في السادس عشر من شهر جوان الجاري أطلق رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السرّاج، مبادرة لتسوية الأزمة العالقة في البلاد، بعد أسابيع من انطلاق "عمليّة تحرير طرابلس" التي بدأها الجيش الليبي في الرابع من شهر أفريل الماضي.

مبادرة جاءت في سياق مواجهات عسكريّة محتدمة في عدّة محاور على أطراف العاصمة طرابلس بين قوات الجيش الليبي والقوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني. وهي المواجهات التي خلفت مئات الضحايا بين قتيل وجريح والآلاف من النازحين والمهجرين.

وتضمنت مبادرة السرّاج سبع نقاط تمحور عقد ملتقى ليبي، وتأسيس قاعدة قانونية ودستورية لإجراء انتخابات قبل موفى العام 2019. كما دعى الأمم المتحدة الى رعاية هذا الملتقى ودعم تنظيم هذه الانتخابات.

كما نصّت المبادرة على أن تنبثق عن هذا الملتقى الليبي لجنة للمصالحة الوطنية وتفعيل العدالة الانتقالية وقانون العفو العام وجبر الضرر.

هذه المبادرة التي طرحها فايز السرّاج في كلمة متلفزة، أردفها بحوار صحفي مع وكالة أنباء رويترز قال فيها أنّه غير مستعد للجلوس مع للتفاوض مع قائد الجيش الليبي خليفة حفتر قائلا: "لن التقي بحفتر مرة أخرى ...لأنه أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه لا يمكن أن يكون شريكا في أي عملية سياسية".

هذه المبادرة قابلتها لامبالة واضحة من الطرف المقابل، فخليفة حفتر لم يرد على هذه المبادرة بينما أعلن مجلس النواب والحكومة المؤقتة رفضهما لمقترح السرّاج.


** الرّفض الصريح ..وخيار المواجهة الواضح: 

رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح الذي أعلن رفض البرلمان الدخول في أي مباحثات أو مفاوضات سياسية تتعلق بمستقبل البلاد إلا بعد إتمام "تحرير العاصمة"، اعتبر أن هذا الموقف لا يعبر عن تعنّت أو إصرار على المضي قدما في الحل العسكري وإنما يعكس عدم وجود شركاء يؤمنون بالمسار السياسي والديمقراطي في الجانب الآخر.

وفي مقابلة، مع وكالة الأنباء الألمانية، قال صالح "نرفض التفاوض مع رئيس حكومة الوفاق (مقرها طرابلس) فايز السراج والميليشيات والقوى الداعمة له، ونرفض تعليق العملية العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني لاستعادة العاصمة في بداية أبريل الماضي، إلا إذا استجابوا لشروطنا وهي إخلاء العاصمة من الميليشيات المسلحة، مع تسليم السلاح".

وأضاف "بعد ذلك يتم الرجوع للعمل بالدستور الليبي، بما يدعو له صراحة من إجراء انتخابات. أما أي حديث عن مباحثات سياسية مع حكومة رهينة لميليشيات مسلحة لا تؤمن بالمسار السياسي والديمقراطي فلا طائل منه".

ورجّح، رئيس البرلمان الليبي أن "تتمكن بلاده خلال مدة زمنية لا تزيد عن العام من تاريخ استعادة السيطرة على العاصمة من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية تحت إشراف قضائي محلي كامل وإشراف دولي". ولكنه شدد على أن هذا يتطلب "وجود إرادة دولية صادقة وداعمة" بحسب تعبيره.

وفي ذات السياق، وصف رئيس الحكومة المؤقتة عبدالله الثني، مبادرة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، بأنها بمثابة "ذر للرماد في العيون"، ومحاولة يائسة في ظل تقدم الجيش الليبي نحو طرابلس، بحسب تعبيره.


وأكد الثني، في تصريحات اعلامية، أن الهدف من معركة طرابلس هو توحيد الدولة الليبية وهو مالا يمكن أن يتم دون حل الميلشيات المسيطرة على مؤسسات الدولة. متهما السراج بأنه لم ينفذ تعهداته بموجب اتفاق الصخيرات بخصوص ما يتعلق بحل المليشيات.

هذا "التعنّت" والإصرار على الحسم العسكري للصراع الليبي، أكّده الناطق بإسم قوات حكومة الوفاق ذاتها، وهي التي أطلقت رئيسها هذه المبادرة، حيث نفى المتحدث الرسمي باسم هذه القوات، مصطفى المجعي، أن يكون للمبادرة أي علاقة بالميدان. 

ونقل موقع الـ" اندبندنت عربية" عن المجعي قوله أن "السراج اقترح حلاً للأزمة من جانب سياسي ولكن الاقتراح لا علاقة له بسير المعركة على الأرض فهي مستمرة"، مشيراً إلى أن "الأوامر صدرت بالتوقف لساعات في انتظار أي ردة فعل من الطرف الآخر بالموافقة مثلاً وعندها ستكون لنا شروط أهمها انسحاب القوات الغازية من جنوب طرابلس وعودتها إلى مواقعها الأصلية".

ولفت المجعي خلال حديثه إلى أن "الاقتراح الحكومي لم يشمل وقف النار، لذلك فهو متعلق بالشأن السياسي وقبول حفتر به يرتب عليه الحديث عن شروط وقف إطلاق النار في ما بعد".


** مواقف دولية داعمة.. وداخلية رافضة: 

الأمم المتحدة كانت أول المرحبين بمبادرة فائز السراج، حيث أعربت البعثة الأممية في ليبيا عن استعدادها لقبول أي مبادرة أخرى تقترحها أي من القوى الفاعلة لإنهاء حالة النزاع كما أكدت البعثة في بيان لها استعدادها لمساعدة كل الأطراف في سبيل مساعدة ليبيا على الخروج من مرحلتها الانتقالية الطويلة نحو السلام، على حدّ قولها.

كما رحّب الاتحاد الأوروبي كذلك بالمبادرة، قائلا في بيان له أنه يدعم أي مقترح بنَّاء لدفع العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة لإنهاء النزاع والانقسام. مشيرا إلى أنّ هذه المبادرة هي خطوة في ذلك الاتجاه حسب نص البيان.

وفي ذات السياق أعلنت الحكومة الإيطالية عن دعمها لمبادرة السراج، من أجل استئناف المفاوضات لتحقيق الاستقرار في البلاد، بحسب بيان لوزارة خارجيتها.

أمّا القوى الدّاخليّة في ليبيا فلا تبدو كلها متفقة مع هذه المبادرة، وكما سبق ذكره فإنّ خيار الذهاب نحو الحسم العسكري هو الذي يحرّك مواقف مختلف الأطراف العسكرية والسياسية وحتى الإجتماعية. فـ"تجمع القوى الوطنية الليبية"،الذي عقد مؤتمراً انطلقت جلساته الاثنين 17 يونيو/تموز 2019 في العاصمة المصرية، فقد أكّد على الرفض التام لمبادرة رئيس حكومة الوفاق فايز السراج لحل الأزمة، معتبرا أنها "تمثل رؤية وتوجهات التيار الذي يتحكم في السراج وحكومته ويقود المعركة ضد الجيش في طرابلس، ممثلاً في جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا" بحسب تعبيره.

وأكد المستشار رمزي الرميح، عضو اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر، أن "تجمع القوى الوطنية بالقاهرة يرفض بشكل قاطع مبادرة السراج، ويدعم استمرار عملية تحرير طرابلس حتى تطهير المدينة من الكتائب والمليشيات، لافتاً إلى "أن المؤتمر يناقش دور القوات المسلحة الليبية في تهيئة الأوضاع والظروف لقيام دولة مدنية".

مؤكداً "ألّا حوار مع الكتائب والمليشيات وجماعة الإخوان في ليبيا، وأن الحسم العسكري هو الحل المناسب في المرحلة الحالية".بحسب ما نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية.

ومن جهته قال رئيس المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، العجيلي البريني، إن المبادرة التي طرحها رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، غير قابلة للتفعيل طبقا للمعطيات الراهنة.

وأضاف في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية أن "مبادرة السراج طرحت متأخرة، في حين أن الجيش يفصله عن قلب العاصمة كيلومترات معدودة، في ظل تواجد الميليشيات في قلب العاصمة، والتي تقودها مدينة مصراته المدعومة من قطر وتركيا" بحسب تعبيره.

وأوضح أن "الاجتماعات خلال الفترة المقبلة يجب أن تركز على ما بعد عملية طرابلس، في ظل انتشار الميليشيات، وأن تضع رؤية لخارطة طريق تساهم في خروج ليبيا من المشهد الحالي" على حدّ قوله.

هذه التصريحات من مختلف الأطراف، تجعل أي حديث عن مبادرات للحوار، مسألة صعبة في ظل الارتفاع المدوي لأصوات المدافع والقنابل وصرخات الضحايا. حيث يبدو كلا الطرفين مصرا على التوجّه نحو الحسم العسكري، ويبدو هذا الخيار أولوية مطلقة، خاصة في ظل عجز الأمم المتحدة وبعثتها عن تقديم أي حلول عمليّة لحل هذه الأزمة المستفحلة منذ سنوات، وعجزها أيضًا عن تفعيل مبادرتها على الأرض، والتي تتصدم في كلّ مرّة بواقع انقسام حاد وشرخ كبير بين معسكرين متنافرين تغذيهما أطماع دوليّة الكبرى، في بلد استنزفته الحروب والفوضى و"لعنة النفط" .





النقاط السبعة للمبادرة كما أطلقها السرّاج 

أولاً : أن يتم عقد ملتقى ليبي … بالتنسيق مع البعثة الأممية، يمثل جميع القوى الوطنية ومكونات الشعب الليبي من جميع المناطق، ممن لهم التأثير السياسي والاجتماعي، الذين يدعون الى حل سلمي وديمقراطي، المنادون بحق المواطنة وبناء دولة مدنية، دولة القانون والمؤسسات.

ثانياً : يتم الاتفاق خلال الملتقى على خارطة طريق للمرحلة القادمة، واقرار القاعدة الدستورية المناسبة، لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة قبل نهاية 2019، ويتم تسمية لجنة قانونية مختصة من قبل الملتقى، وذلك لصياغة القوانين الخاصة بالاستحقاقات التي يتم الاتفاق عليها .

ثالثاً : يقوم الملتقى باعتماد القوانين الخاصة بالعملية الدستورية والانتخابية المقدمة من اللجنة القانونية، مع تحديد مواعيد الاستحقاقات، ثم احالتها الى المفوضية العليا للانتخابات .

رابعاً: يدعو الملتقى مجلس الأمن والمجتمع الدولي لدعم هذا الاتفاق، وتكون مخرجاته ملزمة للجميع، وتقوم الأمم المتحدة بالإعداد والتنظيم لهذه الاستحقاقات، وأن يدعو الملتقى الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، لتقديم الدعم اللازم لإنجاحها .

خامساً: يتم تشكيل لجان بإشراف الأمم المتحدة، من المؤسسات التنفيذية والأمنية الحالية في كافة المناطق، لضمان توفير الامكانيات والموارد اللازمة للاستحقاقات الانتخابية، بما في ذلك الترتيبات الأمنية الضرورية لإنجاحها .

سادساً: يتم الاتفاق من خلال الملتقى على آليات تفعيل الادارة اللامركزية، والاستخدام الأمثل للموارد المالية، والعدالة التنموية الشاملة لكل مناطق ليبيا، مع ضمان معايير الشفافية والحوكمة الرشيدة .

سابعاً: ينبثق عن الملتقى هيئة عليا للمصالحة الوطنية، تقوم بالإشراف والمتابعة لملف المصالحة الوطنية، وتفعيل قانون العدالة الانتقالية… وقانون العفو العام وجبر الضرر، باستثناء من ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الانسانية.