أكد المحلل السياسي التونسي باسل الترجمان أن الدستور القائم في تونس يتسم بالفشل مبينا في مقابلة مع بوابة إفريقيا الإخبارية أن المرحلة القادمة ستفرض تغيير هذا الدستور الهجين الذي وجد لتبرير الفشل وخلق الأزمات.

إلى نص الحوار:

برأيك ما أبعاد الخلاف المحتدم بين الرئيس التونسي ورئيس الحكومة؟

الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة انطلق أساسا من رفض رئيس الجمهورية لتوجهات رئيس الحكومة بتغيير وإدخال خمسة وزراء جدد مدعومين من الحزام السياسي للحكومة (حركة النهضة، قلب تونس، ائتلاف الكرامة) وعليهم شبهات فساد وتضارب مصالح هذا هو أساس الخلاف حيث أن رئيس الجمهورية يقول إنه لن يقبل بوزراء عليهم شبهات فساد وتضارب مصالح في نفس الوقت الذي كان فيه البرلمان قد طالب بإقالة رئيس الحكومة الأسبق إلياس الفخفاخ بتهمة تضارب المصالح وبذلك فإن رئيس الجمهورية الذي طالب رئيس الحكومة الأسبق بالاستقالة لن يقبل بتعيين وزراء تحوم حولهم شبهات.

الرئيس التونسي رفض عدة مرات قوانين وقررات اتخذها البرلمان.. فكيف يمكن لذلك أن يؤثر على عمل المؤسسات في البلاد؟

رئيس الجمهورية رفض ختم مشروع قانون واحد أقره مجلس النواب يخص المحكمة الدستورية التي أقرها دستور تونس 2014 فالدستور قال صراحة إنه على مجلس النواب أن يقيل ويعين أعضاء المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة من تاريخ إقرار هذا الدستور أي أنه كان يجب أن تقر قبل نهاية 2015 وبالتالي فإن مجلس النواب هو من خرق الدستور ولا يمكن التمادي بهذا الأمر لذلك أعاد نص القانون وهناك أزمة حقيقية في تفسير هذا النص وتكمن الصعوبة اليوم في كيف سيتم حل هذا المشكل الدستوري في ظل غياب المحكمة الدستورية. 

الانسداد السياسي في المشهد التونسي هو ما يؤخر تشكيل المحكمة الدستورية فكيف تنظر إلى آفاق تجاوز هذا الأمر؟

تشكيل المحكمة الدستورية لا يمكن أن يتم جراء الخرق الخطير في الدستور الذي قام به مجلس النواب منذ 2015 حيث عطل تنصيب المحكمة الدستورية وانتخاب أعضائها وبالتالي يوجد اليوم تحدي دستوري قانوني لتجاوز هذا الإشكال في النص الدستوري الأمر الذي يستدعي تحويرا في الدستور وهو ما يتطلب استفتاء وجملة من الإجراءات القانونية وهذا الإشكال ناتج عن المناكفات السياسية بمجلس النواب السابق 20144-2019وليس رئيس الجمهورية الذي لم يكن له وجود أو مؤيدين في مجلس النواب السابق. 

رئيس الجمهورية دعا إلى حوار وطني يهدف إلى إصلاح المؤسسات العمومية.. إلى أي مدى يمكن لهذا الحوار أن يسهم في رأب الصدع؟

الحوار الوطني يجب أن لا يكون تكرارا للحوار الذي جرى في 2016 وتسبب في كل الكوارث التي تعيشها تونس فالحوار الوطني ليس هدفا وإنما وسيلة لإخراج البلاد من الأزمات التي تهددها وأكبر تهديد تواجهه تونس حاليا هو انتشار حالة الفساد والفوضى الحكومية التي تسبب بها سوء إدارة الحكومة في تونس خلال السنوات الماضية وللإسف فإن الدستور ميع السلطات وبالتالي يجب أن يعمل الحوار الوطني على إيجاد مخرج للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن دستور فاشل قاد تونس إلى هذه المهالك.

في ظل غياب الحوار بين الأطراف المتصارعة إلى أي مدى يمكن للقانون أن يحسم الصراع في ظل عدم وجود محكمة دستورية؟

رئيس الجمهورية بحكم أنه استاذ قانون دستوري فهو الوحيد المخول والمؤهل لإيجاد تفسير متطابق مع روح ونص الدستور ومع ما ارتكب من مخالفات لهذا الدستور من قبل الأطراف السياسية وبالتالي فإن قضية المحكمة الدستورية قضية لن يتم إحراز تقدم فيها بسبب المخالفات السياسية والقانونية التي ارتكبتها عن عمد حركة النهضة وحركة نداء تونس عندما كان شريكا في الحكم بعد انتخابات 2014.

الخلافات في تونس بدأت تظهر منذ إقرار الدستور الذي نص على نظام سياسي هجين بين البرلماني والرئاسي... هل ترى في الأفق حلا لهذه الخلافات؟

الجميع يتفق أن هذا الدستور أفشل ما يمكن أن ينتجه نظام سياسي في العالم وأعتقد أن المرحلة القادمة ستفرض تغيير هذا الدستور الهجين الذي لا يمثل شئ فقد وجد لتبرير الفشل وخلق الأزمات وأعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد تمكين الشعب من الاختيار بين دستور يتبنى الديمقراطية البرلمانية أو دستور يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات لإدارة الشأن العام ضمن ضمانات دستورية لا يمكن المساس بها حتى لا يتم تكرار تجارب الدكتاتوريات السابقة 

كيف تؤثر هذه الأوضاع على حياة المواطن اليومية؟

قضية الأوضاع السياسية وتأثيرها هي قضية فشل إدارة الحكم والأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعيشها تونس فالحكومة لم تستطع أن تحقق أي شئ وهناك أزمة اقتصادية خانقة وعجز حتى عن التفاوض مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قروض لدفع الأجور فالقروض في تونس لا تهدف لإقامة مشاريع وجلب الاستثمارات وتحقيق فرص التشغيل وإنما لدفع الأجور وبطبيعة الحال فإن هذا الفشل ينعكس بشكل كبير على الأوضاع الحياتية للمواطن من غلاء في الأسعار وبطالة وبالتأكيد فإن تراكم الفشل يؤثر بشكل مباشر على حياة المواطن. 

ما التنازلات المطلوبة للخروج بتونس من هذا النفق؟

القضية ليست مطالبة بتنازلات بل إن هناك حاجة لتصويب هذا المسار الذي قاد تونس لعشر سنوات من الفشل فتونس بلد على حافة الإفلاس والشهر القادم قد يتم تصنيفه من مؤسسات التصريف المالي في المستوى C سلبي أي أنها دولة عاجزة فاشلة لا يمكنها حتى شراء منتجاتها الغذائية لأن رسائل الضمان البنكي لديها لم تعد معتمدة وهذه الأزمات تحدث في ظل عدم اهتمام أعضاء مجلس النواب والسياسيين بإنقاذ ما يمكن إنقاذه فهناك إصرار على الفشل 

إلى أي مدى يمكن القول أن الديمقراطية في تونس أصبحت مهددة؟

تهديد الديمقراطية ينتج عن إفقاد المواطنين إيمانهم بهذه التجربة فالجوع والفقر والبطالة والفساد أعداء التجربة الديمقراطية ويشكلون تهديدا لها لأن هذه التجربة كان الأمل منها أن تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس وليس أن تجعل من مجموعة فاسدين ولصوص مسيرين للأوضاع الاقتصادية في تونس فيوجد في البلاد اقتصاد موازي للاقتصاد الرسمي يحرك الدولة لحساب شخصيات مشبوهة وشخصيات لا علاقة لها بالوطنية أو الانتماء لتونس إنها عصابات تهريب وإتجار بالمخدرات تقوم باستغلال الأوضاع في تونس لتحقيق مكاسب على حساب الشعب.