إذا كان هناك اتفاق على أنه لا توجد معرفة أو هناك جهل بما يتعلق بالقضايا الجنسية، ستكون الأسئلة الأكثر تمحوراً عن سبب الجهل، فهل الجهل هو النتيجة لحالة من التعتيم والمنع أو الكبت؟ أم هو حالة موجودة بالأساس في المجتمع؟ والسؤال الرئيسي في بحث كهذا سيكون: الجهل بالمعرفة الجنسية هل هو نتيجة أم أصل؟

لنسأل هل هو جهل ناتج عن الجهل فعلاً أم عن سبب يرتبط بالموروث الديني أو بالتقاليد، فعندما أقول جهل وفقاً لجملة من عمليات الاستقصاء نقصد فيها جهل الإنسان بالموضوع، أما هنا فهي تحمل معنى آخر أي الجهل الذي ينجم وينتج من عدة عوامل، وهل هو جهل بالمشكلة بالذات وهو غير مقصود، أو هو جهل مقصود. نحن نتحدث عن عملية فيها جهل بمعنى الجهل وعدم معرفة كيفية طرحه، في المجتمع البعض لا يطرح موضوع الجنس لسبب اجتماعي أو تقليدي، أي تحميل الجهل معنى خاصاً، بمعنى ما يمكن القول إنه عبارة عن موقف ناشئ من عوامل مختلفة، ولطرح موضوع كهذا على المستوى التربوي يقتضي منا بيان ضرورته ''التربية الجنسية''، أي هناك ضرورة للمعرفة والتربية الجنسية بالمعنى العلمي للكلمة ولا إشكالية في هذا الطرح على الإطلاق. عدم الإشكالية بالطرح يقتضي تقبلاً في البداية. فهل يتقبل المجتمع المغربي طرحاً من هذا النوع؟

قد لا يقبل مجتمعنا ما هو موجود في المجتمعات الأخرى من الحرية الجنسية لكن على الأقل يجب تعليم هذه المادة لنوضح للمراهق وضعه بالمعنى العلمي للكلمة، بكل ما يقتضي ذلك من معرفة هذا الجهاز ''التناسلي'' بيولوجياً وتشريحاً، عندها يضع قدمه في بداية علمية يترتب عليها قضايا كثيرة، وكذلك على عدم معرفتها كممارسة شبابنا وبناتنا العادة السرية، والشبان أكثر من البنات أعتقد أن البنات بنسبة أقل، وهذا الأمر يقل عندما يعرف جهازه بيولوجياً وتشريحياً ووظيفة هذا الجهاز ومعرفة النتائج المترتبة على قضايا كثيرة بالنسبة لحياته كله، عندها سيفكر ويضع احتمالات للنتائج المترتبة على تصرفاته قبل أن يقوم بأي تصرف مسيء له ولحياته الجنسية، هذه البداية بالتفكير هي هدفنا، بالنتيجة القضايا المترتبة على المعرفة أنه أولاً سيفهم أي مشكلة من المشكلات التي سيقدم عليها قبل الاتصال بالجنس الآخر، وعندما يفهم جهازه الجنسي بيولوجياً وما يترتب على سلوكه غير السليم فيما يخص هذه العملية الجنسية بالذات، سواء بما يخصه شخصياً كالعادة السرية، والتي هي ليست العملية الجنسية التي يمكن أن يقوم بها.

الفرق بين التدريس للربط بينه وبين عملية الاستخدام وما يترتب على ذلك من نتائج وبين الدراسة بشكل عام، والتي لا تحقق ما نريده وتكون متأخرة وعندها لا تنفع بهذا التوقيت دراسته لأنه متقادم عما يمكن أن يكون حدث، أو تعرض له المراهق في غياب الوعي والمعرفة، والتربية الجنسية، كل العالم الإسلامي لا يدرسها، نريد التدريس لغاية معينة وليس التدريس بشكل عام كما يحصل، نحن ندرسها لبيان النتائج وبيان كل النواتج من حولها وكشفها، فنحن لا ندرس لغاية العلم وإنما لغاية تخفيف سوء الاستخدام، والأفضل بدء التدريس في مرحلة بداية المراهقة، أي إدخال هذه المناهج في أواخر ما ندعوه بفترة ''الكمون'' التي تبدأ بصورة عامة في السنة السادسة وتنتهي بانتهاء الفترة التي يبدأ فيها البلوغ مثل '' 12و13 '' سنة، أي من الممكن إدخالها كتمهيد لها في سنة قبل البلوغ.

وبالنظر لكون المجتمع بشكل عام محافظ من هذه الناحية، وقد يفضل البعض ألا يكون التعليم مختلطاً، فمشكلة التعليم المختلط وغير المختلط هي مشكلة أخرى، أنا معها أنه يفضل أن تدرس التربية الجنسية منفصلة بين البنات والبنين، وفي جو محافظ كمجتمعنا سيكون الكلام أوضح وأصرح من حيث الإجابة عما يجول في تفكير المراهقين من خلال الفصل بين الجنسين وهو الأفضل من حيث التوعية. والسؤال الذي يُطرح : من يتحمل النتائج؟

التقينا بعدد من الأسر الذين بينوا أن بعض المدارس يقوم المدرس أو المدرسة بتوعية التلاميذ حول علامات البلوغ، الأمر الذي عده ''سعيد'' أمراً جيداً بالنظر لكون الأسرة لدينا تقليدية وبداية طرح البلوغ في المدرسة يشجع الأم على طرح ما يرتبط بذلك من معلومات توعي الأطفال أو المراهقين جنسياً على أولادها، فالأمهات حتى المثقفات يخجلن نتيجة التربية التقليدية من طرح الموضوع على بناتهن، واليوم الفتيات أجرأ بطرح الموضوع على الأم، وإذا سبقت المدرسة بالطرح يكون هذا تشجيع للأهل ليطرحوا الموضوع على أولادهم بشكل واضح جداً، والمفروض أن تكون المدرسة هي أول من يطرح، وبمجرد طرحه في المدرسة سيطرح الموضوع في البيت، غير أن هناك فروقاً في طبيعة طرح البلوغ في المدارس الذي لا يقوم وفق مناهج محددة تربوياً وإنما فقط من باب التنبيه لقضايا النجاسة والطهارة، أي أن التوعية تكون مبسترة، وهذا يطرح سؤالاً آخر بما أن بعض المؤسسات التعليمية (وليس كلها) هي من تنبه الأطفال، وليس الأهل.

والشيء الأساسي، أن ما نريده من ناحية عملية هو أن تبدأ الأم أو المدرسة بطرح التربية أو التوعية الجنسية، أما الناتج عن عدم المعرفة أو ما اصطلحنا على تسميته بالجهل: هو معمعة هائلة الكل يعلم بها، أهمها الشذوذ واللواطة لأن هذا يسبب سلوكات ثانية مترتبة عليها وهي ناجمة منها وهو أمر مهم. ضمن الإطار البحثي يفترض أن تكون بعض الكليات مختبراً بحثياً لرصد المجتمع المغربي وقضاياه ومنها كلية التربية أو أقسام علم الاجتماع وغيرها، الأمر الذي قد لا يكون سهلاً بالنظر لخصوصية الطرح في ظل ثقافة المحظورات القائمة مجتمعياً.

وبالتطرق للمنظور الديني بشكل عام للجنس في المجتمعات الشرقية، فالجنس هو سر في الإسلام وهو مقدس، وكل ما هو مقدس يعني أن المرجع الديني هو الذي يتصرف به، وكذلك أولياء الأمور بشكل خاص، في هذه الحال لا إقدام على المصارحة على التربية الجنسية لأنه مقدس، فهو مقدس من جهة ومدنس من جهة أخرى، مقدس لأنه غير قابل للمس، ومدنس لأنه مرتبط بالإقدام على المرأة، التي بدورها تمثل في الموروث الديني الشيطان، لكن الإسلام لم يقل ذلك على الإطلاق، وإنما التقاليد والحاجة والضرورة للإمساك بالمجتمع سياسياً ودينياً يقتضي الأمر هذا، ثم المعتقدات القديمة التي سادت بأن المرأة هي من أغوت آدم، وفسرت أن القرب من المرأة ضرورة على الرغم من كونها شيطاناً.

وبالنظر لكون المفهوم الإسلامي ينطلق من ضبط الأمور في مناحي الحياة النسبية من أجل الحفاظ على الأنساب والإرث والوصاية وأولي الأمر، كانت نقطة الفردانية كإحدى نتائج الحداثة في الغرب، هي نقطة مفصلية بالنسبة للتنظيم المجتمعي، بمعنى ما كان الجنس هو بوابة للحداثة للانتقال من مسؤولية المجتمع للمسؤولية الفردية، هذا الطرح يعتبر قفزة، لأن المفهوم مختلف قد يكون هناك تقاطع معه، لكن المهم هو دخوله في مناهج وزارة التربية كخطوة أولى، ومن الممكن أن ينفر الناس من هذا الطرح أن يخرج شخص ما ويقول هذا حرام ما يعني منعه. وبالمقارنة، ما بين الحداثة في الغرب وقشورها في الشرق، في الغرب نجم التطور الفكري عن التطور الاقتصادي وظهور الاقتصاد الحر، محلياً الفقر عامل لتكريس هيمنة المرجعيات وبالتالي الجهل، وفي حالات الرخاء كما في بعض البلدان العربية ما حدث هو الحصول على المنتج (الحداثة) لكن بنية العقل العربي لم تتغير، وبدايات الطرح في هذا الموضوع تعود للسبعينيات مع كتاب الثابت والمتحول الذي قدمه الشاعر السوري ''أدونيس'' والذي أرخ لمرحلة سائدة في ما سلف وما يستمر حتى الآن بوجهه الحالي.

فبنية المجتمع لم تتغير وما جرى لدينا هو نقل وليس خلق، بسبب الفكر التقليدي السائد، ويرد عدم تغير بنية تفكير وعقل المجتمع لإرث يخترقنا حتى الأعماق وهو إرث ظلامي مستمر، رغم أن الفترات التاريخية شهدت بعض التجديد لكنه قتل نهائياً، وظهر التجديد بوقت مبكر جداً بظهور المذهب العقلاني لدى المعتزلة، لكنهم انطفؤوا، وهذا مرده لمن يمسك الدين وليس للدين، ولنوع من الاتحاد الوثيق بين السلطة السياسية والدينية، فما لدينا مظاهر حضارة وليس حضارة، والتشديد في هذا المنحى كان فكرياً دائماً، وعلى سبيل المثال الأنوار التي ظهرت في عهد المأمون اقتصرت على الخاصة من الناس، بينما استولى على العوام المشايخ ومن بينهم الإمام ''الغزالي'' واستمر الوضع على حاله حتى الآن.

فالحركة الفكرية التي لم تكن بمعنى ما للعوام وإنما للنخبة الخاصة في المجتمع في العالم كله، تقتضي توضيحاً بما يخص النقلة التي حدثت لاحقاً بعد انتقال التنوير إلى مناطق بدأت مرحلة حضارية جديدة، في هذا الإطار يمكن القول إن كل الحركات والأنموذج واحد ومتشابه لدينا ولدى الغرب، التجديد بدأ بعد انهيار القسطنطينية والأندلس، والمعطى المعرفي الذي انتقل لأوروبا تغير بتبنيها له فأخذ صبغة أوروبية، هنا يوجد ظلم لنا لأن بنية مجتمعنا أبوي وزراعي وتنظيم السلطة سيكون على هذا الشكل، في حين أنهم حققوا نقلة بتحولهم إلى المجتمع الصناعي ثم المعلوماتي وما بعد الحداثة، نحن في المرحلة السابقة لا نزال في مرحلة ''النووي'' و''الغزالي'' يجب أن تدرس بوقتها وظرفها.

وبالرجوع لفترات سابقة يمكن القول إن المرحلة الأبوية سبقها عصر أمومي ولم يكن الجنس فيه مقدس أو مدنس، هذه التقسيمات والتفضيلات كيف وجدت؟

يمكن تلخيص الموضوع بأنه من البداية إلى النهاية هي قضية رجولة أو ذكورة، من البداية للنهاية الموضوع رجولي، أي هي سيطرة الذكر، لأن الإنسان يمتاز بتحقيق شيء، سابقاً في عهود ماضية كانت تستعبد المرأة، ومنه أن المرأة في اليهودية وضعها أسوأ من الإسلام، الإسلام خفف من النتائج وهو أكثر تطوراً من اليهودية بما يخص المنظور للمرأة، فالمرأة باليهودية عبدة وإن كانت الأصل في عملية الانتساب اليهودي، وبالمنحى المسيحي ما قاله المسيح شيء وما طبقه المسيحيون في الإمبراطورية الرومانية شيء آخر، في القرون الوسطى كانوا يحكمون على الفتاة العازبة الجميلة التي ترفض الزواج بأنها شيطانة ويقتلونها شنقاً، عربياً البنية لدينا أبوية لا تقبل سوى أن الذكر هو الأساس والمرأة ملحق والسؤال: لماذا؟

التفضيل بدأ من الميثولوجيا السومرية من الآلهة الأنثى ''إنانا'' و''أنكيدو'' الذي ضربها بالسيف، ''أنكيدو'' هو ذكر وبضربه ''إنانا'' يشطرها نصفين ويخلق منها السماء والأرض. أما في الإسلام فقد خلقت المرأة من ضلع الرجل، فالعملية كلها ناشئة من طبيعة الإنسان الذي يسعى من طفولته لحصول على الاعتراف به من قبل الآخر بما يقتضيه ذلك من حسن تقديم لنفسه، إذن هي ليست صراعاً فقط كما يقول ''هيغل'' والذي بالغ في تفسير سيطرة الذكر على الأنثى، إنما هي عملية إنسانية فيها الصراع وفيها كل الأشكال الأخرى التي تقتضي حسن التقديم من أجل الحصول على الاعتراف من قبل الآخر.

كاتب صحفي من المغرب.