_المواجهة المحتدمة هي أهم ما حققه هذا الإعلام الناشئ، وإذا نجحنا في ذلك فسيكون ذلك انجازا تاريخيا

_ أكبر المؤسسات الإعلامية والصحفية تابعة لتيارات سياسية وتنقل القضايا وتطرحها بشكل غير متوازن والإعلام العمومي لا يزال يتلبس النمط الرسمي

_ الإعلام الليبي الآن لا يزال يتميز بغياب التنظيم وذلك لعدم وجود جسم ينظم العمل كوزارة أو مجلس أو هيأه

انطلاقة جديدة وتحديات

غابت قنوات الجماهيرية والليبية والشبابية وصحف "الجماهيرية، الشمس، الفجر الجديد، الزحف الأخضر" التابعة للنظام الليبي السابق ليتبوأ المشهد الإعلامي في ليبيا منذ اندلاع الحرب العام 2011 ، ما يتجاوز المئات من الصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية ومحطات الراديو المستقلة. وبمرور الزمن أخذ العدد في النقصان والسبب كما يقول أصحاب هذه المنابر الاعلامية الدعم المادي وضعف الكادر الصحفي وعزوف المتلقي الذي أصبح ينتقي صحيفته وسرعة نشر الحدث الليبي من جانب القنوات الكبرى المعروفة.

يقول التصنيف السنوي لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية الإعلام للعام 2013 سجلت ليبيا الترتيب" 131"  وحسب التقرير فأنها سجلت تقدما عن العام السابق بــــــ" 23" درجة، ورغم ذلك أوضح التقرير أن حرية الإعلام في ليبيا مازالت في خطر إذ لا يوجد قانون يحمي الصحفيين والمؤسسات الإعلامية حيث يشهد كلاهما اعتداءات متكررة وتقيد الجريمة ضد مجهول ويرجع التقرير ذلك إلى انتشار الأسلحة وعدم تفعيل القوانين وتشكيل الجيش والشرطة في البلاد لحد الآن.

قال أحمد الفيتوري رئيس تحرير جريدة ميادين الأسبوعية والتي بدأت الصدور في شهر مايو العام 2011، ليبيا في حالة ما بعد الثورة حيث قد تم الإطاحة بنظام فاشي كان قد دمر البلاد وعمل على إزالة أي عمل مؤسسي، وعلى هذا فليبيا في مرحلة الإنشاء وبالتالي تغوص في وحول ما بعد هذا النظام. والإعلام الناشئ وقع في أيدي تريد بقاء النظام السابق لهذا تم الحرص الشديد على استمرار الإعلام العام لتحقيق مكاسب شخصية والسيطرة على مجريات الأمور والنتيجة إعلام أسوء مما كان عليه سابقا. ويضيف الفيتوري الإعلام الخاص الجديد في البلاد برأيي يواجه معطيات الإنشاء من ناحية، ومن ناحية أخرى تريد القوى الفاشية الجديدة وما تبقي من القديمة قمع هذا الإعلام الناشئ.

وبحسب الفيتوري نحن في مرحلة مواجهة وحرب ضروس لم يحقق فيها الإعلام الناشئ حريته

وبالتالي لم يستطيع أن ينقل الأخبار بحيادية أو بدقة معلوماتية, لكن رغم ذلك فإن هذه المواجهة المحتدمة هي أهم ما حققه هذا الإعلام الناشئ، ويؤكد الفيتوري هناك الكثير مما دفع سابقا والآن من أجل أن يكون ثمة إعلام في ليبيا وبالتالي إعلاما حرا، وإذا نجحنا في ذلك فسيكون ذلك انجازا تاريخيا.

وقالت الصحفية انتصار البرعصي، إن أبرز التحديات التي تواجه الصحفيين في ليبيا هي انتشار السلاح الذي يحد من التطرق لكل المواضيع بحرية ودون خوف، مشيرة إلى أنه ومع تنامي سلسلة الاغتيالات التي استهدفت عسكريين ليبيين مؤخرا، برزت قائمة تناقلتها صفحات التواصل الاجتماعي بأسماء عدد من الإعلاميين والصحفيين المستهدفين بالتصفية. 

وأوضحت البرعصي إن المشهد الإعلامي الليبي ينقصه التوازن، حيث إن أكبر المؤسسات الإعلامية والصحفية تابعة لتيارات سياسية وتنقل القضايا وتطرحها بشكل غير متوازن ومنقوص، والإعلام العمومي لا يزال يتلبس النمط الرسمي.

غياب التنظيم

فاتح الخشمي رئيس تحرير جريدة قورينا الجديدة والتي كانت تصدر إبان الحكم السابق باسم قورينا أوضح أن ليبيا تشهد الآن انفتاحا إعلاميا غير مسبوق، حيث توجد العشرات من القنوات التلفزيونية والمسموعة إضافة عن مئات الصحف الحكومية والخاصة، وأضاف الخشمي: لكن ومع وجود هذا الكم الكبير هل يمكننا أن نقول إن الإعلام الليبي استطاع أن يكون على خط متواز مع التطورات الراهنة التي تمر بها البلاد، بالتأكيد لا، وذلك لأسباب عديدة أهمها ضعف الإمكانات المادية والفنية.

أيضا الإعلام الليبي الآن لا يزال يتميز بغياب التنظيم وعدم وضوح الرؤية، وذلك لعدم وجود جسم ينظم هذا العمل كوزارة أو مجلس أو هيأة وإن كانت الحكومة قد عملت على إعادة إنشاء وزارة للإعلام إلا أنها وللآن لم تؤد دورها المأمول منها. بالأصح إنها غير موجودة فعلا على الواقع.. حقيقة لا أريد أن أقول الكثير أكتفي بالقول: إن الإعلام الليبي ينقصه الكثير حتى يكون قادرا على مواكبة التطورات الراهنة.

وعن مواكبة قورينا الجديدة لأحداث البلاد الراهنة قال الخشمي: قورينا ووفقا للمتاح لديها فإنها استطاعت أن تكون من الصحف أو لنقل من الوسائل الإعلامية القليلة العاملة في بداية الثورة بشرق البلاد، وذلك من خلال موقعها الإلكتروني والذي في حقيقة الأمر لم يكن لجميع الليبيين فرصة الاطلاع عليه لانقطاع خدمات الانترنت لدى العديد من المتتبعين.

مواكبتنا كانت في غالبها من خلال شبكة المراسلين في مختلف المدن والتي عملت على إنشائها تلك الفترة، حيث ولعلاقتها بعدد من الصحفيين الليبيين المتعاونين في مختلف المناطق المتاح التواصل معها خاصة الزاوية ومصراتة وزوارة وجادو إضافة إلى شرق ليبيا استطاعت أن تغطي جل الاحداث الدائرة.. أنوه إلى أن العمل تلك الفترة كان عملا تطوعياً من الجميع.

ايضا كان للصحيفة في تلك الفترة مصادرها الخاصة من العسكريين وأعضاء المجلس الوطني الانتقالي والمجتمع المدني وغيرها من المصادر ما اتاح للصحيفة مواكبة الأحداث، وبالتالي استطاعت أن تكون مصدرا من المصادر التي اعتمد عليها الإعلام العربي والدولي في نقل  الأخبار والتقارير.

بطبيعة الحال فإننا كصحيفة اعتمدنا على العديد من المصادر التقليدية وغير التقليدية فكما قلت أن الصحيفة لديها شبكة من المراسلين الذين كان لهم الدور في نقل مجريات الأحداث من دائرة الحدث.. اذكر أن الصحيفة أرسلت مراسليها إلى مصراتة إبان الحصار مرتين، إضافة إلى سرت والبريقة.. كما أن لديها مراسلين في الزاوية وزوارة وجادو وذلك إبان الحرب الدائرة هناك.

ويضيف الحشمي بعد الثورة اختلف الحال قليلاً، إذ بات من الطبيعي أن يبحث الصحفيين عن مصادر دخل لهم، ولعجز الصحيفة عن تغطية كافة مصروفات من تعاونت معهم في وقت سابق فقد كان من الطبيعي ان يقل عدد المتعاونين معها بل والعاملين لديها أيضا، وهذا قلل من امكانيات الصحيفة في تغطية كل الأحداث الدائرة في الوقت الراهن على الساحة الليبية.. لكن هذا لا يعني أننا متوقفون عن العمل مازلنا مستمرين رغم الصعاب والعراقيل.

وأكد الخشمي أن إقبال القراء على صحيفة قورينا الجديدة أمر متروك للمتبعين ولكنه يستطيع القول أن الصحيفة تقف في موقع متقدم بين وسائل الإعلام الليبية من حيث المتابعة. ولم تواجه الصحيفة حتى هذه اللحظة أية تهديدات أو مخاطر، فسياستها مبنية على التحقق والتثبيت ومن ثم النشر.. وشعارهم هو (الرأي للجميع).. فقط يتعرضون لبعض النقد أحيانا وهذا من طبيعة العمل الصحفي.

الخطوط الحمراء

يقول عوض الشاعري مدير تحرير جريدة المختار النصف شهرية أن المشهد الإعلامي الليبي إبان الثورة يختلف عما هو عليه الآن, وتبريره لذلك المحاذير في عهد القذافي تقف أمام تطور الإعلام الليبي نحو أداء دوره كاملاً, وأضاف الشاعري إلا أننا نلاحظ في وقتنا الحاضر أن الإعلام بصفة عامة في ليبيا أصبح لا ملامح ثابتة له, بل أن كثيراً من الصحف والمطبوعات والقنوات أصبحت مجرد أبواق لأحزاب أو تيارات معينة تخدم مصالحها, وأن أقلام كثيرة أصبحت تسعى لجني المال فقط وبأي وسيلة, وأن الجميع يتشدق باسم الوطن والوطن هو آخر شيء في سلم اهتماماتها تقريبا, كما أن الإعلامي والصحفي الحر لا وجود له تقريبا وإن وجد فأنه يعاني الأمرين في سبيل البحث عن الحقيقة التي ننشدها جميعا, وإن وجدها فهناك محاذير كثيرة وخطوط حمراء أكثر.

ويختم الشاعري بالقول: أن هناك دائما قلق وخوف من جانب الصحفي على مصيره أو مصير أسرته من مغبة الدخول على الخطوط الحمراء, ويضيف الشاعري: رغم الخوف هناك بعض الموضوعات الخجولة في بعض الصحف التي تتطرق بين الحين والآخر إلى نشر أخبار ومقالات رأي لكُتاب حول بعض الظواهر التي طرأت على الحياة الليبية بمختلف مستوياتها وأبعادها, خاصة التطرف والاغتيالات وإغلاق المطارات وحقول النفط, من وجهة نظري الطريق لا يزال طويلا أمام الإعلام الليبي حتى يكون صانعاً للرأي العام ومشاركا في انتاج بعضاً من ملامح المشهد السياسي في بلادنا،  وإن كانت هناك بعض الصعوبات التي تكفل حرية الرأي والتعبير تحت سطوة السلاح.

 

*نقلا عن جريدة ميادين