شهد العديد من المدن التونسية تنافساً قوياً بين الزعامات الحزبية في الانتخابات التشريعية التي تشهدها تونس الأسبوع المقبل. وعلى الرغم من أنّ التنافس على أشدّه في كل المحافظات، لكنّ بعض الدوائر تشهد صراعاً مباشراً أكثر ضراوة بين الأحزاب، بالنظر إلى الأسماء المرشحة وحجم الرهانات المطروحة عليها، وخصوصاً مع ضغط شبح الهزيمة الذي لا يمثل "مجرد" خسارة مقعد في مجلس النواب المقبل، وإنما معياراً لمدى شعبيّة هذه الأسماء في مدنها الأصلية، وهو ما له ترجمته ودلالاته السياسيّة.

وتبدو محافظة أو دائرة مدنين في أقصى الجنوب التونسي المتاخم للحدود مع ليبيا، معياراً لقياس شعبية شخصيات سياسية تتبوأ المراتب الأولى في أحزابها، مثل عضو المكتب السياسي في حركة "النهضة"، عامر العريض، والأمين العام لحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، عماد الدايمي، والأستاذ الجامعي ووزير التربية السابق عن حركة "الشعب القومية"، سالم الأبيض، إضافة الى رجل الأعمال الشهير المرشح عن حركة "نداء تونس"، البشير بن عمر، ومرشح "الجبهة الشعبية"، مصطفى الجويلي، الذي ساهم في وضع البرنامج الاقتصادي للجبهة، وسواهم من المرشحين.

ويعكس تقدّم هذه الأسماء للمنافسة الشعبيّة شجاعة سياسيّة، لكنّ خسارة بعضها الأكيدة، سيكون لها انعكاسات سياسية واضحة على وجودها ضمن أبرز قيادات أحزابها. ففي دائرة مدنين، الممثّلة بتسعة مقاعد، تتنافس كل القوائم البالغ عددها 34 قائمة انتخابية، بين حزبيّة وائتلافيّة ومستقلّة.

وعلى الرغم من أنّ النظام الانتخابي يضمن مقعداً على الأقل لرئيس القائمة في الأحزاب المعروفة، فإن شبح الهزيمة سيلاحق بعضها الآخر بشكل يكاد يكون مؤكداً.

وتشير معلومات من الجنوب الى أنّ الصراع يتخذ أبعاداً مختلفة، لعلّ أهمها الولاء القبلي أو العائلي بشكل أدقّ قبل السياسي، فضلاً عن البُعد المادي، بالنظر إلى وجود رجال أعمال مشهورين في بعض القوائم، ساهموا على مدى السنوات الماضية في خدمة بعض المرافق في المنطقة، على غرار البشير بن عمر الذي ترأس فريق كرة القدم وساهم في بعض المشاريع، لكنّ انتماءه للمنظومة القديمة يمكن أن يشكّل عامل هجوم عليه من جانب منافسيه، وهو ما يحدث فعلاً في الحملات الانتخابية.

ويتمثّل عامل النجاح الرئيس، في نظر بعض المتابعين، بتقديم برامج انتخابية حقيقية، يمكن أن تلبي الحاجات الخصوصية للجهة، وأولها ما يمكن أن يُقترح بشأن القضايا الرئيسة التي تُحدد طبيعة الحياة في المنطقة، وعلى رأسها العلاقة مع ليبيا والتجارة الموازية والسياحة واستغلال القطاع البحري والزراعة عموماً، وهي المواضيع التي تشغل بال شباب المنطقة بالدرجة الأولى قبل عوامل أخرى.

وبدا امس الاحد، موعدا حاسما في كسب أصوات جديدة والترويج للبرامج الانتخابية خلال السوق الأسبوعية التي تُعتبر موعدا تجاريا واجتماعيا مهماً في المنطقة، حاولت مختلف الأحزاب أن تستغله في الأسابيع الماضية. ولكن هذا الموعد الأخير قبل الاقتراع، يُعتبَر فرصة حاسمة للالتقاء بالناخبين والمرور لإحداث الفارق السياسي بينها. وركزت القوائم بشكل كبير في لقاءاتها، على العلاقة مع ليبيا وعلى الإجراءات الحكومية الأخيرة التي فرضت رسوماً تونسية على الليبيين، قابلتها اجراءات مماثلة من الجانب الليبي، ما أدى إلى احتجاجات في الجانب التونسي وتراجع لحركة المرور في اتجاه ليبيا، وبالتالي الإضرار بحركة التجارة المنظمة والموازية التي تعتاش منها عائلات كثيرة في الجنوب التونسي، وليس في مدنين فحسب.

ويتساءل كثيرون عن حظوظ القوائم المستقلة في هذا الصراع الكبير بين زعامات أحزاب تملك امكانيات كبيرة للترويج لبرامجها، وتملك بالخصوص علاقات عائلية ممتدة في المنطقة، ولكن عددا كبيرا منها يراهن على فشل الحكومات السابقة قبل الثورة وبعدها، في تقديم بدائل اقتصادية حقيقية تتفهم خصوصيات المنطقة، من خلال مقترحات تستغل امكانياتها الكبيرة في القطاعين الزراعي والتجاري بالخصوص.

وتشكّل مدنين، التي ترتفع فيها درجة الحرارة باستمرار، معياراً حقيقياً لقياس سخونة الحملات الانتخابية، الهادئة تشريعياً والمتوترة رئاسياً، وامتحاناً فعلياً لشعبية بعض الأحزاب بعيداً عن أوهام الانتشار التي تدّعيها كلها من دون استثناء، لكنّ الانتخابات المقبلة ستحسم أمر الخارطة السياسية الجديدة وستحدّد الأحجام الحقيقية لكل الأحزاب، حسب العربي الجديد.