دفع الجدل الدائر مؤخرا في مصر، بشأن تقديم الانتخابات المحلية على البرلمانية، الحكومة إلى إرجاء الانتخابات إلى حين إعادة صياغة المواد المعيبة، وتم فتح حوار بين لجنة الصياغة الحكومية، والقوى السياسية، للتوافق على صياغات تحقق مطالبهم، إلا أن بعض الأحزاب وصفت الحوار الذي انتهت فعالياته مؤخرا بأنه لم يكن مجديا، بسبب تجاهل الحكومة لمطالبهم، وفق ما نشرته صحيفة العرب.

أحدث الأنباء بخصوص الانتخابات البرلمانية قالت إنها سوف تجرى في نوفمبر المقبل، ما دفع البعض إلى طرح فكرة إجراء انتخابات المحليات أولا، لشغل الفراغ السياسي بالمحافظات، في ظل غياب المجالس الشعبية بالمدن والقرى المختلفة.

يذكر أن المجالس المحلية التي يبلغ عدد نوابها 54 ألف عضو، تم حلها عقب ثورة 25 يناير 2011، ولم تجر أيّ انتخابات لإعادة تشكيلها حتى الآن، ما جعل الكثير من المحافظين يخشون اتخاذ قرارات جوهرية تعرضهم للمساءلة، في غيبة المجالس المنتخبة، مكتفين بقرارات تسيير الأعمال، بينما لا يجد المواطن من ينوب عنه في حمل شكواه للمسؤولين، في ظل استمرار غياب المجالس المحلية، فضلا عن مجلس النواب.

وتنقسم المجالس المحلية إلى ثلاثة مستويات “محافظة ومدينة وقرية” يتولى أعضاؤها مهام إقرار خطط التطوير واعتماد ميزانيات تعبيد الطرق، والرقابة على الإدارة المحلية.

وقد دشن نشطاء سياسيون وحركات شبابية مؤخرا حملات دعت لتعديل خارطة المستقبل، لإجراء انتخابات المحليات قبل مجلس النواب، ففي الإسكندرية أطلقت أولى فعاليات مبادرة “قد التحدي” في الثاني من مايو الجاري، لعدد من الشباب وزعوا استمارات على المواطنين، أبدوا فيها رغبتهم في إجراء الانتخابات المحلية قبل النيابية، ويذيّل الاستمارة باسمه ورقمه القومي، حيث تهدف الحملة إلى جمع ملايين الاستمارات وتقديمها للحكومة، باعتبارها انعكاسا لرغبة الشعب في إجراء انتخابات المحليات أولا.

كذلك دشن تجمع شبابي آخر أطلق على نفسه اسم “اتحاد شباب لدعم الوطن” حملة لمطالبة رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب بإجراء انتخابات المحليات قبل البرلمانية، وبرروا مطلبهم بأن المواطن الآن في أشد الحاجة إلى تلبية احتياجاته، عبر نواب المحليات، فيما يختص مجلس النواب، بالسلطة التشريعية، وهي سلطة مخولة لرئيس الدولة في غيبة البرلمان، وهو رئيس منتخب ومفوض من الشعب ويحظى بثقة عالية، بينما لا يوجد بديل للمحليات في غيبتها، وهو ما يجعل تقديم انتخاباتها على مجلس النواب ضرورة ملحة.

وأضاف بيان صدر عن “شباب من أجل الوطن” أن انتخابات المحليات ستغلق باب المتاجرة بورقة الخدمات، في الانتخابات البرلمانية، لوجود نواب محليات يؤدون هذا الدور، وتجعل اختيار نواب البرلمان يقوم على انتقاء المرشح الأقدر على القيام بالدور الرقابي والتشريعي.

في المقابل، ترفض الأحزاب السياسية هذا الاتجاه، وتشدد في اجتماعاتها المتوالية، على التمسك بخارطة المستقبل، رافضة إجراء تغييرات عليها، وشدد مسؤولوها على أن أيّ إرجاء جديد للانتخابات البرلمانية، سوف يهدم الثقة في القيادة السياسية، ويصيب الاقتصاد وفرص الاستثمار بأضرار سلبية خطيرة.

واعتبرت هذه الأحزاب أن التغيير الذي حدث في خارطة المستقبل وجرى بمقتضاه تقديم الانتخابات الرئاسية على البرلمانية لقطع الطريق أمام محاولات الإخوان للعودة، كاف جدا ولا يوجد مبرر منطقي حاليا لإضافة تعديل جديد.

في هذا السياق، أكّد نبيل زكي، رئيس المكتب السياسي لحزب التجمع، أقدم الأحزاب اليسارية في مصر: رفض حزبه أيّ حديث عن تعديل في خارطة المستقبل، وتمسّكه بإجراء الانتخابات البرلمانية أولا، وفي أسرع وقت، لأن غياب السلطة التشريعية والرقابية، بات فوق الاحتمال، وإذا كان السبب الرئيسي لتأخير انتخابات مجلس النواب، يرجع بالأساس لفشل اللجنة الحكومية برئاسة وزير العدالة الانتقالية، في وضع صياغات قانونية منضبطة، بقانوني تقسيم الدوائر، فهذا يعني أن الإسراع ببناء السلطة التشريعية، بانتخاب مجلس نواب يتولى تلك المهمة ضرورة ملحة. وأضاف زكي، ليس في مصلحة الوطن التباطؤ في إجراء انتخابات مجلس النواب، لأن ذلك يضر بالوطن، ويزعزع ثقة المواطن والقوى السياسية والمستثمرين في السلطة الحاكمة، خاصة بعد تلقيهم خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي وعودا بأن الدولة المصرية تسعى لانتخابات نيابية سريعة.

وأوضح زكي أنه إذا كان البعض يرى أن البرلمان المقبل يمكن أن يتضمن بعض السلبيات، فإن وجودها أفضل من الاستمرار في التأجيل، خاصة أن الانتخابات تعتبر مدرسة سياسية للمواطنين، يتعلمون فيها من أخطائهم ويصوبونها في التجربة التالية.

في المقابل تصر المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق، رئيس التحالف الجمهوري للقوى الاجتماعية، على أن إجراء انتخابات المحليات أولا يصب في مصلحة الأمن القومي المصري.

وقالت إنها طالبت منذ ثورة 30 يونيو 2013، بإجراء الانتخابات المحلية، قبل النيابية، وتجدد مطالبتها الآن، كون المجالس المحلية تستوعب 54 ألف قيادة سياسية، ومن ثمة فهي قادرة على استيعاب، الحالة الثورية، وإنتاج كوادر سياسية تأتي بالانتخاب المباشر، وتخلق بيئة سياسية حاضنة للانتخابات النيابية فيما بعد.

وأضافت تهاني الجبالي، أن مصر في حالة حرب مع الإرهاب، والمواطنون في حاجة إلى خدمات، ويجب إعلاء مصلحة الأمن القومي على المصالح السياسية الضيقة، لبعض الأحزاب والقوى السياسية، فلا مجال للحديث عن صعوبة تعديل أولويات خارطة المستقبل، فعندما ارتأت القوى السياسية إجراء الانتخابات الرئاسية أولا، تم تعديل الخارطة، وقراءة الواقع والمتغيرات الحالية، تستوجب تعديلا بإجراء انتخابات المحليات أولاً.

وأوضحت الجبالي أن خارطة المستقبل ليست منزّهة، ويجب تعديلها حتى لو كان ذلك عبر استفتاء شعبي يدعو الرئيس إليه، فهناك تربص بالدولة من تيار وأحزاب اليمين الديني، وهناك قوى ذات ارتباطات خارجية تريد أن تسرق البرلمان، في ظل عدم استعداد القوى المدنية، ولا بد من قطع الطريق عليها.

وطالبت باسم تحالف الجمهورية الذي يضم الاتحاد العام للنقابات العمالية والفلاحين واتحاد النقابات المهنية، بإجراء انتخابات المحليات أولاً، وسترسل طلبا يحمل نفس المضمون لرئيس الحكومة.

في حين رفض صلاح عبدالمعبود، عضو الهيئة العليا لحزب “النور”، رأي الجبالي مؤكدا أن أيّ تعديل في خارطة المستقبل، يعيد البلاد خطوات واسعة إلى الخلف. واستطرد قائلا: إن البلاد في حاجة ماسة إلى مجلس نواب بأسرع ما يمكن، لإعادة صياغة البنية التشريعية، وإصدار قوانين تنظم الحياة العامة ".

وتساءل عبد المعبود عن الوقت الذي قد تحتاجه الحكومة لإجراء تعديلات تشريعية لانتخاب 54 ألف عضو مجلس محلي، إذا كانت لم تستطع حتى الآن إنجاز قانون، يقسم دوائر لانتخاب قرابة 600 نائب.