزلاء الفارين على تسليم أنفسهم.


لكن ردة فعل حكومة الوفاق فندتها الصور والفيديوهات التي نشرتها عناصرها،حيث أظهرت صور  اقتحام المليشيات لمركز الحرس البلدي زلطن، والاعتداء علي ضباط وأفراد الحرس البلدي، وتوجيه الإهانات لهم، وهم يرتدون الزي الرسمي.فيما أظهرت صور أخرى تعرّض مقر صندوق الزكاة ومبنى الأوقاف ،بمدينة صبراتة ،إلى السرقة و النهب ،من قبل عناصر مسلّحة  تابعة لحكومة الوفاق.
من جهة أخرى،جاء تصريح المفتي المعزول الصادق الغرياني،الذي بارك فيه إخراج المساجين في مدن صبراتة وصرمان ووصفه بأنه "خطوة مباركة وداعمة من دعائم النصر"،ليكذب نفي حكومة الوفاق.وطالب الغرياني، في لقاء تلفزيوني عبر قناة "التناصح" الأربعاء، من مقر إقامته في اسطنبول،بإطلاق جميع المساجين المتهمين في قضايا إرهابية.
هذه التطورات ألقت الضوء على تركيبة القوات التي تعول عليها حكومة الوفاق،والتي كشفت مشاهد الفيديو أنها خليط من إرهابيي القاعدة ومن مجالس شورى المناطق الشرقية الفارين من ضربات الجيش في بنغازي ودرنة وأجدابيا،الذين كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب مع مسلحي جبهة النصرة،ومطلوبون دوليون.


وكان من أبرز الوجوه خلال غزو صبراتة وصرمان الإرهابي فرج شكو عضو مايسمى مجلس شورى ثوار بنغازي والمبايع لتنظيم داعش وهو أيضًا عضو في مايسمى سرايا بنغازي التي بارك السراج سحقها في الهلال النفطي بل وبارك للقوات المسلحة تطهير بنغازي منها.وقد ظهر شكو في تسجيل من داخل مركز ومديرية الأمن في صبراتة قبل أن تأتي صور لاحقة ويتبين ان المكان قد أضرمت فيه النيران كعادة الجماعات الإرهابية.
ومن أبرز المطلوبين الذين ظهروا بالمدينة في تحد صريح للمجتمع الدولي الإرهابي "العمو الدباشي" قائد مليشيات التهريب بصبراتة الضالع في الاتجار بالبشر.كما ظهر الإرهابي المهرب عبد الرحمن البيدجا، المطلوب دوليا، ضمن المشاركين في الهجوم على صبراتة رفقة المتحدث باسم قوات قوات الوفاق مالك المدني، رغم كونه مطلوبا دوليا وسبق وتبرأ منه وزير داخليةالوفاق فتحي باشا أغا في بيان ومؤتمر دولي.
وأيضًا ظهر المطلوب الآخر زعيم مليشيات التهريب قاطبة في المنطقة الغربية ، محمد العربي كشلاف المكنى "القصب" وهو الآخر تزعم حكومة الوفاق عدم تبعيته لها رغم أنه كان ولايزال مسيطرًا على مصفاة النفط في الزاوية.كما ضم الهجوم عددا كبيرا من الإرهابيين المتورطين في جرائم قتل أبرزهم "عبدالله الطرابلسي" آمر مليشيا الأمن العام المتورطة بجرائم عديدة أحدثها قتل شابين من منطقة غوط الشعال بالعاصمة طرابلس.


وعقب فتح السجون، خرجت عناصر تنظيم داعش والعديد من المتطرفين للمشاركة في القتال،وعلاوة على ذلك أظهرت الفيديوهات المتداولة مرتزقة سوريون وآخرون من دول الصحراء الكبرى،ليكوّنوا ما أسماه السراج "القوات المسلحة" التي تعمل تحت غطاء الغزو التركي والتي أثبتت جرائمها وانتهاكاتها الخطر الذي تمثله على ليبيا والمنطقة عموما.
خطر أكده العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي،الذي حذر من إن انتشار الإرهابيين التابعين لحكومة الوفاق في الساحل الغربي للبلاد ينذر بكارثة عودة تنظيم داعش ونشر الإرهاب في دول الجوار.وأكد المحجوب، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الوفاق تعمل على نشر عناصر تنظيم داعش  في الساحل الغربي الليبي من مدينة الزاوية وحتى معبر رأس جدير الحدودي.
وأضاف أن خطر هذه التنظيمات لن يكون حكرًا على ليبيا فقط، بل سيمتد خطرها لدول الشريط الحدودي الغربي والجنوب الغربي ودول الاتحاد الأوروبي على الساحل الجنوبي للبحر المتوسط.وأشار المحجوب إلى أن قوات الجيش الليبي ستحرم تلك المليشيات الإرهابية التابعة لحكومة الوفاق غير الدستورية، من حلم بناء أي قاعدة لوجودهم كما حرمتهم في بنغازي ودرنة والجنوب وسرت.
 ومع فوضى انتشار السلاح وتضارب المصالح لدى قادة عدد من الميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس، يصر الجيش الليبي على مواصلة عملياته العسكرية التي تأتي بحسب مراقبين بسبب استمرار مشهد الانفلات الامني وسيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس، وضعف حكومة الوفاق على الأرض في مواجهة هذا الخليط من الميليشيات وتعويلها عليها ما أدخل البلاد في أزمة خانقة تستمر تداعياتها منذ سنوات.