شهدت المدة الماضية نقاشات مستفيضة حول الإصلاحات الاقتصادية التي ينبغي إجرائها لمعالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد ، وقد انصب النقاش على سياسة سعر الصرف ، وسياسة الدعم ، وهناك شبه إجماع على ضرورة إعادة النظر في سعر الصرف وسياسة الدعم الحالية. وتبذل بعض الأطراف والمؤسسات السيادية في ليبيا جهودا حثيثة لإيجاد مخرج سريع من هذه الأزمة الاقتصادية التي أرهقت كاهل المواطن، ولكن الوضع السياسي في البلاد وصل إلى مستويات وصفها المراقبين بالمعقدة. ويجمع مراقبون محليون ودوليون إلى أن السبب الرئيس في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها ليبيا منذ أعوام هو انقسام المؤسسات السيادية في البلاد من بينها المصرف المركزي بين إدارتين غربية في طرابلس وشرقية في البيضاء.
إصلاحات اجتماع تونس
ومن بين الجهود التي تبذل لحل الأزمة الاقتصادية، انعقد مؤخرا في شهر يونيو بتونس اجتماعا اقتصاديا حول ليبيا من أجل تحسين الوضع الاقتصادي، بحضور نائبي رئيس المجلس الرئاسي فتحي المجبري وأحمد معيتيق ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، وممثلين عن دول أوروبية والاتحاد الأوروبي ومؤسسات مالية، وبرعاية السفارة الأمريكية لدى ليبيا.
ويعد هذا الاجتماع الثامن من نوعه بعد انعقاد سلسلة من الاجتماعات الحوارية لتحسين الاقتصاد الليبي، وكان آخرها اجتماعات لندن التي عقدت في أكتوبر 2016 و2017، بمشاركة أوسع ضمت العديد من المؤسسات والشخصيات المعنية بهذا الشأن من بينها مصرف ليبيا المركزي وديوان المحاسبة والمؤسسة الوطنية للنفط، وأعضاء من المجلس الرئاسي، بالإضافة إلى دول كبرى والأمم المتحدة.
واتفق المشاركون في اجتماع تونس، على حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، تتضمن زيادة مخصصات الأسر السنوية من الصرف الأجنبي من 500 دولار إلى ألف دولار، وإعادة تفعيل قرار دفع علاوة الأسرة والأبناء، ورفع الدعم عن المحروقات، وتغيير سعر الصرف الأجنبي المتاح للاستيراد والعلاج والذي سيكون متاحا للجميع.
تأييد استبدال الدعم
وأكد الشحومي لموقع ليبيا الخبر، أن استبدال دعم المحروقات بالدعم النقدي سيكون أكثر فعالية من ضياع معظم الدعم على المحروقات في التهريب خارج البلاد، مشيرا إلى أن ذلك سيخفف من معاناة المواطن. وعن ارتفاع سعر صرف الدولار، قال الشحومي إن سعر الدولار بالسوق الموازي يتحرك في ضوء حالة التفاؤل والخوف التي تسود هذه الأيام، وتلميحات بعض الجهات بقرب إجراء تعديل في سياسة عرض الدولار أيضاً وبشكل أكبر مقدار ما يسمح به المصرف المركزي من عمليات بيع وتحويل الدولار عبر الاعتمادات ومبيعات الأفراد.
وأضاف الشحومي، أن إجراء تغيرات جوهرية في سياسة سعر الصرف قد يكون غير سهل، رغم أنه المطلب الأساسي الآن لتحسين الوضع النقدي وتخفيف من ارتفاع الأسعار وتحجيم الفساد في الاعتمادات، مقرا في الوقت نفسه بوجود فرصة أمام المصرف المركزي في تعديل سياسته وآليات عرض الدولار من خلال بيان وتحديد المعروض من الدولارات وبشكل منتظم وبشفافية أكبر خلال مدى طويل يساعد السوق على الاستقرار والثبات عند مستوي مناسب.
البدائل المطروحة
من جهة أخرى صرّح الباحث في الإقتصاد عزالدين المبروك عاشور لليبيا نيوز :"بكل موضوعية لا اعتقد أن الحكومة قادرة على إلغاء الدعم طالما مشكلة السيولة مازالت مصدر قلق لمعظم الناس ، ولا يوجد حل في الأفق لمعالجتها ، وبالتالي نعتقد أن حل مشكلة السيولة ينبغي أن يكون شرطا مسبقا لمعالجة موضوع الدعم ، والشرط الثاني هو ضرورة وجود شبكة امان اجتماعي قادرة على الوصول إلى الفئات التي يمكن أن تتضرر من الغاء الدعم المباشر على السلع ، و في غياب هذان الشرطان لن تستطيع الحكومة الغاء الدعم المباشر واستبداله بالدعم النقدي".
و أشار الأستاذ الجامعي والمستشار الاقتصادي لديوان المحاسبة علي المحجوب في تصريحات تلفزية إنه قبل الشروع في إجراء إصلاحات اقتصادية يجب على الدولة أن تبدأ في تعديل وإصلاح الحكومة والعمل على توحيد المؤسسات والحد من الانفاق من خلال إعادة هيكلة الدولة وإعداد الملاكات الوظيفية وإعداد جدول مرتبات لكل العاملين بالقطاع العام بما يحقق العدالة الاجتماعية، إضافة إلى إيجاد استراتيجية تسهم في إشراك القطاع الخاص من خلال خروج الدولة من بعض المجالات وتركها للقطاع الخاص مع وضع الضوابط الرقابة والمتابعة.
وأبدى المحجوب رأيه عن مقترح رفع الدعم عن المحروقات مقترحا استعمال البطاقات الذكية، قائلا:"إذا كان المقصود من هذا المقترح منع التهريب فيمكن استعمال البطاقات الذكية برصيد من الوقود لكل مواطن وتغيير سعر الوقود بعد هذه الخطوة منوها إلى أن تغيير سعر الوقود سينعكس على كل مجالات الحياة، وبالاعتماد سترتفع كل أسعار النقل ونقل السلع وغيرها من متطلبات الحياة، متسائلا: فهل سيكون المواطن قادر على مواجهة ذلك؟"
تشكيك واستنكار
وفي رد من ردود أفعال مصرف ليبيا المركزي الموازي بالبيضاء، شكك عضو مجلس إدارة المصرف إمراجع غيث، في إمكانية اتخاذ إصلاحات اقتصادية من جانب محافظ المصرف المركزي بطرابلس الصديق الكبير، في ظل غياب مجلس إدارة للمصرف. وأكد غيث في تصريحات تليفزيونية، أن الكبير لا يستطيع اتخاذ أي قرار بخصوص سعر الصرف، دون موافقة مجلس إدارة المصرف المركزي، مشيرا إلى أنه سيتم الطعن عليه، مطالبا بنشر الإصلاحات المقترحة خلال اجتماع تونس الذي عقد مؤخرا، لكي يتم التعرف عليها ومناقشتها وإبداء الرأي فيها، مؤكدا أنه لم يتم نشر هذه الإصلاحات حتى الآن، مشدداً على أنه من حق كل مواطن أن يبدي رأيه فيها، حسب قوله.
واستكر غيث، مناقشة هذه الإصلاحات في الغرف المغلقة، ثم إصدار قوانين وقرارات، تتم مُعارضتها فيما بعد، قائلا: لابد أن يتم الشرح والتوضيح للمواطنين، ماذا تريد الحكومة أن تفعل تحديداً وتساءل: هل تريد زيادة سعر الصرف؟، هل تريد التعويم؟، هل تريد فرض رسوم؟ هل سيتم رفع الدعم كلياً أم جزئياً؟، هل يصل الدعم لكل الليبيين، والأسر الفقيرة، وكيف يتم تحديد الأسر المحتاجة؟
وكان المصرف المركزي، قد أعلن عن وضع الإطار العملي لإجراءات الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها في جلسات الحوار الاقتصادي من خلال ثلاثة مسارات، يشمل المسار الأول معالجة سعر صرف الدينار الليبي من خلال فرض رسوم على مبيعات النقد الأجنبي، والمسار الثاني سيكون معالجة ملف الدعم، والثالث آلية التعويض للتخفيف من انعكاسات وآثار قرارات الإصلاح الاقتصادي على معيشة المواطنين.
وجاء ذلك خلال اجتماع عقده محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير في الشهر الماضي، مع نائب رئيس المجلس الرئاسي فتحي المجبري، ورئيس لجنة تنمية وتطوير المشروعات الاقتصادية والاجتماعية بالمجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، وبحضور عدد من المستشارين ومدراء الإدارات بالمصرف المركزي.