في بداية اندلاع الأزمة الليبية في عام 2011، تمكنت الميليشيات المسلحة من تأسيس دور قوي لها، وظهرت المجموعات المسلحة في كل ركن في البلاد، مستغلة انهيار مؤسسات الدولة وغياب سلطة القانون، إضافة إلى انتشار السلاح لتكوّن لنفسها مناطق نفوذ تحت سلطة الرصاص، وهو ما أدخل البلاد في دوامة من العنف والفوضى. 

وانتشرت في ليبيا الكثير من بؤر التطرف، لعل أبرزها في مصراتة التي باتت مكانا خصبا للجماعات المسلحة، التي يعتبر شعارها الرئيسي "لا صوت يعلو فوق صوت السلاح". وهذه المدينة التجارية ظلت إلى حد كبير بمنأى عن الانفلات الأمني في ليبيا، ما ساهم إلى جانب مينائها الاستراتيجي، بمنحها وضعا اقتصاديا ميزها عن باقي مدن البلاد. ويرى مراقبون ومحللون أن هذا الوضع المميز لمصراتة، شجع جماعات إسلامية تقودها جماعة الإخوان المسلمين منذ البداية، على تعزيز نفوذها في هذه المدينة المتمردة عبر التاريخ. 

وتنقسم التشكيلات المسلحة في مصراتة الواقعة في منتصف الطرق بين مدينتي طرابلس وسرت، بين مؤيدين ومعارضين لحكومة الوفاق الوطني. وتلك المعارضة منها متحالفة مع فصائل إسلامية موالية للمفتي صادق الغرياني ولخليفة الغويل. وتتواجد هذه الفصائل كذلك في العاصمة وفي جنوب ليبيا. 

فجر ليبيا

تعتبر ميليشيات "فجر ليبيا" مع بعض الاستثناءات، هى العمود الفقرى لميليشيات مصراتة، وقد تأسست في يوليو 2014 خلال عملية عسكرية ضد مقاتلى قبيلة الزنتان، وسيطرت ميليشيات فجر ليبيا على العاصمة الليبية في أغسطس 2014، وانضمت إليها العديد من الميليشيات الأخرى مثل ميليشيات طرابلس، وتشكيلات من مقاتلين قبليين مثل الأمازيغ، وميليشيات مدعومة من تنظيمات الإخوان. 

وأتاحت هذه القوة لميليشيات فجر ليبيا فرصة السيطرة على عدد من المدن فى الغرب وحتى الحدود التونسية، بما فى ذلك مناطق القبائل الأمازيغية. كما سيطرت قوات فجر ليبيا والميليشيات المتحالفة معها على نفوذ فى بعض مناطق الجنوب فى ولاية فزان. 

لكن التحالف الهش الذي جمع هذه الميليشيات بدأ في التفكك إثر إعلان مصراتة انسحابها من عملية "فجر ليبيا" وقبولها بالحوار السياسي في فبراير من عام 2015. وبعد وصول حكومة الوفاق الوطني في العام 2016، والتي تدعمها الأمم المتحدة، اصطفت بعض الميليشيات بالولاء لحكومة الوفاق الوطني، وبقي البعض موالين للمؤتمر المنحل، وكذلك الأفراد والجماعات المتطرفة. 

البنيان المرصوص

تعتبر "البنيان المرصوص" من أقوى الفصائل المسلحة، التي تدعم حكومة فايز السراج، ومعظمها ينحدر من مدينة مصراتة وضواحيها. وجاء تأسيس "البنيان المرصوص"، عقب دعوة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج، في أبريل 2016، جميع القيادات العسكرية بالبلاد، إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة، لمباشرة ما سمّاها "عملية تحرير سرت"، من قبضة تنظيم "داعش" الأرهابي، الذي سيطر عليها كليًا، في يناير 2015. 

ورغم ذلك يصنف العديد من المراقبين للمشهد الليبي "البنيان المرصوص" على أنها قوة عسكرية تابعة لمدينة مصراتة وليست تابعة لحكومة الوفاق. فالعلاقة بين حكومة الوفاق وقواتها ما إنفكت تشهد توترات، لعل أبرزها التهديدات التي أطلقها العميد محمد قنيدي ، رئيس الاستخبارات العسكرية بقوات البنيان المرصوص، في نوفمبر 2017، تجه مصر، والتي ألاقت تنديدا واسعا في الأوساط المصرية، ودفعت رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، لإحالة قنيدي، إلى التحقيق على خلفية إدلائه بتصريحات إعلامية دون إذن. 

وسبق ذلك، زيارة قامت بها قيادات في عملية البنيان المرصوص إلى قطر، في أغسطس 2017، وأكدت مصادر إعلامية حينها، أن الزيارة أحرجت كثيرا حكومة السراج داخليا وخارجيا، خاصة وأنها لم تبلغ بها من قبل، وإنما تابعتها عبر وسائل الإعلام، مشيرة إلى أن زيارة آمر غرفة البيان المرصوص ومعاونيه للدوحة، تم الاعداد لها بالتنسيق بين قطر والميليشيات التي تمولها الدوحة بالمال والسلاح في طرابلس ومصراتة. وأشارمراقبون إلى هذه الخطوة تعكس ضعف الحكومة أمام الميليشيات المسيطرة على العاصمة طرابلس وبعض مدن الغرب الليبي. 

القوة الثالثة

كلفت القوة الثالثة -التي ينحدر غالبية تشكيلاتها من مدينة مصراتة -، تحت إمرة العقيد "جمال التريكي"، بتأمين المنطقة الجنوبية، التي استُخدمت من قبل قوات مصراتة، لنقل الأسلحة والذخائر إلى منطقة الهلال النفطي خلال المعارك ضد الجيش الوطني الليبي، بين عامي 2014 و2016 للسيطرة على المنطقة، ودخلت لأجل ذلك في اشتباكات مباشرة مع الجيش الوطني الليبي، خاصة "اللواء 12". 

وفي 18 مايو 2017، هاجمت القوة الثالثة بالاشتراك مع "سرايا الدفاع"، قاعدة براك الشاطئ الجوية فى جنوبي البلاد، حيث ارتكبت مجزرة كبيرة خلفت حوالي 141 قتيلاً بين مدنيين وعسكريين وأحدثت ردود فعل مدوية محليا ودوليا حيث تعددت رسائل الشجب والإدانات والتنديد من الداخل ومن سفراء الدول والبعثات والهيئات الدولية والأممية. 

وفي محاولة من حكومة الوفاق، للخروج من هذا المأزق سارع المجلس الرئاسي إلى توقيف وزير دفاعه المهدي البرغثي، وآمر القوة الثالثة العقيد جمال التريكي وتحويلهما إلى التحقيق، قائلا إنهما تصرفا بمفرديهما، فيما زعمت القوة الثالثة أنها تأتمر بأوامر فايز السراج ونائبه عبد السلام كاجمان، وأن لديها إثباتات مكتوبة وصوتية تثبت تلقيها تكليفات وأوامر شفهية مسجلة بالصوت لهما لمهاجمة براك الشاطئ، داعية إياهما لمراجعة تصريحاتهما. 

لواء الصمود

تشكل بعد انتهاء حرب مطار طرابلس في العام 2014، ضمن تحالف ميليشيا "فجر ليبيا". وانتهى هذا التحالف بسبب خلافات حول التعاطي مع المرحلة الجديدة. وأصبح لواء الصمود عمليا هو القسم الأكثر ميلا إلى مواصلة الحرب. ويتفرع من لواء الصمود كتائب وميليشيات ذات ولاءات ومرجعيات متباينة من مصراتة وعدة مدن أخرى. 

ويجري صرف رواتب هذه الفرق من خزينة الدولة وفقا لقرارات أصدرتها الحكومات السابقة على أساس أن هذه الكتائب والميليشيات تقوم بحماية مؤسسات الحكومة وحدود البلاد. ومنذ ظهور الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على الساحة، أصبحت الحرب الرئيسية للواء الصمود ولعشرات من الكتائب والميليشيات سواء التي تتبعه بشكل مباشر أو غير مباشر، موجهة أساسا ضد الجيش. 

ويقود لواء الصمود، "صلاح بادي"، أحد أبرز قادة عملية "فجر ليبيا" التي سيطرت على طرابلس نهاية عام 2014، وبقيت فيها إلى وحين إخراجها من العاصمة، وهو ما تم بعد قتال عنيف في شهر مارس/ آذار من عام 2017 ضد قوات حكومة الوفاق، إذ اضطرت الكتائب الموالية لحكومة الإنقاذ لمغادرة طرابلس، بما فيها "لواء الصمود" الذي يقوده بادي. لكن بادي سرعان ما عاد للمشهد، حين هدد في مايو 2017، بتحرير طرابلس في عملية عسكرية خاطفة لن تستغرق أكثر من 72 ساعة، على حد قوله، فيما أعلنت "حكومة الإنقاذ"، حينها أن هدف العملية هو تطبيق قرار المؤتمر الوطني العام الليبي بإخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة. 

ومع اندلاع الاشتباكات في طرابلس أواخر أغسطس 2018، عاد بادي للظهور مجددا مبرّرا هجومه على العاصمة بأنه ضدّ من أسماهم دواعش المال العام، وأن الكتائب الموجودة في طرابلس هي سبب الأزمة، وأنّ عليهم تسليم أنفسهم أو الاستعداد لحرب طاحنة ضدهم، من أجل ما أسماها ليبيا حرّة. ويذكر الليبيون إن بادي أشرف بنفسه على حرق مطار طرابلس العالمي وخزانات النفط القريبة منه في العام 2014. 

لواء الحلبوص 

ينحدر لواء الحلبوص من مدينة مصراتة، وتعد هذه المجموعة من أقوى الكتائب المسلحة بالمدينة وأكثرها تجهيزا. أَسَّسها محمد الحلبوص خلال اندلاع الأزمة في العام 2011، والذي قتل في مدينة مصراته، وتولى بعده بشير عبداللطيف قيادة الكتيبة، وكان تعدادها حوالي ألف عنصر. 

وكانت مهمة اللواء الأساسية حماية قصر الرئاسة، وطريق المطار الدولي، وبعض المناطق الجنوبية في مدينة طرابلس. وفي يونيو 2017، عين رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، قائد لواء الحلبوص، اللواء محمد الحداد، بمهام آمر المنطقة العسكرية الوسطى. 

وفي أغسطس 2018، كلف المجلس الرئاسي، الحداد، بالإشراف على ترتيبات وقف إطلاق النار وفض الاشتباك التي اندلعت بمناطق جنوب طرابلس، والإشراف على انسحاب كافة القوة المتمركزة بمناطق الاشتباكات، وتسليم المعسكرات ومقار الوحدات العسكرية النظامية لوحداتها السابقة التي كانت متمركزة بها قبل بداية الاشتباكات. وذلك قبل أن يتم اختطافه في الأول من سبتمبر 2018 من منطقة كرزاز جنوب مدينة مصراتة. 

لواء المحجوب

وهي كتيبة تابعة للمجلس العسكري بمصراتة بالتحديد للبنيان المرصوص مكلفة بحماية مبنى رئاسة الوزراء الواقع بطريق السكة وسط طرابلس وتعد من أحد أبرز المليشيات المسلحة بالعاصمة طرابلس تتكون من حوالي 1000 عنصر وقائدها مجهول الهوية. 

في مارس 2018، أعلنت سرية 77 لواء المحجوب بمصراتة، دعمها الكامل لاتفاق القاهرة الذي ينص على توحيد الجيش الليبي لاستعادة الأمن والاستقرار في ليبيا ومحاربة الإرهاب فيها. وأكدت السرية، في بيان لها، بأنها تتابع عن كثب الاجتماعات والاتفاقات التي عقدت داخل البلاد وخارجها والتي تسعى إلى توحيد القيادة السياسية والعسكرية للبلاد، مشيرة إلى أن هذه الدولة لا يمكن أن تكتمل إلا بوجود حكومة ليبية موحدة وجيش ليبي موحد، والسبيل لتحقيق دولة ليبية موحدة ذات سيادة على كامل أراضيها. 

وأدانت السرية المحاولات المشبوهة في استعمال عملية البنيان المرصوص كوسيلة لتحقيق اهداف حزبية ضيقة تضر بمصلحة الوطن والمواطن، وكذلك المعارك الطاحنة التي خاضتها ضد تنظيم داعش الإرهابي في مدينة سرت جنبا إلى جنب مع كتائب وسرايا مدينه مصراته والمدن الليبية الأخرى، والتي أسفرت عن النصر الكبير ضد التنظيم والذي يعد مفتاح الأمن والأمان لليبيا. 

درع ليبيا

هي مجموعة محسوبة على تيار جماعة الإخوان المسلمين، ضمت داخلها ثلاث ألوية رئيسية، لواء درع المنطقة الوسطى والذي يتخذ من مدينة مصراتة مقر له، لواء درع المنطقة الشرقية في بنغازي ولواء المنطقة الغربية في الخمس وطرابلس. ظهرت لأول مرة في آذار/مارس 2012، عندما تم تجنيد المتمردين الذين قاتلوا على الجبهة الشرقية خلال أحداث 17 فبراير من قبل قادة الميليشيات والحكومة. 

وتعتبر درع ليبيا تحالفا من مدن ساحلية إلى الغرب والشرق من طرابلس. . وأساسا الزاوية في الغرب ومصراتة في الشرق. واتًهِمت المجموعة باستخدام القوة الغاشمة عندما أُرسِلت إلى مدينة الكفرة في نيسان/أبريل 2012 وذلك لوقف الاشتباكات بين قبيلة الزوي العربية وقبيلة التبو التي تمثل الأقلية. وأجبرت الميليشيا بعد ذلك على الإنسحاب. 

كتيبة الفاروق

وهي إحدى الكتائب التي كنت ضمن تحالف فجر ليبيا، وبحسب تقارير إعلامية، فهي تعتبر من أشرس كتائب مدينة مصراتة وأكثرها عنفا. وقد انشقت وبايعت تنظيم "داعش" الإرهابي. 

تأسست الكتيبة في العام 2012، على يد التهامي بوزيان. وكان مجلس النواب قد أدرج اسم بوزيان على لائحة الأفراد والجماعات الإرهابية المنتمية لتنظيم القاعدة المرتبطة بقطر والتي أصدرها في 11 يونيو 2017 كونه مؤسساً لكتيبة الفاروق التي كانت مظلة انبثقت منها عدة قادة تقلدوا مهام في تنظيم القاعدة و داعش وبعضهم لقي مصرعه في سرت خلال الموجهات مع قوات البنيان المرصوص وغارات سلاح الجو الأمريكي. 

ويعد بوزيان من أبرز القيادات المشاركة في الهجوم الإرهابي على الموانئ النفطية والمدعومة من تركيا، وهو أحد قيادات ما يعرف بأنصار الشريعة، وآمر التجنيد لها والممول الرئيسي فيها. وكان بوزيان عضوا مؤسسا في كتيبة الفاروق الإرهابية ثم آمرا لها، وعضوا في الجماعة الليبية المقاتلة والجناح العسكري لها. 

ومن أهم المناصب التي تقلدها بوزيان منصب وكيل وزارة الدفاع للشؤون الخارجية في حكومة “علي زيدان”، كما يقوم بوزيان بعمليات تصفية للقوات المسلحة في المنطقة الغربية وله نفوذ وهيمنة في مدينة مصراتة ولديه غرفة عمليات في تركيا. 

ورغم وجود حكومة الوفاق في العاصمة طرابلس منذ العم 2016، لا تزال ولاءات المجموعات المسلحة مجهولة في ظل عجز المجلس الرئاسي عن تكوين أجهزته الأمنية. وتحولت العديد من هذه الميليشيات للعمل تحت مسميات حكومية، بينما بقيت غيرها مجهولة الانتماء مع استمرار تمركزها في مقارها المنتشرة في عدة مناطق. 

وتعتبر الفوضى الأمنية مشهدا يرسم الأوضاع اليومية في ليبيا منذ سبع سنوات، وبات انتشار السلاح في البلاد لعنة تهدد بإراقة المزيد من دماء الليبيين، مع تواصل عجز الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ أي برنامج متكامل لجمع السلاح أو نزعه من المليشيات المسلحة ، التي غالبا ما تمتلك أسلحة وعتادا يفوق قدرة وتسليح الأجهزة النظامية الأمنية والعسكرية.