تشهد تركيا بين الحين والآخر موجات احتجاجية تتفاوت في حدتها وأسبابها، مما ينعكس بشكل مباشر على استقرارها الداخلي، ويؤثر على المنطقة بأكملها نظرا لدورها الإقليمي ومكانتها الجيوسياسية الهامة. حيث تتأثر الدول المجاورة والشركاء التجاريون بأنقرة بالتحولات التي قد تطرأ على سياساتها الداخلية والخارجية.
تعد تركيا لاعبا رئيسيا في العديد من الملفات الإقليمية الحساسة، مثل الأزمة الليبية، والملف السوري، وقضية اللاجئين. وقد يؤدي أي اضطراب داخلي إلى الحدّ من قدرتها على التأثير في هذه القضايا، حيث ستنصب أولويات الحكومة التركية على استقرار الأوضاع الداخلية بدلا من الانخراط بفعالية في الشؤون الخارجية. وهذا قد يمنح الفرصة لقوى إقليمية ودولية أخرى لملء الفراغ الذي قد تتركه أنقرة، مما يؤدي إلى تغيرات جوهرية في موازين القوى بالمنطقة.
ففي حال تصاعد الاحتجاجات، قد تجد أنقرة نفسها مضطرة لتقليص بعض التزاماتها الإقليمية، سواء بسبب الضغوط الداخلية أو الحاجة إلى توجيه الموارد نحو القضايا المحلية. ففي الملف الليبي، قد تتراجع تركيا عن دعمها السياسي والعسكري لبعض الأطراف مما قد يغير مسار التوازنات السياسية في البلاد.
أما الملف السوري، فقد يؤثر عدم الاستقرار الداخلي في قدرة أنقرة على إدارة مناطق النفوذ التابعة لها في الشمال السوري، مما قد يعزز من فرص القوى الأخرى، مثل روسيا وإيران، في تعزيز سيطرتها على المشهد هناك.
وبالنسبة لقضية اللاجئين، فإن استمرار الاحتجاجات قد يدفع تركيا إلى إعادة النظر في سياساتها المتعلقة باللاجئين السوريين، خصوصا إذا تصاعدت الضغوط الداخلية والمطالبات بترحيلهم. وقد يؤدي ذلك إلى توترات مع الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد بشكل كبير على أنقرة في الحد من تدفق اللاجئين نحو أراضيه بموجب الاتفاقيات الثنائية.
إضافة إلى ذلك، فإن تداعيات الاحتجاجات قد تؤدي إلى إعادة النظر في المشاريع الاستثمارية المشتركة بين تركيا ودول المنطقة، خاصة في قطاعات الطاقة والصناعات التحويلية. كما أن الشركات الأجنبية قد تتردد في ضخ استثمارات جديدة داخل تركيا إذا استمرت حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ومن جانب آخر، قد تسعى دول الجوار إلى استغلال هذه التحديات لتعزيز مكانتها الاقتصادية والسياسية على حساب تركيا، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة.
يؤكد المحللون، أن أي تصعيد داخلي في تركيا قد لا يبقى محصورا في حدودها، بل ستكون له تداعيات إقليمية واضحة، قد تساهم في إعادة تشكيل التحالفات السياسية والاقتصادية في المنطقة.