يمثل المحور التركي-القطري الأكثر حورا في الساحة الليبية،حيث ترتبط الدولتان بقوة بتيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان" التي تسيطر على حكومة الوفاق في العاصمة الليبية طرابلس.وانخرطت الدولتان في الصراع الليبي منذ العام 2011 حيث كان لهما دور كبير في نشر الفوضى في البلاد.

ويثير التقارب الليبي المتواصل مؤخرا وبوادر التوافق المتسارعة مخاوف هذا المحور التي تصاعدت تحركاته في الساحة الليبية في مشهد مريب.حيث تزايدت وتيرة الزيارات التي يقوم بها مسؤولو حكومة الوفاق الى تركيا وقطر وتوقيع اتفاقيات جديدة اعتبر القصد منها اشعال المزيد من الفتن والعداء في الاوساط الليبية وهو ما فسره الانزعاج التركي من التوافق الليبي واتفاق وقف اطلاق النار الاخير.

آخر زيارات المسؤولين في حكومة الوفاق الليبية جاءت مع وصول رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، والوفد المرافق له إلى العاصمة القطرية الدوحة مساء السبت، "لتنسيق المواقف من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين" بحسب ما ذكرته مصادر إعلامية ليبية.

والتقى المشري والوفد المرافق له، وزيرَ الدفاع القطري خالد بن محمد العطية،وبين المكتب الإعلامي لمجلس الدولة أنه جرى خلال الاجتماع استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تعزيزها، ومناقشة آخر مستجدات الوضع في ليبيا والمنطقة.وأثار الامر تساؤلات حول جدوى الزيارة خاصة ان اللقاء جمع المشري بقيادات امنية وعسكرية قطرية.

وما يزيد من توضيح الصورة أن زيارة المشري،قد جاءت بعد أيام قليلة من لقاء وزيري الداخلية فتحي باشاغا والخارجية محمد طاهر سيالة،مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الدوحة في زيارة لم يعلن عنها مسبقا وتم خلالها توقيع اتفاق أمني بين طرابلس والدوحة أثار ردود فعل كبيرة ونددت به قيادة الجيش الوطني في شرق البلاد واعتبره مراقبون دليلا على مواصلة قطر التدخل في الشأن الليبي.

وفي الجهة المقابلة، تتواصل زيارات رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،فائز السراج، الى تركيا والتي تزامنت مع اعلانه عن التراجع عن الاستقالة،وهو الامر الذي ربطت تقارير اعلامية بينه وبين اجتماع سرّي عقده مع رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان خلال زيارته الغير معلنة والتي طرحت تساؤلات كبيرة وانتقادات للسراج بقيادة البلاد من اسطنبول.

وتعتبر تحركات المحور التركي القطري في الساحة الليبية،بحسب المتابعين للشان الليبي محاولة جديدة لاجهاض الحوار السياسي الليبي وتحجيم تأثيره ومفعوله في تغيير المعادلة على الأرض.حيث تعتبر ترتبط الدولتان بقوة بتيار الاسلام السياسي وعلى رأسه جماعة "الاخوان"،وتسعى لفرضه على المشهد السياسي الليبي منذ سنوات خدمة لأجنداتها.

فدولة قطر كانت من أولى الدول الحاضرة في المشهد الليبي،وبدأته خاصة عندما لعبت دوراً كبيراً في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي مهَّد لقرار من مجلس الأمن بفرض حظر جوي على ليبيا.ثم شاركت القوات القطرية في العمليات العسكرية التي قادها حلف شمال الأطلسي في ليبيا وكانت مظلة للجماعات الارهابية التي ادخلت ليبيا في الفوضي. 

الدور القطري كان من خلال دعم الجماعات الإسلامية بالمال والسلاح. وقالت تقارير إعلامية إن  حجم التمويل الذي وصل من الدوحة إلى  الجماعات منذ 2011 بلغ حوالي 750 مليون يورو.كما دعمت شخصيات عرف أغلبها بانتمائها للتيار الإسلامي كعلي الصلابي القيادي في جماعة الإخوان المسلمين وعبدالباسط غويلة وعبدالحكيم بالحاج كما وضعت يدها على دار الافتاء التي يترأسها المفتي المعزول الصادق الغرياني الذي عرف بفتاويه التحريضية ضد الجيش الوطني.

بدورها انخرطت تركيا في الصراع الليبي دعما للمتطرفين الموالين لها،وتكرر طيلة السنوات الماضية ضبط سفن السلاح القادمة الى المسلحين في ليبيا من تركيا بالرغم من الحظر الدولي على ليبيا.ودفعت تركيا بآلاف المرتزقة والارهابيين الى الأراضي الليبية لنشر المزيد من العنف والدمار فيما سرعت من توقيع الاتفاقيات مع حكومة الوفاق لمد نفوذها ونهب ثروات ليبيا.

وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، أن تركيا ليست من بين الدول التي يمكن لبلاده التعاون معها بخصوص عملية التسوية التي تجري في ليبيا.وقال شكري في مقابلة مع وكالة "تاس" الروسية، إن "بعض القوى شجعت على التطرف والعصابات المتطرفة، وتنقل المقاتلين الأجانب والإرهابيين إلى ليبيا من سوريا"، مضيفا أنه "يجب على المجتمع الدولي أن يقوِّم كل هذه العوامل".

في غضون ذلك،انطلقت فعاليات المحادثات الليبية العسكرية "5+5" في مدينة غدامس الليبية مساء الإثنين. وأعلنت البعثة الأممية في ليبيا، أن الاجتماعات ستناقش آليات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.وأضافت البعثة إن اللجنة ستناقش على مدى الثلاثة أيام المقبلة آليات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الدائم، بما في ذلك إنشاء اللجان الفرعية، فضلاً عن آليات المراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار.

وتأتي هذه الجولة من المحادثات بعد توقيع اللجنة العسكرية الليبية 5+5+، في 23 أكتوبر/ تشرين الأول بجنيف، على اتفاق وقف إطلاق النار والذي ينص على إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة وحل الميليشيات وتعليق العمل بالاتفاقيات المبرمة بين الرئيس التركي أردوغان مع حكومة السراج في طرابلس.كما نص على تشكيل قوة عسكرية محدودة العدد من العسكريين النظاميين تحت غرفة يتم تشكيلها من قبل اللجنة تعمل كقوة تساهم في الحد من الخروقات المتوقع حدوثها، على أن توفر الموارد اللازمة لتشغيلها من كل الأطراف والجهات.

وأثار الاتفاق الليبي على وقف اطلاق النار الدائم انزعاج تركيا التي عبر رئيسها عن شكوكه حول الاتفاق وهو ما اعتبره مراقبون تأكيدا على نوايا أردوغان المشبوهة ومخاوفه من فقدان النفوذ في ليبيا.ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن المحلل السياسي محمد العلاني قوله أنّ "أنقرة والدوحة لم تبديا انسجاما مع المواقف الدولية الداعية إلى إرساء حلّ سلمي سياسي في ليبيا وفق مرجعيات مسارات الحوار التي رعتها الأمم المتحدة، ما يعني أنّ هناك تململا لديهما من افتكاك المبادرة وتغيير الشرعيات والمعادلات برمتها بما يربك مخططاتهما في البلد".

وأضاف العلاني   أنّه "كلّما أحرز الليبيون تقدما وتقاربا سياسيا من خلال جلسات الحوار فقدت أنقرة والدوحة نقاطا جديدة في تنفيذ مشروعيهما المشترك في المنطقة، ما يعني أنّ التحركات الدبلوماسية لحكومة الوفاق في اتجاه الحليفين الاستراتيجيين تعكس مخاوف جدية من مخرجات الحوار ومن فقدان أوراق استعملتها حكومة السراج لسنوات لخدمة المشروع التركي القطري في ليبيا"، وفق قوله.

من جانبه كشف رئيس المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان قبائل التبو المستشار علي بركة،في تصريحات لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية، عن تحركات مريبة تجرى في إسطنبول والدوحة لإفشال اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" في جنيف، مؤكدًا أن هدف هذه التحركات الضغط على منتدى الحوار السياسي الليبي في تونس والذي به عدد كبير من التابعين لهذا الاتجاه، وحذر من عودة ليبيا لمربع الفوضى والإرهاب.

وإعتبر بركة أن التدخلات الخارجية في الشأن الليبي مخالفة للقانون الدولي باعتبارها ترتيبات لدول من أجل مصالح ذاتية ليس لها علاقة بالمجتمع الدولي وأهدافه بنشر السلم والأمن الدوليين أو بحماية مدنيين، ما أدى إلى نشر الفوضى في ليبيا ونشر الإرهاب والعصابات الإجرامية الدولية وتدخلات عسكرية إقليمية وإدارة حروب بالوكالة.

وتثير التدخلات التركية-القطرية موجة تنديد ورفض في الأوساط الليبية نظرا لما تمثله من خطر كبير يتهدد البلاد ويساهم في اطالة أمد الأزمة والفوضى.ويرى مراقبون أن محاولات المحور التركي-القطري لاجهاض التوافق الليبي يجب ان تواجه بقوة من المجتمع الدولي،حيث تمثل الحوارات والاتفاقات الأخيرة فرصة كبيرة لانهاء الأزمة الليبية المستعصية التي شكلت ولازالت تشكل خطرا اقليميا ودوليا.