مع نهاية سنة 2018، عاش الاقتصاد الليبي تقلبات عدّة خلال هذه السنة إذ راوح بين الانهيار والانفراج وكان في تماه تام مع حالة اللااستقرار العامة التي تعيشها البلاد. وأثرت هذه الوضعية بشكل جذري على نمط عيش الليبيين الذي واصل في انحداره المتواصل منذ سنوات حيث لم يتوقع أكبر المتشائمين أن تصل حالة الليبيين إلى هذا المستوى من التردي.
وبالرغم التحسن الطفيف الذي سجل من خلال المؤشرات الاقتصادية إلا أنها لازالت بعيدة على الحد الأدنى من تطلعات الليبيين. إذ تفاقم عدد الباحثين عن العمل في البلاد خلال سنة قليلة من ذلك قال مركز التوثيق والمعلومات التابع لوزارة العمل والتأهيل، إن عدد الباحثين عن العمل في ليبيا يبلغ (54142) باحثا مسجلا في 31 مكتب عمل بالمناطق خلال الفترة من 1 يناير حتى 30 سبتمبر من العام الجاري.
وأشار مركز التوثيق في تقريره السنوي الأخير إلى أن عدد الذكور الباحثين عن العمل بلغ 7905 باحثين، أي بنسبة 40%، بينما بلغ عدد الإناث الباحثات عن عمل 11661 باحثة، أي بنسبة 60% من العدد الإجمالي.
وبلغ عدد الباحثين المؤهلين 9410 باحثين، أي ما نسبته 48%، بينما بلغ عدد الباحثين عن العمل غير المؤهلين 10156، أي ما نسبته 52% من العدد الإجمالي. فيما جاء في التقرير أن العدد الأكبر لأعداد العاطلين عن العامل ينتشر بين الفئات العمرية المختلفة، حيثُ سجلت الأعلى بالنسبة للفئة العمرية (23 27) سنة بعدد 5942 شخصا، وهو ما يمثل 30% من العدد الإجمالي، إذ سجلت لدى الفئة العمرية من (28 32) سنة 4885 شخصا، وهو ما يمثل 25% من العدد الإجمالي، ثم سجلت الفئة العمرية من (33 - 37) 2809 أشخاص، وهو ما يمثل 14% من العدد الكلي.
وأوضح أيضا التقرير أن العدد الإجمالي المسجل بلغ 19566 باحثا، استبعد منهم 2821 بسبب وجود رقم وطني خطأ، واستبعد منهم أيضاً 153 بسبب حالات التكرار في التسجيل، و2972 بسبب وجود ازدواج وظيفي، و28632 بسبب البيانات المتكررة من السنة الماضية 2017 ليكون الرقم الحقيقي للباحثين 54142 باحثا عن العمل.
هذه المؤشرات لا يمكن أن تفسر إلا بتعطل نمط الإنتاج في البلد منذ سنة 2011 إذ أنه تفاقم عدد الشباب في ليبيا مقابل غياب تام لمناخ الإستثمار الذي سيفتح سوق الشغل هذا من جانب إضافة إلى أن الدولة لم تعد تقدر على إستيعاب طاقة شغلية جديدة نظرا لحالة الفوضى و غياب الرؤية و التخطيط.
من جانب آخر، أدت الصراعات المسلحة في ليبيا إلى فراغ امني زاد من نشاط التجارة غير الشرعية ونمو ما يعرف باقتصاد الحرب والذي يعني ازدهار السوق الموازية.
وأكدت دراسة أعدها المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية بعنوان (الاقتصاد الليبي في مرحلة ما بعد الحرب) أن الصراعات السياسية الحاصلة في ليبيا أدت إلى إضعاف الدولة الرسمية ونشاط القطاع الخاص مما سمح بظهور لاعبين جدد في اقتصاد الحرب. وأشارت إلى أن الصراعات المسلحة وما رافقها من اضطراب سياسي وأمني فتحت أبواب الثراء السريع لفئة جديدة من الليبيين خصوصاً في مناطق سيطرة التشكيلات المسلحة.
وبحسب الدراسة تشمل قائمة الأثرياء الجدد تجار المشتقات النفطية والسلع الغذائية والعقارات والعملة إلى جانب الكثير من المسؤولين والأشخاص المتحصلين علي اعتمادات رسمية وبعض موظفي الضرائب والجمارك والموانئ والمنافذ الجمركية والبرية.
وأكدت الدراسة أن بيئة الصراعات المسلحة تدمر الأسواق التنافسية والتجارة النظامية وتفتح المجال لازدهار أعمال التجار غير الشرعيين الذين يجنون الاموال وفي نهاية المرحلة يحافظون على معدل ادخار مرتفع غالبا ما يقومون بتحويله الي الخارج.
وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن غياب سلطة نقدية موحدة وفعالة على الجهاز المصرفي وانقسام ادارة مصرف ليبيا المركزي الي ادارتين أحدهما في طرابلس والأخرى في البيضاء أدى إلى جعل أدوات السياسة النقدية خارج مسار السيطرة وأربك سياسة سعر صرف وهذا يربك المتعاملين في سوق الصرف الأجنبي ويدفعهم إلى اتخاذ قرارات اقتصادية تشاؤمية تفاقم أكثر أزمة سعر الصرف.
ما يعانيه الاقتصاد الليبي اليوم من تعثرات مالية يتطلب الامر فيه الي اعادة النظر في قطاعات اقتصادية عديدة اهمها الجمارك والضرائب اللذان بحاجة إلى إصلاحات حقيقية وخاصة انهما يعنيان كغيرهما من القطاعات من فساد كبير ويعتبر هذان القطاعان من أكبر القطاعات التي تعتمد عليها كثير من الدول في موازناتها العامة وتشكل في بعض الدول النسبة الأكبر في الموازنة وتغطي في بعض الدول البند الأول والمتعلق بالرواتب.
في خضم كل هذه المؤشرات القاتمة أصدر صندوق النقد الدولي مطلع الاسبوع الاخير من شهر سبتمبر تقريرا خلص فيه ان نسبة النمو قد بلغت 16.4% وبالتالي تكون ليبيا قد تصدرت دول العالم من حيث نسبة النمو الاقتصادي.
يرى مراقبون أن هذه القفزة مردها أن قطاع النفط يشهد تحسنا ملحوظا حيث استعرض رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله مراحل إنشاء مبانٍ جديدة للمؤسسة في مدينة بنغازي من بينها المركز النفطي للصيانة والخدمات الفنية، الذي سيسهم بشكل كبير في تخفيض التكاليف فضلاً عن دوره في الرفع من كفاءة الموظفين.