أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ملخصًا للقضايا والتوصيات التي أثارها الليبيون والليبيات باستمرار خلال الحوارات، التي شاركت في تيسيرها البعثة الأممية مع هولندا وسويسرا في عامي 2022 و2023.
وبينت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تقرير لها أن أكثر من 500 ليبية وليبي أكدوا خلال الحوارات أن انتهاكات حقوق الإنسان والإقصاء والتهميش تسهم في تأجيج كل دوافع الصراع وعدم الاستقرار في ليبيا.
وأوضحت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنه خلال عامي 2022/23 قامت الرئاسة المشتركة لمجموعة العمل المعنية بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان التابعة للجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا والمنبثقة عن مؤتمر برلين بتيسير عقد سلسة من الحوارات الشاملة حول حقوق الإنسان شارك فيها ما يزيد على 500 ليبي من النساء والرجال، بمن فيهم الشباب. وتضمنت سلسلة الحوارات هذه حوارات جماعية مركزة ومشاورات فردية وردود مكتوبة وحوار رقمي عبر الإنترنت، وذلك بهدف التوعية بشأن العملية السياسية والمصالحة القائمة على الحقوق في ليبيا.
وعرضت الرئاسة المشتركة أمام السلطات الليبية المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان التي عبّر عنها وبشكل مستمر أكثر من 500 ليبي مشارك في الحوار بما في ذلك الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والناشطين والمحامين والفئات النسوية والجهات الحكومية الفاعلة والعمال والشباب بمن فيهم الطلبة والمجموعات المعنية بالضحايا والخبراء والأكاديميين والصحفيين.
وسعت سلسلة الحوارات إلى معرفة وجهات نظرهم حول قضايا حقوق الإنسان الأكثر إلحاحاً بالإضافة إلى الإجراءات المطلوبة لحماية المكاسب والتغلب على العقبات بما يفضي في نهاية المطاف إلى تعزيز حقوق الإنسان في ليبيا.
وتمثل المبادئ والتوصيات التي سيجري عرضها في التقرير آراء وأصوات المشاركين في الحوار، بما في ذلك الحلول اللازمة لتحقيق الكرامة والعدالة والحرية للجميع بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق السلام المستدام المبني على أساس حقوق الإنسان.
التوصيات الرئيسية
وقال كل من النساء والرجال والشباب الليبيون المشاركون في الحوار "ما يعنينا هو وطننا وتهمنا أيضاً الحقوق المدنية ونريد تحسين ظروفنا المعيشية". وأعرب المشاركون عن أن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان، الإقصاء، والتهميش من الأسباب الجذرية للكثير من الصراعات وعدم الاستقرار في ليبيا. وقال الليبيون إنه إذا تُركت تحديات حقوق الإنسان دون معالجة، فسوف تتفاقم وتبرز كعوامل جديدة للصراع، بما يغذي دوامات الانتقام المسمومة، وعلى هذا النحو يُنظر أيضاً إلى حماية حقوق الإنسان على أنها الحل لمواجهة التحديات ومنع المزيد من النزاعات
انعدام المساءلة
وأضاف التقرير أن الإفلات من العقاب على انتهاكات القانون الدولي الإنساني والتجاوزات ضد حقوق الإنسان بحق الليبيين وغير الليبيين يقوض سيادة القانون والدولة ومؤسساتها. كما إن الانتشار واسع النطاق للإفلات من العقاب يحرم الليبيين من حقوقهم في معرفة الحقيقة والعدالة والمساءلة. وشدد المشاركون في الحوار على ضرورة إصلاح نظام العدالة وتعزيزه، مع التركيز على التحقيقات ومقاضاة الجناة المزعومين. كما سلط المشاركون الليبيون الضوء على الحاجة إلى آليات مساءلة دولية والاستخدام المستهدف للعقوبات التي ينبغي أن تكون مكملة للجهود المبذولة نحو تحقيق المساءلة الجنائية، لا أن تحل محلها.
القطاع الأمني
أثار الليبيون باستمرار مخاوفهم بشأن المجموعات المسلحة والميليشيات التي تكاثرت في ليبيا منذ فبراير والتي تقوض حقوق الإنسان وسيادة القانون. وقد جرى إضفاء الشرعية على العديد من هذه الجهات المسلحة الفاعلة وهي تسيطر على اجهزة الأمن وإنفاذ القانون وترتكب انتهاكات واسعة النطاق للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب. ودعا الليبيون بالإجماع إلى اطلاق عملية إصلاح شاملة للقطاع الأمني مشددين على أنه من الأهمية بمكان تنظيم المجموعات المسلحة وحلّ الميليشيات وإنشاء جيش موحد. وأشاروا كذلك إلى أن عمليات التدقيق ضرورية للغاية لضمان وجود قطاع أمني احترافي يكون مسؤولاً أمام أولئك الذين يُفترض أن يخدمهم ويعزز الحقوق الأساسية لهم وليس تقويضها.
الحقوق الأساسية
ذكر حوالي 80 في المائة من المشاركين في الحوار أن الظروف المعيشية وتوفير الخدمات قد تدهور في عام 2022، مع إحداث أثر عميق على حياتهم – ففي الصيف، ومع اشتداد الحر، يجد الطلبة أنفسهم غير قادرين على الدراسة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وتحدّث الأهالي في الجنوب عن الافتقار إلى الرعاية الصحية حتى الأساسية منها. وتزيد العقبات التي تحول دون الحصول على الجنسية والوثائق القانونية من تهميش الفئات الأشد استضعافاً. لذا فإن جميع الأشخاص في ليبيا، بغض النظر عن الجنس أو الانتماء الجغرافي أو الانتماء السياسي المتصور أو المشارب الثقافية أو الإعاقة أو الوضع القانوني – بمن فيهم النازحون- ينبغي أن يحصلوا على الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية المناسبة والحصول على التعليم والكهرباء والغذاء والسكن.
حرية التعبير
قال ما يربو عن 60 في المائة من المشاركين في الحوار الرقمي إنهم لا يشعرون بالأمان للتعبير عن آرائهم بحرية. وأكد المشاركون في الحوار أن حرية التعبير والرأي والتجمع ليست حقوقاً أساسية فحسب، بل هي حقوق في غاية الأهمية للانتخابات وللعملية السياسية والمصالحة، حيث يتعين أن يكون الجميع قادرين على المشاركة والتعبير عن آرائهم بحرية وكرامة وأمان. وشدد المشاركون في الحوار على ضرورة رفع القيود التعسفية التي تحد من الحيز المدني وفضاء منظمات المجتمع المدني، لأن هذه المنظمات "تعكس قوة المجتمع الليبي". كما دعوا إلى بذل الجهود للتصدي لخطاب الكراهية (عبر الإنترنت) والذي يعمل على إسكات الأصوات التي تناهض انعدام المساواة والظلم والانتهاكات والتجاوزات على حقوق الإنسان مما يعيق المشاركة في الحياة العامة ويؤدي بالفضاء المدني للتآكل.
الحقوق السياسية
شدد غالبية الليبيين على أن الأزمة السياسية يجب أن تنتهي، مع وجوب ضمان حقوقهم السياسية من خلال الانتخابات - فعلى سبيل المثال، سلط أحد الشباب الضوء على أنه لم يتمكن أبداً من ممارسة حقه في التصويت. وقال الليبيون إن هناك حاجة إلى اتفاق على إطار دستوري للانتخابات، فضلاً عن توفير الدعم من المجتمع الدولي لإجراء انتخابات يقودها الليبيون. وتشمل الحقوق السياسية أيضاً التمثيل على جميع المستويات سياسياً واجتماعياً على النحو الذي أكّده الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والنساء والشباب والأقليات العرقية، الذين أعربوا باستمرار عن إحباطهم جراء تجاهلهم أو تمثيلهم بشكل غير كافٍ في العملية السياسية.
العنف ضد النساء
قالت النساء والرجال من المشاركين في الحوار إنه يجب على وجه السرعة معالجة العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف الناجم عن تزايد انعدام الأمن وما يسمى بـ"جرائم الشرف" وتزايد التحرش عبر الإنترنت وخطاب الكراهية وأوجه التهديد. وقال النساء والرجال الليبيون على حدّ سواء إن هناك حاجة إلى نُهج قائمة على النوع الاجتماعي في السياسات والبرامج الوطنية التي تتوخى التصدي للعنف ضد المرأة، كما أن القوانين الخاصة بحماية المرأة وحقوقها أمرٌ بالغ الأهمية. وتحدث المشاركون أيضاً عن دور المرأة في المجتمع والقيود المفروضة عليها، قائلين إنه "ينبغي ضمان حقوق المرأة في المشاركة في الحياة العامة والسياسية، بما في ذلك في العملية السياسية والمصالحة الوطنية".
حقوق دون تمييز
وبينت البعثة الأممية أن عام 2023 يصادف الذكرى السنوية الخامسة والسبعون (75) للإعلان العالمي لحقوق الإنسان – وهي لحظة فريدة للتدبر في حقوق الإنسان المتأصلة والاحتفاء بها. كما تمثل الذكرى السنوية الخامسة والسبعون (75) فرصة لتعزيز توافق في الآراء على المستوى القطري بشأن حقوق الإنسان كأساس لمجابهة العديد من التحديات السياسية والحقوقية والإنمائية التي تواجه ليبيا ووضع التزامات مشتركة لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في عموم المجتمع في وقت باتت فيه حقوق جميع الليبيين مهدّدة. بعد مرور خمسة وسبعين عاماً على إقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يُجمع الليبيون على المطالبة بالكرامة والحرية والعدالة.