في حوار مطول مع بوابة إفريقيا الإخبارية تحدث الباحث الدكتور علية العلاني، المختص في التيارات الإسلامية والمجموعات الإرهابية عن تداعيات مقتل وإيقاف عدد من العناصر الإرهابية في تونس وأعلن أن الإرهاب ، وان استوطن المدن فان لا مستقبل له في تونس.كما أعلن الباحث أن الإسلام السياسي فشل في مصر وفي تونس موضحا أن حركة النهضة تمكنت من التحول من حزب إيديولوجي الى حزب برغماتيوقدم دكتور العلاني شروطا لنجاح حكومة جمعة والإصلاحات المطالبة بها خلال الفترة القادمة .

وفي ما يلي نص الحوار :

البوابة :جاءت عملية القبض على إرهابيين في حي النسيم بولاية أريانة (7 كلم عن العاصمة) غير بعيد عن مكان مقتل القضقاضي في منطقة رواد بأريانة هل يؤشر ذلك إلى أن الإرهاب استوطن بشكل قوي في المدن؟

العلاني :الإرهاب استوطن في المدن منذ 6 أشهر أي في عهد حكومة العريض ويبدو أن تصنيف أنصار الشريعة كتيار إرهابي من طرف تونس وأمريكا دفع قيادة التنظيم إلى تحريك خلاياه النائمة، وهي خلايا تعد بالعشرات لا بالمئات كما تحدثت بعض الصحف مؤخرا. ويظهر من الأسلحة التي اكتُشفت في حي النسيم وفي مناطق أخرى قريبة وهي من النوع الثقيل الذي يُستعمل في الحروب مثل السلاح ذو 450 طلقة وغيرها من المتفجرات والأحزمة الناسفة، أن الإرهابيين يتهيئون للقيام بعمليات نوعية من شأنها إثبات أن تيار أنصار الشريعة ما زال فاعلا. وربما تسمح تلك العمليات المتوقعة حسبما أفادت بذلك بعض التحقيقات، بتمكين إرهابيي الشعانبي المحاصرين منذ مدة من الإفلات نحو الجزائر أو التسلل إلى مناطق العمران. إن توطين الإرهاب في المدن لن يستمر طويلا نظرا لتحسن المنظومة الاستخبارية ولحساسية سكان المدن من مخاطر استقرار الإرهابيين بها لذا أصبحوا لا يترددون في الإعلام عن أي تحركات مشبوهة، وهو ما جعلني أؤكد مرارا عديدة أن الإرهاب ليس له مستقبل في تونس، لأنه يفتقد للحاضنة الاجتماعية التي تسنده. والملاحظ أن الإرهابيين الذين تم القبض عليهم في حي النسيم لا يحملون لحي (لحية) وأعمارهم لا تتجاوز الثلاثين أي أنهم بدأوا يتفننون في التخفّي والتقية وهي أساليب أصبحت تلتجئ إليها التيارات المتشددة للتغطية على عملياتها الإرهابية.

البوابة :كيف تقيّمون عملية القضاء على القضقاضي قاتل شكري بلعيد  يوم 4 فيفري/فبراير 2014 ؟

العلاني :أعتقد أن  لهذه العملية جوانب إيجابية وأخرى سلبية. فالجانب السلبي هو أنها ستُصعّب عملية الوصول إلى التعرف على الجهة التي خططت لعملية الاغتيال. لكنإيجابياتها كثيرة جدا من بينها طمأنة التونسيين بأن الجاهزية الأمنية والعسكرية أصبحت أفضل بكثير وهذا مرتبط في جزء منه بمغادرة الترويكا للحكومة. ومن بين الإيجابيات الأخرى أنها أبرزت عودة التعاون بين المواطن والاستخبارات والذي افتقدناه في الحكومة السابقة، لأن المعلومات التي قدمها بعض المواطنين للأمن مع تواصل النشاط الاستخباراتي على أسس جديدة سمح بتحديد تواجد مكان الإرهابيين الذين كانوا يتهيئون لعملية من الحجم الثقيل بعد العثور على أسلحة  ومئات من الكيلوغرامات من مادة التي أن تي (المفرقعات) القادرة على قتل مئات الأبرياء وسحق مئات المنازل ولذلك لا بد أن نقدم تحية قوية للقوات الأمنية  والعسكرية من حرس وشرطة وجيش. أما الإيجابيات الأخرى لعملية مقتل القضقاضي ورفاقه في منطقة رواد (أحد أحياء العاصمة تونس) فهي توجيه رسالة للخلايا النائمة بأن الجاهزية الأمنية في استباق العمليات الإرهابية قبل وقوعها أصبحت متطورة وبالتالي فسيحسب هؤلاء الإرهابيون ألف حساب لكل عملية يفكرون فيها مستقبلا. والإيجابية الأخرى هي أن هذه العملية أبرزت أن الإرهاب لا قاعدة اجتماعية له من خلال استهجان الغالبية العظمى من الشعب لنشاط هذا التيار المتطرف وارتياحه لنجاحه في القضاء  على خطر الإرهابيين بأقل الأضرار الممكنة رغم استشهاد أحد الأمنيين من الحرس الوطني وبالتالي لا مستقبل للإرهاب في تونس. لكن يجب أن نبقى دائما على أهبة وحذر من كل ما يمكن أن يحصل من ردود فعل انتقامية على مقتل القضقاضي ورفاقه،  وحتى في صورة حصول ردود فعل فإن الذي يمكن تأكيده هو الإرهاب أصبح تحت السيطرة.

البوابة :ما هو مستقبل الإسلام السياسي بعد سقوط مرسي وخروج النهضة من الحكومة؟

فشل الإسلام السياسي

العلاني : تيار الإسلام السياسي ومنذ سقوط مرسي دخل في أزمة هيكلية حادة في مصر وفي  أزمة هيكلية شبه حادة في تونس. هذا التيار فَقَد توازنه نسبيا بعد أن خاض تجربة الحكم. في البداية كان نواب حزب النهضة في المجلس التأسيسي يحاولون إقحام الشريعة في الدستور وتجريم التعدي على المقدسات واعتبار الإسلام دين الدولة لا دين الشعب لكنهم لم يتمكنوا من فرض هذه المواقف نظرا لتصدي المجتمع المدني الذي لا يرفض الهوية العربية الإسلامية لكن يقرنها بالحداثة وبالبعد المتوسطي للإنسان التونسي. والتونسيون عموما ليس لهم مشكلة أو عداء للدين وإنما يرفضون الإسلام الوافد عليهم من المشرق سواء كان إخوانيا أو سلفيا. لأن الإسلام المحلي الذي تأقلم معه التونسيون عدة قرون لا يحمل تطرفا ولا انغلاقا.

إن الإسلام السياسي في تونس بعد سنتين من الحكم لم يتمكن من الإقناع بأدائه خاصة في مجالي الأمن والاقتصاد وهو ما دفعه إلى الانسحاب تحت ضغط المجتمع المدني. وليس صحيحا القول أن انسحابه جاء عن طواعية لإنجاح ما تبقى من المرحلة الانتقالية. فحركة النهضة تعرف جيدا أن بقاءها في الحكم بهذا الأداء السيّء سيُعرّضها لسيناريو الملاحقة والعنف. لكن هناك ملامح إيجابية في قرار الانسحاب وهو أن النهضة بدأت تتصرف كحزب برغماتي لا كحزب إيديولوجي عكس ما قام به الإخوان في مصر. كما أن اقتناع حركة النهضة بمسار التوافق حاضرا ومستقبلا فيه إقرار بمحدودية برامجها. مع الإشارة إلى أن نقطة الضعف الرئيسية في الأحزاب الإسلامية تكمن في البرنامج الاقتصادي والاجتماعي.أعتقد أن تيار الإسلام السياسي سيدخل في مراجعات عميقة في تونس، وهو يتهيأ قريبا إلى تقبّل نتائج الانتخابات القادمة التي لن تكون مماثلة للانتخابات السابقة، لأن حزب النهضة سينتقل من حزب الأغلبية المريحة إلى الحزب الثاني بالبلاد.

وتدرك حركة النهضة أن التحولات الإقليمية الأخيرة في مالي ومصر وتركيا تجعلها في موقع غير مريح، أي أن الإسلام السياسي الإخواني الذي رفض في البداية النموذج التركي القائم على علمانية الدولة أصبح اليوم بلا مرجعية محددة بعد أن خسر حزب أردوغان المراهنة على بقاء أنظمة الإسلام السياسي في الحكم في مصر وتونس وبعد أن أصبح حزب أردوغان نفسه مهتز الأركان بعد فضائح الفساد المالي الأخيرة. أي أن تيار الإسلام السياسي بصفة عامة سواء في مصر أو تونس أو تركيا لم يعد نموذجا جذابا بل أصبح هذا التيار في بلدان الربيع العربي متهما بأنه المتسبب الرئيسي في موجة الإرهاب التي تعيشها المنطقة.

إن موجة الإسلام السياسي الكاسحة التي صاحبت تجربة الربيع العربي يبدو أنها بلغت حدها الأقصى استنادا إلى نظرية ابن خلدون في أعمار الدول القائمة  على 3 فترات: فترة النشأة وفترة القوة وفترة الشيخوخة والآن نجد تيارات الإسلام السياسي في البلاد العربية بدأت تدخل طور الشيخوخة بعد فترة قوة لم تعمر أكثر من سنتين. وفترة الشيخوخة هذه يمكن أن تطول نسبيا لكنها لن تقدر على التأثير الفعلي في مجرى الأحداث. ولعلّ التأييد الشعبي الجارف الذي وجدته حكومة السيد مهدي جمعه المتصفة بالتشبيب والحيوية والتجديد تؤكد أن التونسيين بدأوا يطوون صفحة الأحزاب العقائدية وأن مستقبل نجاح أي حزب في ظل عولمة متوحشة يكمن في التصرف بأكبر قدر ممكن من البراغماتية وأقل قدر ممكن  من الايدولوجيا. وإجمالا فإن حزب النهضة بتونس لن يكون في العشر سنوات القادمة قادرا على لعب أدوار سياسية هامة في البلاد بل سيبقى جزءا من المشهد السياسي ويلعب دورا تكميليا لا دورا رئيسيا.

البوابة:هل تعتقد أن تصنيف الإخوان كتيار إرهابي سيقضي نهائيا على هذا التيار؟

العلاني : أنا كنت ولا أزال أؤمن بأن التصدي للفكر يتم عن طريق الفكر لا عن طريق المنع القانوني. وإن تصنيف الإخوان كتيار إرهابي لا يحلّ المشكل، ورغم أني أعتبر أفكارهم لا تؤدي إلى ديمقراطية ولا إلى مدنيّة ولا إلى رفاه اقتصادي واجتماعي ولا إلى حداثة حقيقية ولا إلى أمن حقيقي ولا إلى وحدة وطنية باعتبار تقسيمهم للمجتمع إلى علمانيين وإسلاميين، رغم كل هذا فإني لا أرى أن مقاومة فكرهم بالمنع والقوة سيجعلهم يختفون من الساحة. ربما يكون ذلك لخمس سنوات، لكنهم سيعودون مرة أخرى تحت يافطات جديدة وأساليب جديدة للتحرك. وبالتالي فإن الحل هو تقوية المجتمع المدني عبر منظمات وطنية ونقابات مثلما نجده مع اتحاد الشغل في تونس والرباعي الراعي للحوار.

إن ما تحتاجه مصر في المرحلة القادمة يكمن في التفكير في ربط الجُسُور مع إسلاميين أقل عنفا وأكثر تفهما لطبيعة المرحلة يمكن أن يكونوا من شباب الإخوان أو القريبين منهم فهذه الشريحة كانت تعاني من سيطرة المرشد العام للإخوان على سلطة القرار، وبالإمكان استيعابها والتعامل معها.

إن البحث عن حل لمشكلة الإخوان في مصر ربما يبدأ بعد الانتخابات القادمة ولا شك أنها ستكون المسألة رقم 1 في برنامج الحكومة المقبلة، لأن دول الخليج الداعمة لنظام الحكم حاليا في مصر ساهمت ولا شك في إنقاذ الاقتصاد المصري من كارثة محققة لكنها لا يمكن أن تستمر في الدعم إلى ما لا نهاية له. فالأمن الشامل يحققه المصريون في الداخل  بتكاتفهم وتوافقهم وتنازلاتهم المتبادلة من أجل استقرار مصر وازدهارها الاقتصادي والأمني.

البوابة:هل ترى في دعم راشد الغنوشي لمنح اللجوء السياسي لإخوان مصر في تونس أمر جيد ؟

العلاني : أعتقد أن منح الحكومة التونسية اللجوء السياسي لعناصر من الإخوان  يضر بمصالح تونس أكثر مما يفيدها. ذلك أن الدبلوماسية التونسية منذ عقود تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد. ونحن مرتبطون باتفاقيات تسليم مُتّهمين، وسوف نواجه مشاكل كثيرة إذا ما قررنا منح اللجوء السياسي لبعض الإخوان في تونس. وسوف يزيد هذا التصرف في تغذية العنف في تونس لأن نصف العمليات الإرهابية التي حصلت في تونس بعد ثورة الربيع العربي متأتية من تصفية حسابات مع أطراف في السلطة القديمة مثلما هو الشأن مع ليبيا والذي ذكرت تفاصيله بعض الصحف التونسية مؤخرا.

البوابة:إذا كان الإخوان في مصر سيعودون للساحة السياسية بعد خمس سنوات كما ذكرتم، فماذا يمنع من عودة إخوان تونس بقوة إلى الحكم في الانتخابات القادمة؟

العلاني : أنا أعتقد أن إخوان تونس مثل إخوان مصر لم يقطعوا مع مسألة أساسية في فكرهم وهي رؤيتهم للعلاقة المتشابكة بين الدين بالدولة وبين الدين والمجتمع من خلال مشروع أسلمة أو بالأصح أخونة مؤسسات الدولة وتنظيمات المجتمع المدني. كما كانوا يرددون باستمرار الأفكار التبسيطية حول رؤيتهم لإقامة الدولة الإسلامية التي كانوا يختزلونها في توفير بنوك إسلامية وتطبيق الشريعة وصندوق للزكاة وتضامن اجتماعي إلخ. وهي شعارات وأفكار لم تتحقق عندما صعدوا إلى الحكم بل نجد العكس إذ هبطت مؤشرات النمو وزاد الفساد المالي وانتشرت الزبونية في مجال التشغيل. كما أن وتيرة الإرهاب تطورت بشكل لم يكن مألوفا، وجُرّدت الدولة من مدنيتها لفائدة مشروع دولة شبه دينية. وهذا ما حصل في مصر بدرجة كبيرة وفي تونس بدرجة أقل. ولولا وقوف المجتمع المدني بقوة ضد الجناح المحافظ لحركة النهضة، ولولا إدراك قيادة النهضة في آخر لحظة لخطورة بقائها في السلطة بعد هذا الأداء الحكومي السيئ لكانت النتيجة كارثية على البلاد أمنيا واقتصاديا.

إن المنطق يفرض علينا دفع حركة النهضة إلى عقلنة خطابها وإستراتيجيتيها، ولكن ذلك لا يمنعنا من البقاء في يقظة تامة وعدم تصديق الوعود البراقة التي كانت تقدمها النهضة قبل الثورة. لأن تغيير عقلية الإسلاميين وإيديولوجيتهم يتطلب وقتا طويلا وما دام الإخوان في البلاد العربية لم يفصلوا بين الفضاء الديني والفضاء السياسي فإن الديمقراطية والمدنية والحداثة لن تتحقق. لأن فكر الإخوان في نسخته الحالية هو أكبر كابح للتقدم والعصرنة وأكبر مُغذّ للفتنة الدينية والاقتتال الطائفي.

إن قبول مجتمعنا التونسي والمجتمعات العربية بدولة المواطنة يستوجب ثورة فكرية وثقافية لم تحصل مع الأسف منذ انطلاق ثورات الربيع العربي ولا أثناءه. وتتمحور هذه الثورة الفكرية حول المبادئ التالية:

عدم الخلط بين الفضاء الديني والفضاء السياسي.

تحقيق المواطنة الشاملة Citoyenneté Totale.

التمسك بالعهد الدولي لحقوق الإنسان.

المصادقة على اتفاقية سيداو حول المرأة.

احترام وحماية حقوق الأقليات.

حماية كاملة لحركة الفكر والتعبير والإيداع وضمان حرية المعتقد والضمير وتجريم التكفير.

تحييد المساجد والفضاءات الدينية عموما عن كل نشاط سياسي وحزبي.

تحسين جودة التعليم وتطوير الحس النقدي لدى المتعلمين.

إن توفير هذه الشروط سيجعل كل التيارات الإيديولوجية بما في ذلك الإخوانية وغير الإخوانية مجبرة على مراجعة عميقة لقناعاتها الفكرية.

البوابة:هل تعتقد أن الإخوان في تونس ومصر وغيرها سيقبلون بسهولة عدم توظيف الدين في السياسة؟

النهضة تحولت الى حزب برغماتي

العلاني : أعتقد أن هذا هو الرهان الصعب فقبول إخوان مصر بهذه الأفكار صعب حاليا. أما في تونس فقد بدأت حركة النهضة تطرح بعض الإشكاليات الفكرية الجديدة مثل مفهوم العلمانية الذي طرحه راشد الغنوشي في ندوة في مارس 2012  والذي يُعتبر متقدما مقارنة بإخوان مصر وليبيا والجزائر ودول الشرق الأوسط حيث أكد على أن هناك علمانية غير معادية للدين لكنه لم يحفر ولم يتعمق كثيرا في هذا المفهوم لأنه كان منشغلا بالحسابات السياسية والحزبية والانتخابية والتخوف من تصويت التيار السلفي ضد جماعته في الانتخابات القادمة بالإضافة إلى تخوفه من حدوث تململ كبير في صفوف قاعدة حزبه التى يشكل المحافظون فيها حوالي الثلثين، وهؤلاء لا يقبلون بسهولة التفاعل مع المفاهيم الجديدة حول العلمانية ومدنية الدولة وحرية المعتقد ومفهوم المواطنة بالمعايير الدولية وإنما بمعايير تيار الإسلام السياسي .

ولهذا فإن نصيحتي لحركة النهضة أن لا تدخل غمار السياسة مستقبلا إلا بقدر محدود سواء في مستوى الترشح في الدوائر الانتخابية البرلمانية أو المشاركة في الحكومة. لأنه عليها، أولا، إعادة النظر جذريا في مقارباتها الايديولوجية وبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وثانيا، ترويض قاعدتها وخاصة شريحة المحافظين فيها على استيعاب هذه المفاهيم والمقاربات والتفاعل معها استراتيجيا لا تكتيكيا، وثالثا، تخلُّصُها من روابط التبعية للفكر الإخواني والتنظيم الدولي للإخوان، والانخراط في مفهوم الإسلام المحلي islam local  وبدون ذلك ستبقى حركة النهضة في صراع مع الداخل والخارج خاصة في ظل التحولات الإقليمية الحالية والمتوقعة مستقبلا.

وتكاد تُجمع الدراسات الأخيرة على فشل تجربة تيار الإسلام السياسي في الحكم في تونس وبلدان الربيع العربي الأخرى، بل أن حسن الترابي صديق الغنوشي صرح في مايو 2012 أن تجربة حكم الإسلام السياسي فشلت بوضوح. وما لم تقم حركة النهضة بهذه المراجعات المذكورة ففشلها سيكون مضاعفا في المستقبل.

البوابة:هل تعتقد أن إصلاح الفكر الديني في العالم العربي مقدمة ضرورية للإصلاح السياسي والاقتصادي بهذه البلدان؟

العلاني : أعتقد أن الربيع العربي جاء بفرصة سياسية نادرة في حياة الشعوب العربية أي إجراء إصلاحات عميقة بعد سقوط سلطة الاستبداد. لكن هذه الفرصة أُجهضت بصعود تيار الإسلام السياسي إلى الحكم وهو لا يملك برنامجا ولا رؤية إستراتيجية بل شعارات اتضح أنها طوباوية وصعبة التحقيق وضرَرُها أحيانا أكثر من نفعها.

لقد صوّت الناخبون للإسلاميين لأنهم ظنوا أنهم أفضل من غيرهم وأنهم بعيدون عن الفساد وأنهم جادون في فرض الحريات وأنهم سيحققون العدالة الاجتماعية والتنمية والرفاه الاقتصادي واتضح أن الذي تحقق من هذه الأفكار نزر قليل جدا. وبقيت أحلام الثائرين في الشغل والكرامة تراوح مكانها. فالذي حصل كان دون مستوى الطموحات بكثير، فاستقلال القضاء تَحقّق نسبيا وكان من المفروض أن يكون الإسلاميون الذين عانوا من تبعية القضاء للسلطة التنفيذية أن يكونوا أول المبادرين لدعم استقلالية هذه السلطة، وكان على القضاة بجمعيتهم ونقابتهم أن يدخلوا في إضراب مفتوح حتى يَقبل الإسلاميون من خلال حكومة الترويكا بمنحهم نوعا من الاستقلالية. أما في المجال الاقتصادي والاجتماعي فإن حصيلة حكم الإسلاميين كانت هزيلة جدا إذ بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم وغلاء الأسعار وارتفاع المديونية بشكل لم يسبق له مثيل، فإن الطبقة الوسطى التي كانت المحرك الأساسي للثورة التونسية بدأت تتفقّر ليلتحق جزء منها بالطبقة الضعيفة، وهذا الاختلال في التوازن الطبقي أدى إلى ظهور بعض الشرائح الطفيلية القريبة من حكم الإسلاميين والتي أثْرت واستكرشت كثيرا في ظل غياب رقابة اقتصادية ناجعة سواء في الجانب الجبائي أو في مجال الاقتصاد الموازي أو في مجال تبييض الأموال، والأمثلة كثيرة، يكفي أن نسرد من بينها بنك الدريدي الذي أثار جدلا كبيرا في الساحة السياسية منذ عهد حكومة حمادي الجبالي. وفي مقابل هذا الفشل الاجتماعي والاقتصادي لحكم الإسلاميين نلاحظ تضخما في مسألة الهوية وكأن المجتمع التونسي مجتمع غير مسلم، وتوظيفا للمساجد في معركة السياسية وضرب التعليم المدني.

كان من المفروض أن يكون تيار الإسلام السياسي هو المبادر بطرح مشروع إصلاح الفكر الديني، هذا المشروع الذي انطلق في القرن 19 وبداية القرن 20 وتعثّر مع فترة استقلال الدول العربية. هذا المشروع الضخم الذي يقوم على إعادة النظر في آليات الاجتهاد الديني، وربط الفتوى بمصالح الشعب لا بمصالح الحكام أو الارستقراطية الدينية، وجعْل القيم الدينية حافزا على تقديس العمل والحرية والتعليم والتضامن والوحدة الوطنية، لا ما نراه اليوم من تناحر وقتل على الهوية (مثل اغتيال الشهداء شكري بلعيد ومحمد البراهمي ولطفي نقض والعديد من القوات الأمنية العسكرية بعد نعتهم بالطاغوت).

إن إصلاح الفكر الديني يبدأ بإعادة تعريف المفاهيم كالحكم والجهاد والعدل والتكفير والردة وغيرها، ويجب الاتفاق أولا حول طبيعتها هل هي مفاهيم دينية مطلقة أم هي مبادئ بشرية متغيرة تتبنّى قراءة  للدين تتغير بتغير العصور.

إن معظم التيارات السلفية الحالية إصلاحية كانت أم جهادية تحاول أن تُضفي على هذه المفاهيم طابع القداسة والإطلاقية وتحصر قراءتها فيما كتبه ابن تيمية أو محمد عبد الوهاب أو ناصر الدين الالباني أو عبد الله عزام أو المقدسي الخ. وبالتالي فهذه المجموعة غير قادرة على القيام بإصلاح الفكر الديني لأنها لا تمتلك رؤية نقدية لما كتبه القدامى في الفكر الديني وتعتقد أن تقليدها الكامل لفكر هؤلاء الرموز سبيل إلى حل مشاكل المسلمين، ونسيت هذه المجموعة أنّ العلم الديني الصحيح هو الذي يفصل بين الجانب الدنيوي السياسي الاجتماعي المتغير والجانب العقائدي الثابت. وقد كان المجتهد الكبير أبو حنيفة النعمان صاحب المذهب الحنفي يقول بأنه يُغيّر فتواه واجتهاده كلما انتقل من الشام إلى العراق لتغيُّر الأوضاع والعقليات في نفس الفترة فما بالك بعد مرور قرون كثيرة.

إن المجامع الفقهية والدينية الحالية يجب أن تتغير طبيعة عملها وتضم علماء دين وعلماء اجتماع وفلاسفة وعلماء سياسة وقانون ومفكرين ومؤرخين وباحثين في حقل بعض العلوم الصحيحة وباحثين في علم الأديان المقارن.

 كل هؤلاء العلماء والباحثين مدعوون إلى المساهمة في وضع أسس جديدة للفكر الديني، أسس تأخذ  بعين الاعتبار الأبعاد التاريخية والجغرافية والقانونية والاقتصادية والعلمية في شرحها للظاهرة الدينية.

إصلاح الفكر الديني

إن إصلاح الفكر الديني لا بد أن يُراجع مفاهيم كالجهاد والردّة. فمعظم بلاد المسلمين لم يدخلها الإسلام بحد السيف. وبالتالي يمكن أن يصبح مفهوم الجهاد في عصرنا مقترنا بجهاد التخلف والفقر والأمية والاستبداد. أما مفهوم الردة، فالكثير من الباحثين في العلوم الدينية يُرجعونه لأسباب اقتصادية نظرا لامتناع المرتدين في عهد الخليفة الأول بعد الرسول أبي بكر الصديق عن دفع الزكاة، ولهذا قاتلهم أبو بكر لأنهم أعلنوا عما نسميه اليوم  بالعصيان المدني أي رفض الالتزام بالعمل بقوانين الدولة وفي مقدمتها تسديد الأموال المتأتية من الزكاة إلى الدولة ولم يكن قتال أبي بكر لأهل الردة، حسب هؤلاء الباحثين، من أجل التخلي عن معتقدهم، لأن مفهوم الردة يدخل ضمن حرية المعتقد المكفولة قرآنيا (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، فالحاكم المسلم مُطالب بحماية المؤمن وغير المؤمن أصلا وحماية الكافر والمرتد بشرط الالتزام بوحدة البلاد والابتعاد عن الاستفزاز ومراعاة الشعور الديني العام بالبلاد. والأمثلة كثيرة في تاريخنا حيث كان يصعب على الملاحظ العادي أحيانا التمييز بين مواطن وآخر من نفس الحي إن كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو لا دينيا نظرا لاندماج تلك المجموعة في فضائها الوطني المتسم آنذاك بالتسامح والعيش المشترك.                                           

إن أمام تيار الإسلام السياسي والتيارات السلفية متسع من الوقت للانخراط في مشروع إصلاح الفكر الديني وهو مشروع يستغرق عقدين من الزمن على الأقل بفضل تطور وسائل الاتصال الحديثة. وأعتقد أن ولوج العالم العربي طور ما بعد الحداثة لن يتحقق في  غياب إصلاح حقيقي للفكر الديني، إصلاح يبدأ بتحديد العلاقة بين الدين والدولة، والدين والمجتمع. إصلاح يصحح ويُحيّن العديد من المفاهيم فينزع مثلا عن الجهاد مفهوم التقاتل والعنف، ويصبح القتال مشروعا فقط لمن يحتل أرضا بغير حق، ويعطي للجهاد مفهوما جديدا مثل جهاد النفس لحملها على نزع الأنانية والعدوانية agressivité، وجهاد المجتمع من أجل مقاومة التخلف والفقر والأمية، وجهاد الدولة من أجل توفير وسائل التقدم مثل السلم الاجتماعية والاقتصاد المتطور والتعليم  الجيد والبحث العلمي المتقدم  والمؤسسات الديمقراطية ذات المصداقية credible   . ويجعلُ إصلاح الفكر الديني من الاجتهاد الديني عاملا للتقريب بين الأديان والمذاهب لا عامل فرقة وصراع بينها، ويجعل العلاقة بين العقل والنقل (أي بين النص العقلي والنص الديني المقدس Texte Sacré) علاقة جدلية تتجه أكثر نحو الأخذ بما يُقره العقل في غير مجال الاعتقاد والغيبيات، وقد ذكر المصلح المصري محمد عبده أن الإرادة الإلهية لا تتعارض مع العقل السليم. وبذلك يصبح إصلاح الفكر الديني دافعا للإقبال على الحياة وتعمير الكون بكل ما ينفع الإنسانية ومُحفّزا على الإنتاج والعمل بل والإبداع فيه ومشجعا على العدل في توزيع الثروة وفي تنمية الثروة سواء بالنسبة للأفراد أو للمجموعات. هذا هو جوهر إصلاح الفكر الديني الذي نريده إصلاحا يتناغم مع العهد الدولي لحقوق الإنسان ومع ما أفرزه العقل الإنساني من تشريعات تخدم السلم الدولية والرخاء الاقتصادي والاجتماعي للجميع وحينها يأخذ المسلمون مكانتهم بين الأمم الراقية. إنه بهذه الروح المفعمة بالتجديد في الفكر الديني يكون المسلمون بكل أطيافهم ومذاهبهم قادرين على التأثر والتأثير في الحضارة الإنسانية.

ولا بد أن نُذكّر بالحركية التي شهدها الفكر الديني في تونس ومصر والعراق والشام وبعض دول الخليج مع جمال الأفغاني ومحمد عبده والطهطاوي وخير الدين التونسي والثعالبي وعبد القادر الجزائري والطاهر الحداد وعلال الفاسي وغيرهم في القرن 19 وبداية القرن 20 والتي كانت تُطالب بفتح باب الاجتهاد ونشر فكر المقاصد (أي التأويل الديني المرتكز على فهم الواقع وتقدير مصالح المسلمين). إن العودة إلى هذه الحركية لا يعني تقليدها بالكامل بل أخْذُ ما بقي صالحا منها ومتابعة الاجتهاد بآليات جديدة ذكرناها آنفا.

البوابة:كيف ستكون أوضاع الأمن والإرهاب في بلدان الربيع العربي بعد فشل تجربة الإسلام السياسي في الحكم؟

شروط نجاح تونس

العلاني : ستمر بلدان الربيع العربي بصعوبات اقتصادية ستؤثر على أوضاعها الأمنية، لكن هذه الصعوبات تختلف من بلد إلى آخر. فتحقيق تونس نسبة مريحة من النمو لن يكون قبل ثلاث سنوات أو أكثر لكن من المرجح أن يسجل الاقتصاد التونسي في الأشهر القادمة تحسنا يُخرجه من منطقة الجمود والخطر الذي خلّفته حكومة  علي العريّض ولذا فالمطلوب من حكومة مهدي جمعة (حكومة من التكنوقراط والمستقلين تشكلت في جانفي/يناير 2014) أن تصارح الناس بالحقيقة والمطلوب أيضا الإعلان عن إجراءات مستعجلة للنهوض بالأحياء الفقيرة والمناطق الحدودية المهمشة من خلال اقتطاع نسبة من الأرباح مؤقتا على الثروات الكبيرة توجه مباشرة للنهوض بالبنية التحتية في المناطق الداخلية وإقامة مشاريع صغرى. ومطلوب من حكومة جمعة أن تحقق تحييد المساجد والتحييد لا يعنى تهميشها وإنما تحديد دورها في مجالي التعبد والتثقيف الديني البعيد عن أي توظيف سياسي أو حزبي، لأن تحديد دور المسجد يدخل ضمن مشروع إصلاح الفكر الديني. ومطلوب من الحكومة الجديدة أيضا أن تراقب نشاط الجمعيات الدينية في اتجاه ترشيد برامجها والتدقيق في مواردها. أعتقد أن تونس تجاوزت نسبيا مرحلة خطر الإرهاب لكن هذا الإرهاب يمكن أن يعود إذا تمّ التخلي عن سياسة التوافق السائدة حاليا. وأعتقد أن الناخبين إذا ما نجحوا في جعل حزب النهضة محدود الأصوات في الانتخابات القادمة أي أن يصبح حزبا أقليا لا حزبا أغلبيا فإن فرص نجاح المشروع الديمقراطي للدولة والمجتمع تكون أفضل وهكذا يجد الإسلاميون الوقت الكافي للقيام بمراجعات عميقة لأفكارهم وإستراتيجيتهم. أما التيار السلفي في تونس فلا حل له سوى الانخراط في عمل جمعياتي  لا عمل حزبي. وأعتقد أن التيار السلفي بقدر ما يبتعد عن التسيّس بقدر ما يصبح مكوّنا ثقافيا يثري ثقافة المجتمع.

إن تسييس التيار السلفي أضر به كتيار فكري. وما يحصل اليوم مع حزب النور في مصر وفي غيره من البلدان العربية هو حالة عرضية لأن هذه الأحزاب السلفية ستضطر في نهاية  المطاف إلى الاصطفاف مع التيار الغالب في الحكم.وأعتقد أن إصلاح الفكر الديني سيدفع التيار السلفي كذلك إلى تعديل الكثير من مقارباته.

البوابة:هل لك ثقة في نجاح المشروع الديمقراطي في تونس؟

العلاني :أعتقد أن نجاح المشروع الديمقراطي في تونس مرهون بنجاح المشروع الاجتماعي والثقافي المتصالح مع الهوية والحداثة، فما لم يتحقق من أهداف ثورة الربيع العربي أي الشغل وتنمية المناطق الفقيرة هو الذي يجب التأكيد عليه لأنه سيوفر عوامل نجاح المشروع السياسي أي الديمقراطية ومدنية الدولة. إن تلازم الديمقراطية السياسية مع الديمقراطية الاجتماعية  والانفتاح الثقافي أمر ضروري ولا يتحقق في ظل عدم استقلال القضاء وفي ظل غياب عدالة اجتماعية حقيقة وفي  ظل نظام جبائي غير عادل وفي ظل طبقة وسطى متآكلة وفي ظل منظومة تعليمية متخلفة وفي ظل غياب قطاع خاص  قوي قادر على خلق الثروة والاستفادة والإفادة، قطاع يحقق الربح الكبير ويضمن الحقوق الكاملة لكل أطراف الإنتاج. هذه المنظومة المتكاملة هي التي تجعل المشروع الديمقراطي في تونس وفي بلدان الربيع  العربي مشروعا قابلا للتحقيق. وماعدا ذلك تكون إصلاحات جزئية وترقيعات لا تُخرجنا بشكل نهائي من الأزمات التي نعيشها.

أعتقد أننا قادرون في تونس أن نبدأ في انجاز هذا المشروع الضخم، مشروع البناء الديمقراطي بأبعاده السياسية والفكرية والاقتصادية منذ الآن مع حكومة مهدي جمعة ونكمله خلال عشرية كاملة حينها تكون تونس دخلت فعليا طور البلدان المستقرة والآمنة. ويستوجب ذلك أن يُقبل التونسيون والنخبة السياسية على سياسة التوافق ومن أهم عناصره أن تبقى وزارات السيادة الخمسة: الدفاع والعدل والداخلية والخارجية والشؤون الدينية تحت إشراف شخصيات مستقلة طيلة العشر سنوات القادمة بما من شأنه أن يجعل مؤسسات الدولة قوية ومحايدة.

تراجع الإرهاب في تونس

وختاما فالإرهاب في تونس ستقل خطورته في الأشهر القادمة بعد أن تمّ تصنيف  أنصار الشريعة كتيار إرهابي لكن عودة الجهاديين من سوريا وليبيا يجب أن يتم تحضيرها من الآن عبر برنامج تأهيل شامل لهؤلاء الجهاديين وإعانتهم على مراجعة أفكارهم وإدماجهم لاحقا في الدورة الاقتصادية. ويصبح من المحتم على حكومة جمعة والحكومات اللاحقة في تونس الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول (مثل ليبيا وسوريا ومصر والإمارات) وتفادي الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الحكومات السابقة والتي انجر عنها تصدير إرهاب بألوان مختلفة. والابتعاد عن فكرة تصدير النموذج التونسي لأن لكل بلد بيئته الخصوصية ومكوناته الاجتماعية والعشائرية وأعرافه التقليدية. ولأن مصلحة تونس تكمن في التعامل الإيجابي مع الآخر وهي لا تعطي دروسا لأحد ولا تقبل تدخلا في شؤونها الداخلية.

أما في ليبيا فأتصور أنها ستمر بمرحلة أمنية صعبة في الأشهر القادمة في ظل عجز الإسلاميين عن تحقيق مصالحة وطنية. ولعل عودة الاستقرار في تونس بفضل انتهاج سياسة التوافق سيدفع الليبيين إلى التوحد حول طاولة واحدة للحوار يجمع الأحزاب والتيارات الجديدة والقديمة التي كانت سائدة قبل الثورة وبعدها لنحت نموذج مجتمعي ونظام سياسي يتفق حوله معظم اللبيبين.

أما في مصر فمنسوب الإرهاب يمكن أن ينخفض بعد الانتخابات القادمة لكن جذوره ستبقى حية قابلة للاشتعال من جديد إذا لم تعمل حكومة ما بعد الانتخابات، على إقرار مصالحة وطنية تكون فيها التنازلات  متبادلة ويلتزم الجميع فيها بعدم تجاوز الخطوط الحمر وهي العنف والإرهاب وضرب الوحدة الوطنية للبلاد. وأُرَجّح أن يفتح الرئيس القادم لمصر قنوات الحوار، ربما في نهاية عهدته الرئاسية الأولى، مع فصيل من الإخوان يكون قابلا للتأقلم مع المستجدات القادمة وقابلا للقيام بمراجعات جذرية لمقولاته واستراتيجياته، لأن إطالة أمد المواجهة ربما تؤخر الانفجار لكنها لا تمنع حدوثه.