مع إقفال باب الترشح للانتخابات الرئاسية، فقد أعلنت المفوضية العامة للانتخابات في ليبيا، الإثنين 22/11/2021، أنّ عدد المترشحين وصل إلى 80 مترشحا، بينهم سيدة واحدة. وهذا العدد الكبير له مدلولاته العميقة، هذا الإقبال اللافت على الترشح، يعطي صورة حية للحراك الشعبي الفاعل بين كل مكونات الشعب الليبي للرد على كل المخططات والمشاريع التركية... هذا العدد الكبير للمترشحين، لا شك أنه يجسد المشهد الديمقراطي الصحيح الذي تعيش ليبيا أجواءه اليوم، ويؤكد تمسك الليبيين بحقهم في المشاركة برسم مستقبل بلدهم، وفق رؤيتهم وتطلعاتهم، وليس وفق ما تشتهيه تركيا والتابعين لها كإخوان ليبيا... فهؤلاء يصوبون سهامهم المسمومة للتشويش على هذه الانتخابات لمحاولة تعطيلها، فهي تعمل في الخفاء والعلن وتفعل كل ما بوسعها حتى تشوش على انتخابات الليبيين، وتحاول بالتالي أن تمنعهم من أن يمارسوا حقهم الدستوري الذي كفلته لهم كل المواثيق والدساتير الدولية.

بهذا المعنى، يمكن القول: إن أغلبية الاعتراضات التي تصدر من إخوان ليبيا وتابعيهم، تؤكّد، مرة جديدة، حاجة هؤلاء لاتّباع "كورس" مكثّف في القانونين الدستوري والدولي كما في شرعة الأمم المتحدة ونظامها الأساسي ليعرفوا، ويتعرّفوا، أولاً، على آليات الانتخابات المختلفة بين دولة إلى أخرى، وليعلموا، ثانياً، من هو صاحب الحق الوحيد والحصري بمنح الشرعية وحجبها، وبالطبع لن نتحدّث عن ضرورة اتّباع هؤلاء لـ"كورس" في الأخلاق وما يشبهها فذلك أمر لا يدّ لهم فيه ولا فائدة تُرجى منه بشأنهم بالمحصلة النهائية. بيد أن الدرس الذي يجب علي الليبيين استذكاره، بسيط للغاية ومفاده أنه لا أحد يولد ديمقراطياً كما يشيع البعض، وإن الديمقراطية لا تأتي بالأمنيات والبيانات المنمّقة، بل هي تنقاد، فقط، لمن يثابر عليها بالعمل الدؤوب أولاً، تنظيراً وممارسة، والقبول، ثانياً، بآلياتها ونتائجها، فلا ديمقراطية دون ديمقراطيين، ولا ديمقراطيين دون انخراط فعلي في لجّة الواقع الحقيقي، تثبيتاً أو تغييراً بحسب الحاجة، بعيداً عن التنظيرات التي تصدر من الفنادق والصالونات الفخمة والمقاعد الوثيرة، ومؤخراً مواقع التواصل الاجتماعي بهدف جمع "لايكات" لا تغني ولا تسمن من جوع، في الوقت الذي لازال الميدان الانتخابي مفتوحاً لهم لاختبار "شعبيتهم" التي يتحدّثون وكأنها مضمونة في جيبهم "الديمقراطي" الصغير! فيما الواقع، والوقائع، يقولان إنهم لا زالوا بانتظار "خارج" يقدّم لهم السلطة على طبق من عمالة لن يكونوا، بحسب دروس التاريخ المستفادة، إلّا أحد مكوّناته الزائدة على أفضل تقدير. والسؤال الذي يقفز دون استئذان: لماذا يخاف أعداء ليبيا من الاستحقاق الرئاسي إلى هذه الدرجة؟

ببساطة، لأنه يمثل وحدة التراب الليبي ورمز سيادة الدولة ويسقط مراهنات قوى العدوان على تجزئة الوطن وتمزيقه، فأعداء ليبيا يبتغون إنكار نتائج الانتخابات قبل حدوثها، لأنهم يعلمون أن النتائج لن تكون كما يشتهون، ويبتغي هؤلاء شيطنة العملية الانتخابية لأنهم يعلمون أن هذه العملية التي سينخرط فيها الشعب الليبي لن تكون إلا وجها آخر من عمليات الدفاع عن ليبيا. لهذا اكتسبت الانتخابات الرئاسية في ليبيا التي ستجرى في 24 كانون الأول/ديسمبر المقبل، أهمية خاصة واستثنائية، وذلك بالنظر لطبيعة الظروف والتحديات التي تمر بها ليبيا بعد إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، واستمرار الحرب العدوانية الإرهابية عليها بأشكال مختلفة، حيث تحاول منظومة الشر والعدوان والإرهاب التدخل بكل شاردة وواردة تهم الليبيين، والمس بسيادتهم واستقلال بلدهم ومصادرة قرارهم الوطني المستقل، حيث لم تتوقف الضغوط السياسية والاقتصادية والإعلامية ومحاولات التشويش على الحدث منذ أن تم الإعلان عنه لحظة واحدة، في محاولة يائسة لتعطيله وفرض أجندات خارجية تناسب مصالح هذه المنظومة وأطماعها وأوهامها. ولتأكيد المؤكد نقول، أنه ليس من حق أحد في العالم أن يقرر مستقبل ليبيا إلا الشعب الليبي... جملة يتمسك بها الليبيون ويعملون وفق قواعدها الناظمة، وتحترمها كل الحكومات والدول والمؤسسات الدولية التي تحترم القوانين والشرائع الدولية، بينما تنكرها منظومة أعداء ليبيا، وتلتف عليها وتعمل بعكسها منذ الإطاحة بحكم العقيد معمر القذافي. 

اليوم، وعلى أعتاب الاستحقاق الرئاسي، يطبق الليبيون هذه القاعدة بكل تفاصيلها الوطنية، ولا يسمحون لأحد في العالم القفز من فوقها، وتتكامل رؤية الشرفاء في العالم، ومن يحترمون القوانين الدولية مع رؤيتهم، فيما تذهب منظومة إخوان ليبيا والتابعين لهم، - كما هي العادة - باتجاه آخر، فتجد إعلامها المضلل يسبح في محيط آخر ليس فيه إلا الكذب والدجل والاتهام الذي لا يستند إلى دليل علمي أو وثيقة صحيحة. وارتباطاً بهذه البديهية فإن الاستحقاق الانتخابي القادم سيشكل محطة مفصلية في تاريخ الليبيين وحياتهم السياسية، أما إصرارهم على المضي به في موعده، رغم كل آثار الإرهاب والتهديد والوعيد، فإنه يدل على عزيمتهم التي لا تلين وإرادتهم القوية التي لا تنكسر، وعلى قرارهم بطي صفحة الإرهاب والذهاب إلى الإعمار وإعادة الأمن والأمان إلى كامل الجغرافيا الليبية مهما كانت الضغوط ومهما كانت التضحيات.
 
بيد أننا ونحن ننتظر ذلك، نعلم علم اليقين أنه إذا فشلت كل المؤتمرات الدولية، فإن صندوق الانتخابات الرئاسية هو الأكثر دقة في تجسيد الإرادة الحقيقية لليبيين بخاصة بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب لن يحابي من خاضها وعاش قسوة ظروفها أي إرادة غير إرادته وحقه بأن يفرض كلمته بعدما حاول الكثيرون من الغرب والشرق مصادرة حنجرته واستثمار عذابه ووجعه لمصلحة تمرير الصفقات السياسية إقليمياً ودولياً. لهذا وأكثر قيل عن صوت الليبي في صندوق الانتخاب بأنه رصاصة تحرير أخرى ومرحلة ليبية منتظرة ويبدو أنها أكثر... فهي لحظة تحد توازي في مفاعيلها معركة سياسية أو حتى ميدانية فهي الكاشفة لوجه حقيقة كاملة ولزيف كذبة أشعلت حرب أكثر من عشر سنوات بل هي بحد ذاتها أي هذه العملية الانتخابية اللبنة الأولى في إعادة إعمار ليبيا. 

وعليه فإن الشرعية للاستحقاقات الرئاسية تُمنح حصراً من الشعب الليبي وليس من سواه، والليبييون اليوم أكثر تصميماً ومن أي وقت مضى على إنجاح الاستحقاق الرئاسي من خلال وعيهم الوطني الكبير بضرورة المشاركة بهذا الاستحقاق الرئاسي الكبير، للوصول لمفهوم الديمقراطية النزيهة من خلال صناديق الاقتراع التي ستفند بدورها أكاذيب الأعداء اللاهثين وراء التشويش على الانتخابات، وتدحض كل تلك الترهات التي يطلقها رعاة الإرهاب وعملائهم. وعي وصمود الليبيين ليس بجديد فلطالما أحبوا وطنهم بكل جوارحهم وقدموا الغالي والنفيس لنصرته وعزته وتقدمه، وقد شهدت السنوات السابقة على ذلك من خلال ثباتهم في وطنهم على الرغم من الإرهاب وممارساته الخطيرة وجرائمه المعمولة بحقهم وبحق مدنهم وممتلكاتهم.

خلاصة الكلام: ليبيا اليوم في مخاض جديد لولادة جديدة، ولجمهورية جديدة /المدخل الانتخابي/ الرئاسي بدايتها، وأحد مفاتيحها الهامة في قراءة التجربة، وتقويمها، وإعادة إنتاج/ الوعي الجديد/ في اللغة، والثقافة، والخطاب، والسياسة، والإدارة، وإنتاج الجديد، ومنصب الرئاسة/ جامع وطني/ وللجميع.‏ ببعض هذا، والكثير غيره يذهب الليبيون لصناديق الاقتراع، لمشروع بناء الوطن الجديد.‏




كاتب صحفي من المغرب.