لم يعد خافيا أنّ نجاح الاستراتيجية المصرية القاضية باختراق التنظيمات الإرهابية من أجل صدّ أخطارها بصفة استباقية، قد تجلّى في أوضح صُوره مع جماعة الإخوان التي أضحت الآن بمثابة كتاب مفتوح أمام أجهزة الأمن، كما لم يحدث من قبل، ما فرض على قياداتها القيام بتغييرات في بنيتها الهيكلية خلال الفترة الماضية، لتجاوز الأزمات التي نتجت عن نجاح الأمن في كشف الكثير من مخططاتها، وفقا لما نشرته صحيفة العرب اللندنية.

وكانت بعض وسائل الإعلام قد نشرت قبل أيام تقارير أمنية غربية تؤكد نجاح أجهزة الأمن المصرية في اختراق تنظيم "داعش" المتواجد في سيناء، والحصول على معلومات مهمة عن عناصره وعملياته، وهو اختراق بلغ من الأهمية حدا دفع قيادات "داعش" للتفكير في إنهاء تواجده في سيناء، حفاظا على مكاسبه في سوريا والعراق، لأن استمرار المعركة في مصر قد يكون مكلفا جدا.

وأشارت التقارير الغربية إلى أن ما حصلت عليه مصر من معلومات مكنها من استهداف عدد كبير من قيادات التنظيم، وإفشال الكثير من العمليات التي كان ينوي تنفيذها في سيناء، لافتة إلى أن النجاحات التي تحققت دفعت قيادات "داعش" في سوريا إلى إجراء عملية مراجعة أمنية بحثا عن المصادر التي تمد الأجهزة المصرية بالمعلومات.

نبيل نعيم أحد مؤسسي تنظيم الجهاد سابقا، والخبير في شؤون التنظيمات الأصولية حاليا، لم يستبعد حقيقة ما جاء في التقارير الغربية، باعتبار أن أجهزة الأمن المصرية تمتلك خبرة تعود إلى 40 سنة خلت في اختراق الكثير من الجماعات الإرهابية، على عكس الأجهزة الأمنية الغربية التي لم تستطع فك شفرة الكثير من تلك الحركات، على الرغم من نجاح بعض عملائها في بعض الأحيان في الوصول إليها.

ولفت نعيم، في تصريح لــ"العرب" إلى أنّ الأمن المصري يمتلك خارطة متكاملة عن أدق أسرار الجماعات الإرهابية ويعرف مصادر تمويلها، من خلال العناصر التابعة له التي زرعها داخل كل جماعة.

وأضاف أن الجيش المصري استطاع أيضا أن يحصل على الكثير من المعلومات عن "داعش" من خلال العناصر التي تم القبض عليها، حيث تم التحقيق مع 60 إرهابيا بشكل منفرد وفي توقيت واحد، لمعرفة مدى تقارب المعلومات التي أدلت بها تلك العناصر.

تعتبر الخطوة التي قام بها الفريق أسامة عسكر، بعد تكليفه بالإشراف على القيادة الموحدة للعمليات العسكرية في سيناء، والتي عمد من خلالها إلى تغيير كافة أجهزة اللاسلكي المُستعملة بأجهزة اتصالات حديثة روسية الصنع يصعب اختراقها، هامة جدا، ما أعطى غطاء قويا للعمليات العسكرية للجيش والتي حققت نجاحات لافتة في الفترة الأخيرة.

وكشف مصدر أمني، خير عدم الكشف عن اسمه، لـ”العرب” أنّ وحدة الحرب الإلكترونية التابعة للجيش الثاني الميداني تعدّ أحد أهم أسرار نجاح القوات المصرية في إفشال مخطط “داعش” لاحتلال جزء من سيناء في المعركة التي عرفت بـ”عملية الأربعاء الدامي”، بعد أن نجحت في اختراق شفرات الاتصال بين قيادات التنظيم، وتوصلت إلى معرفة تفاصيل خطة الهجوم في الساعة الثانية من الليلة التي تسبق يوم الاعتداء، أي قبل حوالي 5 ساعات من بدئه، فتم إبلاغ قادة الكمائن بالهجوم، الأمر الذي ساعد كثيرا في التصدي له وإفشاله.

وقال عادل عبدالصادق، الخبير بوحدة الدراسات الأمنية والاستراتيجية بمركز الأهرام، إنّ الإرهابيين جهّزوا كل ما يلزم لإنجاح مخططهم من أسلحة حديثة وخطة تمويه واستطلاع، وإمداد وتموين بالذخائر، وخطة أخرى لإخلاء الجرحى على غرار الجيوش الحديثة، لكنهم فوجئوا بأن الجنود المصريين على أهبة الاستعداد، وقد ظهر ذلك بعد قيام أحد جنود كمين السدرة بإطلاق النار على السيارة المفخّخة قبل أن تقتحم محيط المكان، الأمر الذي لعب دورا في تقليل الخسائر ونبه الجنود الآخرين الذين أمطروا السيارات التي هاجمت الكمين بالرصاص، ما اضطر عناصر التنظيم إلى الانسحاب واتجهوا نحو قسم شرطة الشيخ زويد لمحاصرته.

وأكد المصدر الأمني أنّ عناصر وحدة الحرب الإلكترونية التقطوا أيضا إشارات استغاثة من الإرهابيين، في حين كانت طائرات “آف 16” المقاتلة على أهبة الاستعداد، وتحركت طائرتان من قاعدة جوية بالإسماعيلية لقطع تقدم أي أرتال داعمة للإرهابيين، وقامت طائرة أباتشي بمهاجمة تجمع احتفالي لـ”داعش” قرب كمين الرفاعي، كان يتم فيه تصوير أعضاء التنظيم مع آليات عسكرية استولوا عليها من الكمين لبثها عبر الفضائيات، لكن الطائرة المصرية تمكنت من القضاء عليهم.

وأشار عادل عبدالصادق إلى أنّ أجهزة اللاسلكي الحديثة التي أستخدمها قادة “داعش” في سيناء قادمة من تركيا، ممّا يكشف “تورط أجهزة الاستخبارات التركية في دعم التنظيم الإرهابي”، وفق تعبيره.

وأوضح أنّ المخطط كان يتضمن بثا حيا عبر الإنترنت يُوضح سيطرة التنظيم على مدينة الشيخ زويد ورفع علم “داعش” فوق مبنى القسم، إعلانا عن قيام ولاية سيناء، ثم إذاعتها بشكل حصري على القنوات الإخوانية بهدف تحقيق نصر إعلامي.

اللواء سيد هاشم، المدعي العام العسكري الأسبق، أكد أن الأجهزة الأمنية المصرية اتبعت أسلوبي الاختراق والملاحقة الأمنية مع كل التيارات التي تؤمن بالعنف السياسي وليس مع الجماعات الإرهابية الموجودة في سيناء فحسب، مشيرا إلى أنها نجحت في اختراق صفوف الجماعات من أجل تفتيتها وكشف مخططاتها في الداخل والخارج.

ونوه هاشم إلى أنّ “الشاباك” (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) أسس وحدة عام 2013، تسمى وحدة (الجهاديين) لاختراق وتوظيف تلك الجماعات الموجودة في سيناء والاستفادة من تقاطع مصالح الطرفين في المنطقة.

تحدثت الكثير من التقارير الصحفية عن تعرض أغلب التنظيمات الأصولية المعروفة لاختراقات عميقة من طرف أجهزة الاستخبارات الغربية والعربية، وتتم تلك العمليات غالبا من خلال تجنيد عملاء لا يثيرون الشبهات حولهم، وتبدو عليهم السمات التقليدية المميزة لأعضاء الجماعات الدينية مثل اللحية والملابس.

وأوضح مصدر مقرب من جماعة الإخوان أنّ القائمين على شؤون الجماعة في مصر، اكتشفوا حصول اختراق أمني داخلها خلال الفترة الماضية، عبر عناصر تتعاون مع أجهزة الشرطة لكشف الأفراد النشطين ضد الدولة ومد وزارة الداخلية بالمعلومات حول مخططاتهم الإرهابية قبل تنفيذها.

وقد مكنت عمليات الاختراق تلك من كشف الكثير من المعلومات حول القيادات الإخوانية التي تم إلقاء القبض عليها مؤخرا، مثل محمد وهدان ومحمود غزلان وعبدالرحمن البر، فضلا عن سقوط العديد من القيادات الوسطى التي تعد بمثابة العمود الفقري للجماعة.

وأشار إلى أن قوام الجماعة حاليا يبلغ نحو 800 ألف عضو منظم في مختلف محافظات مصر، فضلا عن النساء، لكن أغلبهم في حالة سكون، مرجحا أن يندلع صراع قريبا بين شباب الجماعة وقياداتها.

وقال هشام النجار، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية إنّ بصمة الإخوان ظهرت في العديد من العمليات الإرهابية التي شهدتها مصر في العامين الماضيين، فضلا عن تواصلهم مع تنظيمات مسلحة في سيناء، وتوفير المناخ الداعم لعملياتها والحض عليها.

وطبقا لتقارير خبراء غربيين، فإن أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة كان قد أجرى عملية تطهير واسعة في نهاية التسعينات وأوقف الدعم المالي عن كثير من المجموعات، بعضها في لندن، بسبب الاشتباه في تعرضها للاختراق. وقد نجحت العديد من أجهزة الشرطة والأمن في المنطقة العربية، في اختراق تلك الجماعات المتشددة، ما أجبرها على اتخاذ خطوات لتجنب إلقاء القبض على عناصرها، حيث قام “داعش” بإعدام من أطلق عليهم عملاء للأمن في صفوفه.

وستظل عملية اختراق الجماعات الإرهابية، واحدة من الأدوات الرئيسية لدى كثير من الأجهزة الأمنية في العالم، لأنها تكاد تكون السلاح الأنجع الذي يمكن الاعتماد عليه في تحجيم العمليات الإجرامية، التي يقوم بها متشددون في أماكن مختلفة، بعد أن تحولوا إلى شبكات عنقودية واسعة الانتشار يصعب السيطرة عليها بالطرق التقليدية، فلم تعد الضربات الأمنية المباشرة هي الوسيلة الناجعة للإجهاز على الإرهابيين.