ارتبط تدخل منظمة الأمم المتحدة في مناطق التوتر العالمية، والدول التي تتعرض لأحداث استثنائية، بدور مبعوثي الأمين العام للهيئة، والذي كفلت له الفقرة الأولي من المادة 101 الفصل الـ15 من ميثاق الأمم المتحدة، أن يعين الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة كمبعوث من بين كبار موظفي هيئة الأمم المتحدة أو المديرين بها، ويتحدد دوره ومهمته فقط في زيارة المناطق المسؤول عنها من وقت إلى آخر، باستثناء أولئك المُكلفين بقضايا تتطلب الإقامة في ميدان العمل.

وتحدد مهام المبعوثين في ما هو استشاري داعم للأطراف التي تتطلب المهمة دعمهم ومساندتهم لتجاوز الأزمات، ومن بين مهام المبعوثين أيضا رفع تقارير دورية للأمين العام، يعرضها بدوره على مجلس الأمن، لاتخاذ قرار بشأن ما ورد فيها من وقائع تتعلق بالأمن والسلم.

 ويعمل الممثلون على أساس من رتبتهم الوظيفية، واللقب الذي يُمنح لهم، ويحدد ذلك الأمين العام، وعادة ما يتم تعيينهم بتوصية منه، تُعرض على مجلس الأمن، وحتى يتم الاستقرار على اختيار أي مبعوث يقوم الأمين العام بالتشاور مع الدول الأعضاء لاسيما دائمة العضوية بمجلس الأمن، والتي قد يكون لها الدور الأبرز في الاختيار في بعض الحالات.

وبالنظر لما مرت به المنطقة العربية من أحداث وظروف استثنائية فقد شهدت تدخلا مباشرا في الشؤون الداخلية لعدة دول منها مثل الصومال والعراق وليبيا واليمن وسوريا، وقبلها بالتأكيد فلسطين، ولبنان، وعلى الرغم من الاختلافات الشكلية في تفاصيل ما مرت به كل دولة يبقى المشترك بيها جميعا هو طبيعة وطريقة عمل المبعوثين الأمميين وتجاوزهم لما تطلبه مهامهم، ويتجلى ذلك بوضوح في الحالتين العراقية والليبية، اللتين تشابهت طريقة تعاطي المنظومة الدولية معهما، لا سيما أن الحالتين تشابهتا كنتيجة طبيعية لطريقة التدخل حيث عملت المنظومة الدولية على إسقاط النظامين في البلدين بالتدخل العسكري المباشر بدعوى استبدال النظامين "الشموليين" بأنظمة ديمقراطية حديثة -وفقا للشعارات التي رفعت لتشرعن للتدخل- كما أن كلا البلدين يحتوي على احتياطي نفطي ضخم يكفي لتغطية تكاليف التدخل، ويسيل لعاب اللاعبين الكبار للاستمرار في استمراء الحالة المأزومة، وهذا ما يثير الشكوك حول مهام المبعوثين الدوليين، وهل هم بالفعل جاءوا للمساهمة في حل الأزمات، أم لتدويرها وإدارتها؟

في ليبيا تداول على رئاسة البعثة الأممية سبعة مبعوثين بداية بالأردني عبدالإله الخطيب مروراً بالانجليزي مارتن واللبناني متري والإسباني ليون والألماني كوبلر، وصولا إلى اللبناني غسان سلامة الذي لا يزال يشغل المهمة بعد أن تم التجديد له مؤخرا بعد تكهنات وتوقعات بانتهاء فترته عقب تكليف الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني وليامز مساعدة له على غير عادة أسلافه.

وعلى الرغم من العدد الكبير من هؤلاء المبعوثين واختلاف خبراتهم وأفكارهم، وقدرتهم على العمل في المناخات المختلفة إلا أنهم جميعا لم يحققوا نجاحا في حلحلة الأزمة، ولو من المنظور الوطني الليبي، فتلقفهم لملفات المهمة يشبه بشكل كبير طريقة عدّائي سباقات التتابع في ألعاب القوة، ليس من باب السرعة بل أيضا بالنظر لقطع المسافة في سباق مع الزمن لا بالنظر في تفاصيل القضية، ومكوناتها، وهذا ما ساهم في استمرار الأزمة بل في تفاقمها وهذا ما يؤيد الفرضية التي تذهب إلى أن مهمة المبعوثين غير المعلنة لا تهدف للحل بل للإدارة والاستمرار، وهذا ما تؤيده الشواهد، حيث أنه عند النظر للحالة العراقية ومحاولة المقارنة بينها والحالة الليبية فإن القواسم المشتركة كثيرة ومتقاربة بشكل يسمح بأن يجعل توقع نتائج الخطوات التي يتخذها ممثلو المنظمة الأممية في ليبيا قبل البدء في تنفيذها باعتبارها تكرار لما تم تنفيذه في وقت سابق في العراق، وتبقى الاختلافات مرتبطة بما تحتفظ به كل حالة من خصوصية.

في ليبيا ارتبط تدخل الأمم المتحدة مع بداية أحداث فبراير، بتكليف وزير الخارجية الأردني الأسبق عبد الإله الخطيب، مبعوثاً أممياً داعما للمجلس الانتقالي في شرق البلاد، ليحوله إلى واجهة معتمدة دوليا للتعامل معها كممثل لليبيا على الرغم من وجود النظام بكامل مكوناته في العاصمة طرابلس، وعقب سقوط العاصمة طرابلس في أغسطس انشأت المنظمة الدولية بعثتها للدعم في ليبيا، ليعين  البريطاني إيان مارتن رئيساً للبعثة، الذي جاء خلفا له اللبناني طارق متري الذي بوجوده أخذت البعثة تلعب دورا فاعلا تجاوز الدور الاستشاري، حيث أعلن متري أن الانتخابات التي شهدتها ليبيا سنة 2012 لم تكن عادلة ونزيهة، ما تسبب في تأزم الموقف وخلق اصطفافات نتجت عنها حالة انقسام، تفاقمت وتأزمت حتى تحولت إلى اشتباكات مسلحة ومعارك بين أطراف الصراع الذي تحول من طوره السياسي إلى نزاعات مسلحة، بدأت منذ سنة 2014، وعلى الرغم من توقفها من حين لآخر وتغير أشكالها ومواقع حدوثها إلا أنها لاتزال تتجدد في عدة أماكن وفي فترات زمنية مختلفة.

وخلف متري كل من الأسباني  برناردينو ليون، في أغسطس 2014، حتى أكتوبر 2015 ومن خلفه الألماني مارتن كوبلر، وكلاهما انشغل بعقد الحوارات المطولة بين الأطراف الليبية المتصارعة، وكانت النتيجة ولادة الاتفاق السياسي الذي جاء بعد عدة جولات حوارية طويلة في عدة مدن ليبية وعواصم أجنبية اختتمت في الصخيرات المغربية، إلا أنه لم يجد الدعم التشريعي اللازم من قبل مجلس النواب، وهو ما جعله محل خلاف ليساهم في انسداد الحل وتدخل الزمة الليبية مرحلة جديدة، وتتوالى معها المبادرات الدولية والأقليمية التي تتضارب فيما بينها وتتعمق معها الأزمة ليبرز ويتكرر السؤال ذاته عن دور البعثة الأممية ورؤسائها، وهل هو يهدف للحل أم لإدارة الأزمة والمحافظة على استمرارها.

في العراق جاء التدخل الأممي عقب تدخلها في الكويت، وبقيت علاقة المنظومة الأممية بالنظام العراقي على مدى ثلاث عشرة سنة مرتبطة بفرض عقوبات للحد من قدرة العراق على تطوير أسلحة الدمار الشامل (حسب المزاعم التي بنيت عليها العقوبات الدولية)، إضافة لنشر فرق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لرصد برامج الأسلحة في البلد وتفتيشها، وإدارة برنامج النفط مقابل الغذاء.

وعقب إسقاط النظام في العراق أنشئت بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة (UNAMI) إلى العراق رسميّاً، وتألفت البعثة -بقيادة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة سيرجيو فييرا دي ميللو، إلا أن البعثة تعرضت لعدة اعتداءات ما جعل الأمم المتحدة  تفرض قيوداً شديدة على وجودها في العراق، وأُدِيرت برامجها المخصصة للعراق من البلدان المجاورة إلى حد كبير، وبناءً على طلب الحكومة العراقية جُدِدَت ولاية البعثة كل عام.

وحملت البعثة الأممية في العراق نفس الشعارات البراقة المعتادة والمتمثل في دعم جهود الشعب العراقي والحكومة العراقية في تعزيز مؤسسات الحكومة التمثيلية، وتعزيز الحوار السياسي والمصالحة الوطنية، وإشراك البلدان المجاورة، ومساعدة المجموعات المستضعفة، بما في ذلك اللاجئون والنازحون داخل البلاد، وتعزيز حماية حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني.”

وعلى الرغم من مضي السنوات الطوال على تولي البعثة مهامها في العراق بعد ما يزيد عن عشر سنوات لاتزال دولة العراق تعاني من نفس مشاكلها التي وجدت البعثة في الأساس للمساهمة في حلها، وكان من المفترض أن يكون اتفاق عام 2007 خطة وطنية تستمر لخمس سنوات بقيادة الحكومة العراقية، وتشترك في رئاستها الأمم المتحدة بدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لوضع البلاد على طريق السلام والحكم السليم، وتعزيز الاستدامة الاقتصادية. وكجزء من الاتفاق، تلتزم الحكومة بمجموعة شاملة من المعايير، وفي المقابل، ستوجه الأمم المتحدة المانحين الدوليين والمنظمات المتعددة الأطراف لتوفير الدعم اللازم لتيسير تنفيذ الاتفاق، إلا أن الوقائع على الأرض أكدت عكس ذلك فلم يتحقق من تلك الأهداف إلا استمرار المحاولات بنفس المعطيات في انتظار أن تأتي بنتائج مختلفة، وهو ما لم يتحقق ولن يتحقق بطبيعة الحال. 

بالنظر لما ترتب على تواجد بعثات أو ممثلين للأمم المتحدة، وما حققته من أهداف مرسومة لتكليفها في عدة مناطق شهدت توترات سياسية أو حروب، يتفق المراقبون على أن دور هذه البعثت لم يحقق أي نجاحا يبشر بالتعويل عليه، وهو ما يجعل السؤال يتكرر ويدور ولا يجد إجابة تربط بين الشعارات والأهداف المرسومة ما يتحقق من نتائج على الأرض، وهو ما يقود إلى نتيجة واحدة مفادها أنه أين ما وجد التدخل الخارجي وإن كان يحمل الشرعية الدولية، تضاعفت الأزمات وتفاقمت وغابت حلولها.