في الوقت الذي تتواصل فيه المساعي محليا ودوليا لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أواخر العام الجاري يتجدد الجدل السياسي والقانوني في ليبيا، بخصوص مستقبل الدستور الجديد، الذي مازال إصداره مطلبا صعب التحقيق في ليبيا في ظل تواصل الانقسامات وغياب التوافق بين الفرقاء.
إلى ذلك، علق مجلس النواب الليبي الثلاثاء 31 يوليو 2018، جلسته الرسمية التي كانت من المقرر أن يقر خلالها قانون الاستفتاء لطرح مسودة دستور البلاد الجديد على الشعب، إلى جلسته الأسبوع بعد القادم. وقال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح في بث مباشر لمجريات الجلسة، إن "الجلسة تعلق إلى الأسبوع بعد القادم، لاستكمال النقاش حول إصدار قانون الاستفتاء الشعبي على الدستور".
واستأنف مجلس النواب الاثنين مناقشة إصدار قانون الاستفتاء على الدستور في جلسة معلقة منذ أسابيع. ورحبت بعثة الأمم المتحدة بالجلسة واعتبرتها خطوة ضرورية للتأسيس لانتخابات نزيهة. وقالت البعثة في تغريدة على موقع تويتر إنها "تتابع بانتباه شديد، مع المجتمع الدولي، هذه العملية الديمقراطية لضمان عملية انتخابية حرة ونزيهة على قانون الاستفتاء من أجل مستقبل ليبيا وسلامها". ولم يذكر عقيلة صالح، تاريخا محددا للجلسة لكن جلسات النواب محددة يومي الإثنين والثلاثاء من كل أسبوع، وهو ما يوافق 13 و14 أغسطس/ آب القادم. ونقلت "إرم نيوز"، عن مصادر نيابية تعليلها سبب الإرجاء بحدوث خلافات بين النواب بشأن عدد من النقاط التي تضمنها مشروع القانون.
المادة الثامنة
ويأتي قرار مجلس النواب بتعليق الجلسة بعد أن تعثر التصويت على القانون بسبب خلاف على المادة الثامنة.وقال الناطق باسم مجلس النواب عبدالله بليحق،الاثنين، إن النواب ناقشوا في جلسة اليوم 46 مادة في قانون الاستفتاء، والتي تم تعديل بعض المفردات أو الكلمات فيها، واتفقوا عليها دون أي تعديلات جوهرية.وأضاف بليحق في تصريحات صحافية أن الملاحظات جاءت على المادة الثامنة فقط والتي تم طرحها للنقاش في الجلسة.
وتوقع نائب ليبي، عدم قدرة مجلس النواب، خلال الجلسات القادمة على المدى القريب حسم موضوع إصدار قانون الاستفتاء على مسودة الدستور، كما كان مقررا مسبقا.وقال النائب،وفقا لوكالة "الأناضول"، أن "الأمور تأزمت، والنقاش حول المادة الثامنة حاد، وهو أمر سيعطل التصويت النهائي على القانون، وبالتالي لن يصدر القانون خلال الجلسات في الفترة القريبة". وتابع "المادة الثامنة المثيرة للجدل مخالفة لنص الإعلان الدستوري، ولذلك إن أصر نواب المجلس على تضمينها في قانون الاستفتاء، سيتطلب ذلك تعديلا عاشرا في الإعلان الدستوري (دستور مؤقت يحكم البلاد منذ 2011). وتنص المادة الثامنة على انتهاء عمل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، في حال عدم نيل مشروع الدستور ثقة الشعب في الاستفتاء، الأمر الذي اعتبر مخالفًا لما ورد في الإعلان الدستوري.
عراقيل
ورغم انتهاء هيئة الستين من كتابة الدستور في يوليو 2017، عقب ثلاث سنوات من الشد والجذب بين أعضائها، إلا أن جملة من الصعوبات مازالت تواجه صدوره.وكان رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي، نوح عبد السيد عبد الله، قد أعلن استقالته الأحد، بسبب ما وصفه بـ"الكثير من العوائق المتعلقة بالعمل والمضي نحو الاستقرار".
وبحسب نص الاستقالة، قال نوح إنه "يرغب بعدم الاستمرار في الهيئة التأسيسية للدستور، بصفته رئيسا لها أو ضمن أعضاء الهيئة، وإنه لن يباشر أو يزاول مقتضيات الوظيفة أو أي عمل من أعمالها اعتبارا من هذا التاريخ آملا في قبول الاستقالة". وكانت هذه الهيئة قد أعلنت عن مسودة الدستور الجديد في منتصف العام الماضي، بعد مشاورات أجرتها مع العديد من الاطراف السياسية، وفاعلين في المشهد الليبي.وتضم مسودة مشروع الدستور الجديد، نحو 195 مادة تعتبرها بعض الأوساط أنها "خارطة طريق لإعادة ليبيا إلى طريقها الصحيح، وتجاوز الأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها منذ العام 2011.
ومراراً، دعت الهيئة مجلس النواب، إلى سرعة إصدار قانون للاستفتاء الشعبي على المسودة، فيما أعربت المفوضية العليا للانتخابات عن جاهزيتها لتنظيم الاستفتاء.وطالب المجتمع الدولي - أكثر من مرة - مجلس النواب الليبي بسرعة إصدار ذلك الاستحقاق تمهيداً لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في البلاد تقرر إطلاقها خلال لقاء جمع أطراف النزاع الليبي في باريس قبل شهر. وبخلاف حالة الوفاق التي ظهرت في مواقف فاعلين في المشهد الليبي بخصوص بعض المواد الدستورية الجديدة، لاسيما ما تعلق بالعمل السياسي، والتعددية، فإن أطرافا أخرى تسجل انتقادات بخصوص المواد المتعلقة بطبيعة الدولة، أبعادها وانتمائها الحضاري.
مقاطعة الأقليات
ويعلن ممثلون لبعض الأقليات في ليبيا، رفضا واضحا لما جاء في المواد التي تتناول الهوية الليبية، ويرون أنها تمثل إقصاء واضحا للعديد من الفاعلين في المجتمع الليبي.حيث دعا ممثلو التبو في هيئة صياغة الدستور والمجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا في بيان لهم السبت؛ أبناء التبو والأمازيغ كافة، إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور.
وأكد البيان استمرارهم في رفض مشروع الدستور لمخالفته مبدأ التوافق الذي نص عليه الإعلان الدستوري، محملين في الوقت ذاته المسؤولية القانونية لكافة السلطات التشريعية والتنفيذية على المضي قدما في إصدار دستور عنصري غير توافقي سيؤثر على استقرار ليبيا، وفق نص البيان. وكان المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا،قد أعلن الثلاثاء الماضي، مقاطعته لعملية الاستفتاء على الدستور، واصفا المسودة بأنها "عنصرية وإقصائية".وكان المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا قد قاطع انتخابات الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور التي جرت في 20 فبراير 2014، وأعلن المجلس رفضه لمشروع الدستور الذي أقرته الهيئة التأسيسية.
وبدوره استنكر سلطان التبو أحمد الأول قرار الاستفتاء على مسودة الدستور لمخالفته للمادة 30 من الإعلان الدستوري بشأن التوافق مع التبو والأمازيغ والطوارق.وحذّر في بيان له،الاحد، القائمين على الاستفتاء مهما تعددت صفاتهم وتسمياتهم بتحمل ما سيترتب عليه جراء الاستفتاء الذي وصفه بـ"العنصري".
وتثير مسألة الدستور مواقف متضاربة في ليبيا وسط خلافات عميقة،كان قد عبر عنها المبعوث الأممي غسان سلامة في منتصف أيار/مايو،حين أعرب عن اسفه لان "وجهات النظر الليبية تتباعد بشكل جذري" حيال مشروع الدستور الجديد، موضحا أنه "في حين يدعو البعض الى تنظيم استفتاء مباشر، فإن آخرين لا يوافقون على النص ويطالبون بتعديلات". ويلقى الاستفتاء على الدستور عموما، رفضا من قبل عدة أطراف،فيما تشترط أطراف أخرى في ليبيا،إقرار الدستور قبل الذهاب للانتخابات، التي تقرر إطلاقها وفق خارطة طريق طرحتها الأمم المتحدة بداية العام 2018، وتطابقت بعض بنودها مع إعلان باريس، الذي جمع قبل أشهر أطراف النزاع السياسي الليبي.
ونص إعلان صدر عقب لقاء جمع الخصوم السياسيين الليبيين، في العاصمة باريس نهاية مايو/ أيار الماضي، ضمن مبادرة فرنسية على إجراء انتخابات في 10 ديسمبر/ كانون أول المقبل، ووضع الأسس الدستورية للانتخابات الليبية، وهو ذات الأمر الذي تنص علية خارطة الطريق التي أعلنتها الأمم المتحدة مطلع العام الجاري.