قبل عام 1842 لم تعرف ليبيا الحالية المدارس بشكلها المتعارف عليه والذي يعد امتدادا للشكل الحديث للمدرسة، فقد كان التعليم في الفترة السابقة لهذا التاريخ يعتمد على المراكز الدينية المعروفة محليا بالكتاتيب التي تقتصر على تدريس القرآن الكريم وبعض العلوم اللغوية وأصول الدين، وقد جاءت أول دعوة للتعليم المنتظم في عهد الوالي محمد أمين باشا الذي تولى الولاية في الفترة ما بين 1842 و1847، حيث دعا أهل طرابلس إلى تعليم أبنائهم في مدارس منتظمة حديثة اعتمدت في مجملها على الجهود الشعبية الخيرية من تبرعات الأهالي الراغبين في تعليم أبنائهم وغيرهم.

وكانت بداية انتشار المدارس متواضعة جدا إذ لم تنتشر إلا في نطاق ضيق، وبعدد محدود، ولم تتعد الدراسة فيها الثلاث سنوات، يتلقى فيها المتعلمون مناهج تشمل اللغة العربية واللغة التركية وتعاليم الدين الإسلامي والتاريخ التركي والرياضيات والجغرافيا، وقد تولت الولاية الإشراف على هذه المدارس رغم أنها لم تكن تتحمل مصروفاتها، بل كانت تعتمد على المجهود الشعبي والدعم الذاتي لأهالي الطلبة، وفي عام 1867م تم افتتاح المدرسة الإعدادية الأولى بطرابلس لاستقبال من يريد مواصلة دراسته ممن أتموا دراستهم الرشدية.

وشهدت فترة الغزو والاحتلال الإيطالي لليبيا مرحلة جديدة في مجال التعليم حيث صدر في إيطاليا وفي 15/1/1914 مرسوم ملكي بإنشاء مدارس عربية إيطالية تتبع وزارة المعارف ووزارة المستعمرات الإيطالية في روما وهي مدارس ابتدائية مدة الدراسة بها ثلاث سنوات. وفي عام 1915 صدر مرسوم آخر يقضي بضم الكتاتيب تحت السيطرة الإيطالية، وفي سنة 1917 صدر مرسوم يتضمن قانونين أساسيين وضعا لطرابلس وبرقة، لتنظيم التعليم للـيبيين وجعل التعليم الابتدائي إلزاميا للـبنين كما يشمل استخدام اللغة العربية في التعليم وتدريس اللغة الإيطالية، وضمنت إيطاليا بذلك انتشار اللغة الإيطالية بين الليبيين بشكل ممنهج، وشهدت تلك الفترة انتشار المدارس في عدة مدن وقرى، كما انتشرت مدارس الصنائع والتعليم المهني، إلا أن هذه المدارس كانت تقتصر في الأغلب على أبناء المواطنين المرتبطين بالمستعمر الإيطالي.

وعقب خسارة إيطاليا ضمن دول المحور للحرب العالمية الثانية، قامت الإدارة العسكرية البريطانية التي تولت الأمر في العديد من مناطق البلاد بإرسال أول بعثة للمعلمين الليبيين إلى مصر سنة 1945 ليعودوا بعد برنامج تدريبي قصير كمعلمين ليتولوا إدارة المدارس والتدريس بها، وتم افتتاح أول مدرسة ثانوية بمدينة طرابلس سنة 1947، وفي سنة 1948 تم افتتاح معهد لإعداد المعلمين بطرابلس، وفي العام الدراسي50/1951 تم افتتاح معهد لإعداد المعلمين ببنغازي ومعهد لإعداد المعلمات بطرابلس.

وخلال فترة النظام الملكي في ليبيا زاد عدد المدارس الابتدائية وانتشرت المدارس الثانوية في المدن الكبرى، إلا أن قطاعا كبيرا من الشعب لم يتمكن من الاستفادة من هذه المدارس نظرا لحالة الفقر التي كانت تسيطر على السواد الأعظم من الشعب، وتباعد المسافات بين مراكز المدن التي كانت بها تلك المدارس والمناطق التي كان المستهدفون من التعليم يقطنونها، وقد عرفت المرحلة إرساء المناهج العربية وزيادة عدد المعلمين الليبيين، كما تم افتتاح أول جامعة ليبية في سنة 1955 وحملت اسم الجامعة الليبية وكان مقرها بنغازي، حيث بدأت بكلية واحدة وهي كلية الآداب والتربية وكان عدد طلابها 31 طالبا (دون طالبات). وفي عام 1973 انحلت الجامعة إلى جامعتين جامعة بنغازي (جامعة قاريونس) وجامعة طرابلس (جامعة الفاتح)، أما ثاني جامعة فكانت الجامعة الإسلامية التي تأسست في 1960 والتي مقرها البيضاء، كانت الجامعة زاوية دينية ثم تطورت إلى معهد ديني متوسط حتى أصبحت جامعة، وهي أساس جامعة عمر المختار الحالية.

وعلى الرغم من الطفرة التي شهدها قطاع التعليم خلال فترة النظام الملكي في ليبيا إلا أن الغالبية العظمى من أبناء الشعب لم تتلقّ التعليم المناسب، حيث بقيت نسب الأمية عالية وتجاوزت كل التقديرات الدولية، وبقيت ليبيا تقبع في مؤخرة الدول من حيث مستوى تلقي التعليم وبقيت معدلات الأمية هي الأعلى من بين دول المنطقة لاسيما بين النساء بما في ذلك فئة الأطفال التي يفترض أن يكون فيها التعليم الأساسي إجباريا، وذلك بحكم الأوضاع الاجتماعية والعادات والتقاليد، علاوة على حالة الفقر ومحدودية عدد المدارس، وعدم انتشارها في عدد من القرى والمناطق التي كان معظم التلاميذ والطلبة يقطعون مسافات طويلة للوصول إليها.

وعلى الرغم من تأسيس الجامعة الليبية بفرعيها (طرابلس وبنغازي) إلا أن العديد من التخصصات العلمية بقيت غير متوفرة، الأمر الذي فاقم احتياج البلاد إلى العناصر المؤهلة علميا، وهو الأمر الذي كان له مردوده السلبي على عملية التنمية الشاملة بشكل عام وفي مجال التعليم بشكل خاص، حيث كان من المفترض أن تساهم مخرجات التعليم المتوسط والعالي في تطوير ودعم قطاع التعليم، لكن محدودية عدد الخريجين وقلة التخصصات العلمية جعلت معاناة القطاع تستمر ويستمر اعتماده على الأجانب في تسييره والتدريس ليس في الجامعات فحسب بل في التعليم المتوسط والابتدائي أيضا.

بعد قيام ثورة الفاتح عام 1969 كان أهم أهدافها تخلص البلاد من ثالوث (الجهل-الفقر-المرض) فوضعت منذ بدايات السبعينات من القرن الماضي الخطط التنموية التي كان قطاع التعليم إلى جانب قطاع الصحة أهم أولوياتها، واتخذت الخطط في مجال التعليم البعدين الأفقي والعمودي، حيث بدأت عملية إنشاء وتأسيس المدارس بمختلف مستويات التعليم الأبتدائي والثانوي  مختلف المدن والمناطق والقرى بما في ذلك القرى النائية التي لم تكن سوى نجوع متناثرة، حيث انتقلت المدارس للتلاميذ في مواقعهم، وأصبح التعليم الأساسي إجباريا ويسمح القانون بمعاقبة أولياء الأمور الذين يحرمون أبناءهم من الدراسة، كما نتشرت بالتوازي مع الدراسة النظامية، خطة لاستهداف كبار السن من الجنسين في برنامج محو الأمية لتنخفض معدلات الأمية بشكل ملحوظ.

ووفقا للتقارير الدولية المعنية بقطاع التعليم، فقد قدر إجمالي برامج محو الأمية بين 50 و60 في المئة، أو نحو 70 في المئة للرجال و35 في المائة للنساء، ولكن ضاقت الفجوة بين الجنسين منذ ذلك الحين، بسبب زيادة الحضور المدرسي للإناث.

وقدر تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2001 أن معدل محو أمية الكبار ارتفعت إلى نحو 80.8 في المئة، أو 91.3٪ للذكور و 69.3٪ للإناث. وفقا إلى تقديرات حكومة الولايات المتحدة ل‍2004 ، و82 في المئة من مجموع السكان البالغين (سن 15 فما فوق) قادرين على القراءة والكتابة، أو 92 في المئة من الذكور و 72٪ من الإناث.

ووفقا لتقرير منظمة اليونسكو عن "التعليم للجميع" الصادرعام 2000، بينت دراسة الحالة الخاصة بليبيا أن ميزانية التعليم بلغت 640 مليون دينار سنة 1993، ووفقاً لمعهد اليونسكو للإحصاء فإن الإنفاق العام على التعليم كان يمثل %2,7 من إجمالي الناتج المحلي سنة 1999، وتبين الدراسة التي أجراها البنك الدولي أن الحصة المخصصة للتعليم من إجمالي الناتج المحلي في ليبيا من أعلى الحصص في العالم إذ بلغت %7 عام 1997. وبحساب نصيب نفقات التعليم من نفقات تشغيل القطاع العام يتضح أنها كانت تمثل %27 في عام 2007، وهي نسبة عالية قياساً بالمعايير الدولية، فهي تبلغ ضعفي نظيراتها في بلدان منظمة التنمية والتعاون في الميدان الاقتصادي.

وشهد قطاع التعليم خلال العقود الأربعة من بداية السبعينات إلى العشرية الأولى من القرن الحالي توسعا كبيرا تمثل في زيادة عدد المؤسسات التعليمية وانتشارها أفقيا، وتعدد تخصصاتها وإرتفاعها عموديا إذ انتشرت الجامعات والمعاهد العليا التي تدرس معظم التخصصات العلمية، وتمنح الدرجات العلمية المختلفة بما في ذلك الدرجات العالية والدقيقة.

وإذا كانت بداية الدراسة الجامعية في ليبيا بجامعة واحدة في عام 1955، ثم إثنتين في 1960 ثم ثلاث في 1973 ثم توالى بعد ذلك افتتاح الجامعات الجديدة، حتى وصل عددها عام 1985، 11 جامعة، وفي 1990 ثلاث عشرة، وفي عام 1995 أربع عشرة جامعة، وكان عددها في عام 2001 اثنين وعشرين جامعة، وقد صاحب هذه الزيادات المتوالية إزدياد مضطرب في عدد الطلبة وطلبة الدراسات العليا، علاوة على برنامج الدرسات العليا بالخارج حيث توفد الدولة على نفقتها ألاف الطلبة لنيل الدرجات العلمية العليا في أهم الجامعات العالمية في مختلف دول العالم.

ولم تكن هذه النهضة الكبيرة التي شهدها قطاع التعليم كافية للنهوض بالمجتمع بشكل نموذجي، بل كانت نظرا للوضع الذي تعانيه المنطقة بشكل عام من تخلف وتأخر عن المنظومة الدولية لعدة أسباب لا مجال لطرحها في هذا السياق، صاحب التحول العديد من المشاكل وعدم تحقيق الهداف المنتظرة بشكل نموذجي، فكان الاتجاه نحو التطوير والمراجعة واستحداث خطط جديدة واعتماد نماذج وتجارب عالمية أكدت نجاحها في بعض الدول التي تمكنت من النجاح في التحول عبر خططها التعليمية، إلا أن هذه الخطط توقفت نتيجة لما آلت إليه البلاد عقب أحداث فبراير سنة 2011.

عقب أحداث سنة 2011 بقيت منظومة التعليم في بادئ الأمر على ما هي عليه ولم يطرأ أي تغيير إلا في بعض المناهج التي رأى حكام ليبيا الجدد أنها ترتبط بالنظام السابق فطال التغيير مناهج التربية الوطنية والتاريخ وبعض المناهج الأخرى، وبقي القطاع على ما هو عليه إلا أن عدد من الخطط التي كانت مبرمجة للتطوير وتطبيق النظم الجديدة توقفت، ولم تطبق، وتأثر قطاع التعليم ومؤسساته بالأوضاع الأمنية زالتغيرات السياسية التي طرات لاحقا نتيجة الانقسامات السياسية بين الأطراف المتصارعة في البلاد، حيث ألقت الصراعات بظلالها على العملية التعليمية.

وتؤكد التقارير التي تصدرها المنظمات المعنية بالتعليم والمؤسسات الرقابية أن قطاع التعليم من أكثر القطاعات التي تضررت، خاصة في الفترة الزمنية الممتدة بعد 2014 حيث اندلعت الصراعات المسلحة بين الأطراف السياسية المختلفة في البلاد، حيث تعرضت أعداد كبيرة من المدارس والمعاهد والكليات لأضرار مباشرة لوجودها في مواقع الصراعات المسلحة، وانقطاع سبل الوصول إليها، علاوة على استخدامها من قبل بعض التشكيلات المسلحة كمواقع لتتحول من مؤسسات تعليمية إلى ثكنات ومعسكرات لإيواء المقاتلين وتخزين الأسلحة والذخائر، إضافة لاستخدامها من قبل بعض المليشيات كمعتقلات وسجون خارج إطار القانون، ويتم استخدام العديد من المدارس العمومية لإيواء الأسر المشردة في كل المدن التي دارت فيها اشتباكات مسلحة أو حروب بما في ذلك المدن التي شهدت حروب ضد التنظيمات الإرهابية مثل سرت وبنغازي ودرنة.

ووقع قطاع التعليم ضحية للانقسام السياسي الذي ضرب معظم القطاعات، حيث تعاني المدارس من غياب الصيانة الدورية وتوريد الأدوات والكتب المدرسية التي تتأخر ويتأخر بالتبعية معها بداية العام الدراسي، وهو الأمر الذي تكرر مرارا خلال السنوات الأربعة الأخيرة، كما تعاني المدارس كغيرها جراء سوء الأوضاع المنية والحياتية كالتعرض للتهديدات الأمنية، وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، إضافة إلى انقطاع الاتصالات والانترنت، وغيرها من الخدمات.

ويرى الكاتب والأكاديمي الليبي مصطفى الفيتوري، أن غياب الأمن يبقى مصدر الخوف الرئيسي لجميع الأسر الليبية، ما يفسر سبب رفض الكثير منها إرسال أبناءها إلى المدرسة، فالمدارس العامة لا توفر على وسائل النقل، ما يعني أن العائلات تضطر لأخذ أطفالها إلى المدرسة، أو تعتمد على وسائل النقل الخاصة مثل سيارات الأجرة، وهذا يبدو أكثر صعوبة، لأن المصارف تعاني من نقص السيولة النقدية.

وقد فتحت كل هذه المشاكل الباب للمدارس الخاصة، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، انتشرت المدارس الخاصة في كل أرجاء البلاد، ويرجع ذلك أساسا لتوفر وسائل النقل للأطفال الصغار، لكن تكلفتها أعلى، ومستوى جودة الدراسة ببعضها خارج نطاق التقييم ما قد يؤدي إلى تدني مستوى جودة التحصيل عبرها، ويبلغ متوسط الرسوم السنوية في أي مدرسة خاصة  حوالي 1000 دينار ليبي – حوالي 200 دولار بأسعار السوق السوداء، وثلاث مرات أكثر من ذلك الأسعار الرسمية، وتقدر منظمة اليونيسيف عدد التلاميذ في المدارس الليبية بحوالي 1،2 مليون تلميذ، يتغيب منهم حوالي 279 ألفا عن الدروس.

وبالنظر للوضع الراهن في ليبيا فإن قطاع التعليم يعدّ من أكثر القطاعات تضررا، بل يعد بمثابة الضحية الأكبر لما تعانيه البلاد من إنفلات أمني وتدن في مستوى الخدمات، وهذا ما يعني أن المشاكل تزداد تفاقما والحلول تزداد صعوبة باعتبار التعليم هو القاطرة التي عن طريقها يمكن قيادة أي بلد من وضع إلى آخر.