على وقع الخسائر الميدانية الكبيرة التي منيت بها المليشيات المسلحة في طرابلس والمدعومة بمرتقة تركيا،بدأ تيار الاسلام السياسي وعلى راسه جماعة "الإخوان"محاولاتهم المعهودة للتحريض ضد الجيش الوطني الليبي والمدن الداعمة له في عزف متجدد على أوتار الفتنة التي تمثل سلاح الاخوان المحبذ لاستمرار الفوضى والعبث بمقدرات الشعب الليبي دون رقيب أو حسيب.

وفي مشهد متكرر منذ سنوات، خرج مفتي المؤتمر العام المعزول والمدرج على قائمة الارهاب لدول الخليج ومصر الصادق الغرياني، خلال استضافته عبر برنامج "الإسلام والحياة" الذي يذاع على قناة "التناصح"، بخطاب مكرر يعمل على بث الكراهية والحقد بين المناطق الليبية في محاولة لنشر الفتنة في البلاد كعادته منذ سنوات. 

وانتقد الغرياني،تخصيص الرئاسي لأموال لبلديات المنطقة الشرقية،قائلا إن "حكومة الوفاق عودتنا أن تنتهج منهج الرشوة ودفع الأموال في حل مشاكلها، بدلا من النزاهة والقضاء العادل".وأضاف الغرياني،أن الحكومة تُعامل العدو ومرتزقته والدول الداعمة له كأنهم أصدقاء، بحسب قوله، متابعا: "إن عدم اتخاذ إجراءات صحيحة وصارمة هو ما يُجرّأ حفتر على أن يفعل ما يفعله كل يوم".على حد زعمه.



وأردف المفتي المعزول قائلا: "عندما يدفع المجلس الرئاسي لبلديات المنطقة الشرقية الأموال ويُخصص 5 مليون دينار لبنغازي بحجة العدل وأن البلد واحدة، فهذا كلام لا يرضاه عاقل".وتابع: "هذه تصرفات حمقاء غبية لا تنُم على أن صاحبها عنده قضية يدافع عنها، هذه الأموال ستذهب لشراء المرتزقة، فعمداء تلك البلديات مُعينون من حفتر".وفق قوله.

وفي وقت سابق،انتقد الرئيس السابق لمجلس الدولة الإستشاري، عبد الرحمن السويحلي، ،تخصيص الرئاسي أموالا لبنغازي، حيث وصف السويحلي قرارات رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، بتخصيص 75 مليون دينار لمواجهة "كورونا"، بأنها "ليس لها أي مردود على أرض الواقع"، موضحاً أن السراج وجه الدعم إلى بلدية بنغازي، في حين أن قوات الجيش تدك طرابلس".وفق تعبيره.

وأكد السويحلي، في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط، أن الإنفاق يجب أن يتركز فقط على بندي المرتبات والدعم ومصروفات لمواجهة قوات الجيش، وتوفير متطلبات الجبهات ومساعدة النازحين، إضافة إلى تخصيص إنفاق محدد ومنضبط لمواجهة وباء كورونا، فالصرف فيما عدا ذلك هو استمرار لسياسات نهب المال العام.واستغرب قرار السراج "توجيه دعم إلى بلدية بنغازي، في حين أن قوات شرق ليبيا تدك طرابلس كل يوم وتقتل المدنيين الأبرياء".على حد زعمه.

ومن جانبه، أوصى مدير مكتب دعم السياسات العامة لرئيس ما يسمى بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق محمد إبراهيم الضراط في بيان له بعدم صرف ميزانيات بلديات المنطقة الشرقية والجنوبية والبعض من بلديات المنطقة الغربية. وقال الضراط في بيان له "هذه المناطق مرتع للمرتزقة القادمة لمساندة حفتر في حربه على العاصمة طرابلس".

وأضاف في توصيته "الكثير من البلديات المزمع صرف ميزانيات لها خاصة في المنطقة الشرقية والجنوبية تعاني من عدم الشفافية والتكتم في إصدار البيانات والإحصاءات بخصوص وباء كورونا، الأمر الذي يزيد من غموض الوضع ويجعل الشكوك تحوم حول الغرض من طلب الميزانيات والادعاء بأنها طلبت مواجهة وباء كورونا".

وأردف "حفتر يعاني من ضائقة مالية، ولو أنه تم صرف هذه الميزانيات إلى بلديات المنطقة الشرقية والجنوبية، فهذا يعني أنها دعم واستمرار للحرب وإطالة أمدها وتقويض لأي فرصة للتفاوض الحقيقي، وكأننا أعطينا حفتر طوق نجاة لإنقاذ نفسه وتقوية موقعه وتجيير هذه الميزانيات لدعم المجهود الحربي، وهذا يعني أيضا المزيد من معاناة العاصمة والشعب الليبي".على حد زعمه.

تكشف مطالب قيادات الاسلام السياسي بحرمان البلديات المؤيدة للجيش الليبي من الموازانات المالية المخصصة لمواجهة فيروس كورونا،الرغبة في معاقبة وتركيع المدن الخارجة عن سطوة المليشيات،في وقت توفر فيه مدن شرق ليبيا وجنوبها أغلب موارد ليبيا المالية، حيث تتركز معظم الآبار النفطية للبلاد هناك.

وتعتبر ثروات ليبيا النفطية جوهر الصراع في ليبيا، إذ تملك أكبر مخزون للنفط في أفريقيا،وتعد إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً،حيث تقدر الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 46.6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا.وقبل الأزمة التي تعاني منها منذ العام 2011، كانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل نفط يوميا في المتوسط.لتدخل بعدها الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في حالة فوضى،والصراع على أبرز الموانئ.

تستحوذ حكومة الوفاق على أغلب موارد ليبيا النفطية، ما استدعى تدخل القبائل الليبية في الشرق والجنوب في منتصف شهر فبراير حين أغلقت قبائل في المنطقة الشرقية والوسطى موالية للجيش الوطني الليبي الحقول والموانئ النفطية متهمة حكومة الوفاق بإهدار ثروات الشعب على الحروب وجلب المقاتلين الأجانب.

ومثل إغلاق الحقول والمنشآت النفطية أخطر ضربة توجه لسلطات طرابلس منذ العام 2011، خصوصا وأنها ناتجة عن حراك شعبي تقوده القبائل المؤثرة في مواقع الإنتاج والتصدير، والتي تتهم حكومة فايز السراج والأجهزة الخاضعة لها بتبديد إيرادات النفط في استجلاب المرتزقة وتهريب السلاح وتمويل الميليشيات وأمراء الحرب في محاولتها للتصدي لتقدم الجيش الليبي الذي يتشكل في أغلبه من أبناء تلك القبائل.

ويتمسك شيوخ القبائل بقرار غلق الحقول والمصارف والموانئ النفطية إلى حين وضع حد للعبث القائم بمؤسسات الدولة المالية، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي.وقال نائب رئيس المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا الشيخ السنوسي الحليق تعليقا على دعوة رئيس حكومة المجلس الرئاسي فائز السراج، لتوحيد المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي،: "إذا كان السراج جادا في دعوته للحوار لتوحيد هاتين المؤسستين الاستراتيجيتين، فان باب الحوار مشروط بتنفيذ قرار الحكومة الليبية رقم 247 لسنة 2013، والقاضي بعودة مقر المؤسسة الوطنية للنفط إلى بنغازي، وإعادة مصرف ليبيا المركزي إلى مقر تأسيسه في بنغازي.

وأضاف الحليق، في تصريحات لـ "بوابة إفريقيا الإخبارية"، أن بنغازي علاوة على أنها المقر الرئيسي لهاتين المؤسستين، فهي أيضا تنعم بالاستقرار والأمان.وشدد الحليق على أنه "لا حوار مع السراج  قبل القبول بهذا الشرط، وإذا كان السراج صادقا حقا فيما يدعو فليقبل بالشرط".وتابع الحليق: "إذا كان السراج صادقا فيما يدعو اليه لماذا لا يخرج   الغزاة الأتراك الذين يقدمون الدعم للمليشيات".


ووصف الحليق، محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، بـ "العابث بمقدرات الليبيين"، مضيفا, أن الكبير يساوم الليبيين الذين أقفلوا  النفط بالمرتبات، بحسب قوله.وقال: "رغم أن هناك مجنب يقدر بــ 85 مليار  الا ان الكبير   يقصى المنطقة الشرقية والمنطقة الجنوبية ويرفض دفع المرتبات ويوقف الأدوية والاعتمادات".وتساءل الحليق "إلى أين يريد الكبير الوصول؟، هو ينفرد  بالقرار حتى أصبح المصرف المركزي الان يعمل بانفراد،  فلا وجود لمجلس إدارة، ولا شؤون إدارية صحيحة ولا هيكلية قانونية صحيحة بل بقرارات الكبير".

وتصاعدت الخلافات بين فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، والصديق الكبير، رئيس المصرف المركزي بالعاصمة طرابلس،وللمرة الأولى يخرج السراج بهذه الأزمة إلى العلن في كلمة متلفزة، مساء أول من أمس، ليقول إن الأمور وصلت "حد القطيعة" بين المصرف المركزي ووزارة المالية بحكومته، أثناء إعداد الميزانية، مقراً بأن حكومته "وصلت إلى طريق مسدود مع الصديق الكبير الذي رفض طلب الحكومة باعتماد ميزانية طوارئ لمواجهة أزمات البلاد".

ويعتبر الكبير مدعوما من جماعة "الاخوان" التي باتت تسيطر على المؤسسات المالية في طرابلس،وونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن أحد المصرفيين المواليين للسراج بـ"المركزي"، حديثه عن وجود "تكتلات بالمصرف، كل منها له حسابات خاصة، ومن بينهم قيادات تابعة لتنظيم (الإخوان)، تدعم الكبير في مواجهة السراج".ومن بين القيادات الإخوانية التي تغولت في المصرف، القيادي فتحي عقوب الذي يشغل منصب أمين سر مجلس إدارة المصرف، وطارق المقريف الذي يشغل منصب عضو مجلس الإدارة.

وسبق لرمزي آغا، رئيس لجنة السيولة في المصرف المركزي الليبي بالبيضاء، القول إن المصرف المركزي بطرابلس "مختطف" من أذرع "الإخوان" في ليبيا.وكان المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني، اللواء أحمد المسماري، قد اتهم منتصف مارس (آذار) الماضي تنظيم "الإخوان" بالسيطرة على المصرف المركزي في العاصمة طرابلس الذي عين كوادره في مناصب عليا وقيادية بمجلس الإدارة "لتمويل جماعاته وميليشياته".

ويتهم السراج بالسيطرة على المؤسسات المالية الليبية وتوظيف مقدراتها لخدمة الميليشيات.واعتبر الباحث الليبي ورئيس مؤسسة السليفيوم للأبحاث والدراسات، جمال شلوف،في تصريح خاص لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"،ان السجال المتواتر بين السراج، والكبير يفضح العلاقة بينهما بالصرف على الميلشيات والسكوت عن النهب الممنهج للمال العام واحتكار الاعتمادات.

وأضاف شلوف أن السراج "هاجم القنوات التي كان يخرج فيها ويسميها حاملة الطائرات والسلاح النووي، ليصفها بأنها تشق الصف وتمارس أعمال الخيانة وأن الخارجين عليها من المخمورين والمتعاطين للمؤثرات العقلية. في ذات الوقت الذي تجاهلت هذه القنوات كلمته ولم تذعه مباشرة على شاشاتها، وكأننا نشاهد عينا وحيا المثل القديم الذي يتحدث عن أن اللصوص الذين لم يفتضحوا وهم يسرقون فضحوا أنفسهم وهم يعتركون على اقتسام سرقاتهم"، بحسب تعبيره.

وتعد ليبيا إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً،لكن ورغم ذلك فقد بات تردي الأوضاع المعيشية السمة الأبرز في حياة الليبيين.حيث شهد الاقتصاد الليبي،خلال السنوات التي أعقبت إندلاع الأزمة في العام 2011،تعثرات كثيرة تمثلت في ارتفاع سعر صرف الدينار، والتذبذب في الإنتاج النفطي وصادراته اليومية.ومثلت الميليشيات المسلحة ذراع الإخوان لنهب البلاد واستنزاف ثرواته،فيما تزداد الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي سوءا.

ويرى مراقبون أن الخلاف بين السراج والكبير هو جزء من الخلافات التي تعصف بتحالفات الوفاق والمليشيات المدعومة بمرتزقة تركيا في وقت تتزايد فيه خسائرها الميدانية أمام الجيش الليبي الذي أعلن، الخميس، استهداف تجمعات للمليشيات الإرهابية، ملحقا بها خسائر كبيرة جنوبي العاصمة طرابلس. 

وقال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، التابعة للجيش، إن قوات الجيش استهدفت تجمعات للمليشيات وآلياتها في معسكر الرحبة بمنطقة تاجوراء، جنوبي العاصمة، ما أدى لخسائر كبيرة في الآليات والأفراد التابعة لها. وتابع المركز الإعلامي، في بيان، أن الوحدات العسكرية استهدفت أيضًا محمية صرمان عقب تهديد المليشيات الإرهابية لمدن: صرمان، وصبراتة، التي أعلنت رفضها لوجود المليشيات ووقوفها مع القوات المسلحة ودعمها في الحرب على الإرهاب.

وتمكنت القوات التابعة لقوة عمليات إجدابيا عبر منصات الدفاع الجوي في محاور العاصمة طرابلس من إسقاط طائرة تركية مسيرة خلال محاولتها استهداف وحدات الجيش في منطقة عين زارة جنوب العاصمة، وأخرى مسيرة حاولت شن غارة جوية على قاعدة الوطية العسكرية في أقصى الغرب الليبي.

وتستمر خروقات المليشيات المدعومة من تركيا، والمعززة بأسلحة ومرتزقة سوريين وأفارقة للهدنة المعلنة لتوحيد الجهود لمواجهة كورونا وسابقتها المعلنة بجهود دولية منذ 12 يناير/كانون الثاني الماضي.فيما يواصل الجيش الليبي اصراره على مواجهة الغزو التركي واجتثاث أذرعه في العاصمة الليبية طرابلس في اطار مساعيه الحثيثة لاعادة الاستقرار وبناء مؤسسات الدولة.