تسعى تركيا جاهدة، عبر مسارات مختلفة، للاستفادة من أجواء الحرب الليبية، للخروج بحزمة مكاسب تمكنها من رسم خريطة البلد الغني بالنفط، على نحو يخدم مصالحها.
وهي إذ تعلل بحماية جغرافيتها وإرثها القديم، تتزايد المخاوف من أن تشرع الانتهازية التركية الباب أمام حرب إقليمية ربما تطول، سيكون الخاسر فيها الشعب الليبي بكل أطيافه ومناطقه.
اعترف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمرة الأولى الجمعة بوجود مقاتلين سوريين موالين لأنقرة في ليبيا إلى جانب عناصر التدريب الأتراك.
وقال أردوغان للصحافيين في إسطنبول "تركيا متواجدة هناك عبر قوة تجري عمليات تدريب. هناك كذلك أشخاص من "الجيش الوطني السوري" في إشارة إلى مقاتلي الفصائل المسلحة الذين كان يطلق عليهم سابقا اسم "الجيش السوري الحر".
وفي أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر مقاتلين يتحدثون باللهجة السورية في ليبيا.
وتدعم أنقرة حكومة الوفاق الوطني، ومقرها طرابلس، في مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر، الذي شنّ هجومًا منذ إبريل 2019.
وأرسلت تركيا عشرات المقاتلين إلى ليبيا، بعد أن وقعت مع حكومة الوفاق اتفاقيات في العام الماضي.
هذا التوجّه التركي خلقا جدلا داخليا ،حيث انتقد نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي، قاآن صاليجي، سياسة التكتم التي يتبعها رئيس بلاده رجب طيب أردوغان بإخفاءه معلومات عن الشعب التركي حول مقتل جنود من جيشه في طرابلس.
وطالب صاليجي، في تصريحات صحفية طالعتها أردوغان بضرورة إعطاء معلومات وافية عن قتلى الجيش التركي في ليبيا، كما طالبه بضرورة سحب قواته من ليبيا تفاديا لإراقة دماء الأتراك هناك.
وأكدت تقارير صحفية، مقتل 2 من العسكريين الأتراك في ميناء طرابلس أثناء قصف قوات الشعب المسلح لسفينة شحن تنقل أسلحة تركية لمليشيات حكومة الوفاق غير الشرعية.
وذكرت المصادر نقلا عن صحف تركية أن الضابطين التركيين هما الرائد سنان كافرلر من مواليد سنة 1993، والعقيد أوكان ألتيناي من مواليد أزمير سنة 1971، وأنهما دُفنا خلال الأيام الماضية في جنازة مصغرة بمسقط رأسهما في ولاية أزمير غرب تركيا.
وحسب المصادر، فإن الضابطين كانا من بين مجموعة ضباط أتراك آخرين استقبلوا شحنات أسلحة تركية قادمة على متن سفينتين تركيتين وتم تخزينها في ميناء طرابلس في 18 فبراير الجاري، استعدادا لنقلها إلى مطار معيتيقة الذي تحول إلى قاعدة عسكرية تركية.
ومن جهته، أقر أردوغان بمقتل جنود أتراك في ليبيا، كانوا يُقاتلون قوات الشعب المسلح، بعد أسابيع من الجدل والصمت التركي حول حقيقة سقوط جنود موالين لأردوغان في ساحات القتال بليبيا ما أوردته المصادر في وقت سابق حول هوية القتلى.
وأشار تقرير نشرته صحيفة "عربي نيوز" إلى أن التدخل التركي العسكري العلني في ليبيا يُعتبر قفزة حقيقية بالنسبة لأعمال تركيا العسكرية في الخارج، خاصة أنها كانت تتركز على مجموعة صغيرة نسبيا من المصالح.
وقالت الصحيفة إن الشعب التركي يُعارض بأغلبية ساحقة نشر القوات التركية في ليبيا، وفق استطلاع للرأي أجراه معهد أبحاث في إسطنبول أظهرت نتائجه معارضة 58٪ من المستطلعين هذا التدخل.
ويراهن إخوان ليبيا على التدخل التركي لدعمهم في صراعهم من أجل الانفراد بالسيطرة على طرابلس وعلى مؤسسات الدولة وخاصة المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط المدارين من قبل شخصيات تعتبر قريبة من الجماعة إلى جانب انحدارها من مدينة مصراتة، المركز الأساس لقوى الإسلام السياسي في البلاد، والمعروفة بقربها من تركيا.
في نفس الإطار،قال مسؤولون عسكريون ليبيون، ومحللون سياسيون مختصين بالشأن الليبي، إن استنجاد رئيس المجلس الرئاسي الليبي، فائز السراج، بتدخل عسكري أمريكي في ليبيا، هو بمثابة الإعلان عن فشل الدور التركي في ليبيا.
وطلب فتحي باشاغا وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية من الولايات المتحدة إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا في وقت يسعى في الليبيون وفي مقدمتهم الجيش الوطني الليبي إلى منع أي تدخل خارجي في بلادهم وعلى رأسها التدخل التركي.
وأفادت وكالة بلومبرغ الأميركية عن باشاغا قوله إن ليبيا لا تمانع إقامة قاعدة عسكرية أميركية حال طلبت الولايات المتحدة ذلك.
وذلك بالتزامن مع ما كشف عنه مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي، العميد خالد المحجوب، عن سقوط 16 قتيلا من مستشارين ورجال استخبارات بالجيش التركي في ليبيا، على أيدى القوات المسلحة الليبية.
من ذلك،اعتبر توماس بييريه الباحث الفرنسي بالمركز القومي للبحوث العلمية، أن هناك عدة مآرب حقيقية من تحرك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نحو غزو ليبيا.
وأشار بيريه لإذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية، إلى أن أردوغان يطمع بالسيطرة على ثروات المتوسط، ولديه مشروع للامتداد الجيوسياسي لتركيا في شمال أفريقيا، بالإضافة إلى تمويل الجماعات الإرهابية في المنطقة.
ووفقاً للباحث الفرنسي، فإن "هدف هذا العدوان التركي يتمثل في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة، ولولا ذلك ما كانت أنقرة ستبرم أبداً اتفاقية تعاون عسكري مع حكومة طرابلس".