تعيش معظم الأحزاب السياسية في تونس على وقع أزمة حقيقية تتمثل في تواصل الاستقالات الجماعية، على خلفية عملية اختيار القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية، ما يهدد الساحة بمزيد من التشرذم والانفراط في بلد تجاوز عدد أحزابه الـ190 حزبا.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس عن العدد النهائي لعدد القائمات المترشحة للانتخابات التشريعية المنتظر إجراؤها في 26 أكتوبر القادم.

وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس شفيق صرصار إن “1500 قائمة تتنافس في الانتخابات التشريعية التونسية المقبلة بينها 910 حزبية و158 ائتلافية و472 مستقلة بإجمالي 15652 مرشحا”.

ويرى متابعون أن هذا العدد الكبير من القائمات في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الـ12 مليون نسمة وإن كان يكشف في ظاهره عن حالة صحية إلا أنه يخفي في طياته عدة إشكاليات لعل أهمها مسألة تشتيت الأصوات في بلد يعيش تحديات كبرى في مقدمتها الوضع الأمني والاقتصادي.

وكانت برزت أصوات في الفترة الأخيرة تحذر من قيام أطراف سياسية بتمويل قائمات مستقلة بهدف كسب مزيد من الأصوات لصالحها، فضلا عن مسعى إضاعة أصوات أخرى من شأنها أن تشكّل فارقا على مستوى خارطة البرلمان المقبل.

ويبدو أن تعدد القائمات وتداعياتها لا تشغل بال سياسيي تونس بقدر نزيف الاستقالات الحاصل داخل الأحزاب التونسية، جراء رفض العديد من مناضلي وأعضاء الأحزاب لممثليهم في القائمات الانتخابية.

فمع غلق باب الترشح لانتخابات البرلمان في تونس، تجتاح عددا من الأحزاب السياسية موجة من الانشقاقات والاستقالات وخاصة في قواعدها بمحافظات البلاد.

وأرجع عدد من المستقيلين انسلاخهم عن أحزابهم إلى “تسلط الأحزاب وعدم الإنصات إلى مطالبهم ومقترحاتهم فيما يتعلق بالقوائم الانتخابية”، وفق تصريحات لهؤلاء في وسائل إعلام محلية.

ومن بين المتضررين من هذه الانقسامات والانسلاخات، حركة النهضة الإسلامية التي تشهد ومنذ إعلانها عن قائماتها المترشحة للانتخابات النيابية حالة تململ كبيرة في صفوف قواعدها، وسط تواتر الأنباء عن استقالات في بعض مكاتبها المحلية على غرار النفيضة (230 كلم عن العاصمة).

ويعزو المتابعون هذا التململ في النهضة بسبب اعتماد الحركة على وجوه سياسية “استفزازية”، وهي محل رفض من الشارع التونسي على غرار رئيس الحكومة السابق علي العريض التي شابت فترة رئاسته للحكومة أو لوزارة الداخلية عديد الإشكاليات والأزمات من بينها ما يعرف بقضية “الرش” والتي تعود أحداثها إلى 2013 عندما أقدم عناصر من الأمن التونسي على استهداف محتجين في محافظة سليانة بالقنابل المسيلة للدموع ورصاص الرش الذي أدى إلى فقدان عدد منهم لأبصارهم.

حالة التململ هذه والانسلاخات يعيشها أيضا حزب نداء تونس (معارض)، أحد أكبر الأحزاب السياسية المنتظر أن تنافس بشدة في الانتخابات، فقد شهد عاصفة كبرى من الاستقالات بدأت بالحقوقي والقيادي بالحزب، عبدالعزيز المزوغي، ثم الكاتبة، ألفة يوسف، وراجت بعد ذلك استقالات جماعية في فروع الحزب بأنحاء البلاد، احتجاجا على عدم الاستماع إلى القواعد أو الاكتراث بآرائها بشأن القوائم الانتخابية بمحافظات البلاد.

ومنذ أشهر، يشهد نداء تونس صراعات داخلية بين الشقين الدستوري (نسبة إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل)، واليساري داخل الحزب، تطورت شيئا فشيئا لتتبلور اليوم في معركة انتخابية استباقية لحيازة مواقع سياسية.

وعن هذه الصراعات والاستقالات، قالت القيادية بالحزب، بشرى بالحاج حميدة إنها “حالة طبيعية جدا في فترة انتخابية كالتي تعيشها تونس الآن؛ فكل مناضل يعتبر أن من حقه أن يحصل على شرعية في حزبه، وهذا أمر طبيعي وموجود في كل الأحزاب في تونس وحتى الصغيرة منها ولا تقتصر على نداء تونس″.

واعتبرت بالحاج حميدة أن “الاستقالات التي عرفها نداء تونس ليست كبيرة مقارنة بالانخراطات التي تسجل داخل الحزب وعدد المنتمين إليه، والمستقيلون هم من بعض المناضلين والمنخرطين غير المعروفين لدى الرأي العام التونسي.

معركة القوائم الانتخابية وصلت أيضا إلى الحزب الجمهوري (الحزب الديمقراطي التقدمي سابقا)، وهو من القوى السياسية التي عارضت الرئيس السابق، زين العابدين بن علي، قبل ثورة يناير 2011.

حيث شهد الحزب مؤخرا، تشتتا ولحقته عاصفة من الاستقالات، لا سيما بعد استقالة النائب عن الحزب بالمجلس التأسيسي، رابح الخرايفي عن محافظة جندوبة (شمال غربي تونس).

الخرايفي قال إنه لجأ للاستقالة بعد “محاولة لإقصائه من المكتب السياسي للحزب”، وتابع الخرايفي أن “عددا من الأحزاب ومنها حزبه السابق الحزب الجمهوري لم يمارسوا الديمقراطية رغم ما كانوا يروجون له”.

وأوضح في تصريحات له أن “الاستقالات ظاهرة تعكس أزمة داخل هذه الأحزاب ويمكن أن تكون بالأساس أزمة مؤسسات أو أزمة ديمقراطية صلب هذه الأحزاب.

موجة الغضب وحالة التمرد على المركزيات الحزبية من قبل الفروع الجهوية كشفت النقاب كذلك عن المشاكل الداخلية لكل من حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (شريكا حركة النهضة في حكومة الترويكا بين عامي 2011 و2014) فضلا عن تصدع العلاقة بين القيادات الحزبية وممثليها في الجهات، وهو ما من شأنه أن يؤثر في صورة كل حزب سياسي خاصة في مثل هذه المرحلة الدقيقة التي يبدأ فيها العد التنازلي للسباق الانتخابي.

وعرف الحزبان استقالات جماعية في عدد من المكاتب الجهوية والأسباب واحدة تتمثل في عدم رضاهم عن القوائم الانتخابية وعدم الأخذ بعين الاعتبار لمقترحات هذه المكاتب أو استشارتهم لدى تعيين هذه القوائم، واعتبار ذلك سياسة إسقاط فوقية تمارسها المركزيات الحزبية وهو ما لا يتماشى مع تصورات المنخرطين أو طموحاتهم.

وعن أسباب تواتر الاستقالات في العديد من الأحزاب التونسية اعتبر الصحفي والمحلل السياسي، نصرالدّين بن حديد، "أن الأحزاب لا تزال في حاجة إلى مخاض طويل حتى تحقق الاستقرار داخلها".

 

*نقلا عن العرب اللندنية