لا شك أن التطورات التي تشهدها الساحة الليبية تشي بكثير من التفاؤل حول امكانية اختراق جدار الأزمة المستعصية منذ سنوات خاصة في ظل ما يبدو أنه اصرار محلي ودولي على الذهاب نحو توافق شامل يمكنه ارساء سلطة موحدة في البلاد،لكن في مقابل هذا التفاؤل تطرح تساؤل حول مدى قدرة حكومة الوفاق على فرض هذا التوافق على حلفائها خاصة مع تصاعد وتيرة الانقسامات في صفوفها.
الى ذلك،يشكل الحراك المكثف في الملف الليبي تمهيدا لمرحلة قادة يعتبرها كثيرون مفصلية في المشهد الليبي.وتعتبر المشاورات التي جرت بين وفود ليبية من شرق البلاد وغربها في الغردقة المصرية، بحسب هؤلاء احدى أبرز المسارات في اتجاه حلحلة الأزمة الليبية، نظرا لاهتمام هذه المشاورات بالجانب الأمني والعسكري.
واجتمعت الوفود الليبية في الغردقة في إطار التمهيد لمشاورات "لجنة الحوار 5 + 5 "،المنبثقة عن اجتماع ومخرجات برلين الألمانية.وناقش المجتمعون تشكيل قوة تكون مسؤولة عن تأمين مقار الحكومة الجديدة في سرت، كما يبحثون وضع خطط، لإبعاد المرتزقة والمليشيات المسلحة، وتأمين المواقع النفطية فضلاً عن إنشاء لجنة عسكرية موسعة، لبحث دعم المؤسسة العسكرية الموحدة في ليبيا.


وأشادت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في بيان لها، بلقاء الغردقة المصرية، معربة عن "امتنانها الصادق للحكومة المصرية على جهودها في تسهيل انعقاد هذه المحادثات المهمة"، متوقعة دمج نتائج هذه الاجتماعات المباشرة في اللجنة العسكرية المشتركة "5 + 5".كما رحبت وزارة الخارجية الإيطالية، بالمحادثات، مؤكدة أن استئناف مفاوضات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) يعد أمرًا ضروريًا لاستدامة وقف إطلاق النار في ليبيا.
من جانبها، قالت السفارة الفرنسية في ليبيا، إن باريس ترحب بهذه الاتصالات المباشرة حول القضايا الأمنية والعسكرية بين الأطراف الليبية، وتؤكد من جديد دعمها الكامل للصيغة 5 + 5.فيما أكد سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفتشا، دعم بلاده للحوار السياسي، الذي تسيره بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
ويشكل المسار الأمني أبرز النقاط التي يسعى الفرقاء الليبيون للتوافق حولها ويؤكد خبراء أن نجاح هذا المسار من شأنه أن يمهد لنجاح بقية المسارات.وتزايد التفاؤل في تصريحات المسؤولين الليبيينت حيث أكد اللواء خالد محجوب، مدير التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي،أن "نقل المفاوضات إلى مصر مؤشر إيجابي، كي لا يصبح الأجانب متحكمون في قرارنا الوطني"، مشيرا إلى أن المباحثات قائمة على مبادرة إعلان القاهرة.
وعلق المحجوب خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي أحمد موسى، ببرنامج "على مسؤوليتي" على قناة صدى البلد المصرية،على هذه المشاورات قائلا "نستطيع القول إن استقرار ليبيا أصبح قريبا".وأضاف "تم الاتفاق على ضرورة التوصل إلى أفكار حقيقية لحل الميلشيات، مع الاتفاق على أهمية وجود الأسلحة في يد الجيش الليبي، وتوحيد مؤسسات الدولة"، مشيرا إلى أن المرتزقة التابعين لأردوغان بدؤوا في مغادرة ليبيا.
وبالرغم من هذا التفاؤل الواضح فان المخاوف من امكانية اجهاض التوافق الليبي تبقى قائمة خاصة مع الاعلان عن تأجيل جولة محادثات بوزنيقة المغربية الثانية، التي كان مقرراً عقدها اليوم الثلاثاء بين وفدي مجلس النواب الليبي  والمجلس الرئاسي.واعتبرت تقارير اعلامية أن هذا التأجيل يطرح تساؤلات حول دواعيه،وما اذا كان مرتبطاً بدخول أطراف إقليمية ودولية من أجل إجهاض التفاهمات والتقدم الذي تحقق في الجولة الأولى.
هذه المخاوف تتأكد مع ردود الفعل الآتية من غرب ليبيا حيث مركز سلطة حكومة الوفاق،فمجلس النواب الموازي،المنعقد في طرابلس،أعلن أنه خارج أي محادثات سواء "أبوزنيقة" أو غيرها معتبرا أن محادثات المغرب وجهة نظر تفتقر للأساس القانوني.مشيرا إلى أنها محادثات أحادية الجانب، وتقع ‏خارج مظلة الأمم المتحدة، وأن أي قرار يصدر عنها لا يحمل أي أهمية.


وكان رئيس مجلس الدولة خالد المشري قد أعلن بأن هناك لقاء مرتقبا للتوقيع على اتفاق مبدئي بشأن المناصب السيادية يوم الخميس القادم.واستدرك المشري في تصريحات متلفزة عبر قناة "فبراير" الممولة من تركيا،بأنه لم يتم عرض أي أسماء لمناصب الدولة السيادية مبينا أن هناك أزمة ثقة ولا بد أن نردم هوة عدم الثقة.
ورفض المشري عملية توزيع المناصب على مستوى الأقاليم الثلاثة مؤكدا أن ما تم بخصوص المجلس الرئاسي الجديد هو مجرد محاولة للمرور من الأزمة الراهنة، وأن كل المؤسسات السيادية يجب أن تكون في طرابلس، رافضا أن تكون سرت مقرا للحكومة الجديدة وأنها يجب أن تمارس عملها من طرابلس.
وقوبلت تصريحات المشري بانتقادات من المستشار السابق للمجلس الأعلى للدولة الاستشاري، أشرف الشح،الذي اتهم المشري بالمراوغة.وقال الشح في تغريدة عبر حسابه بموقع "تويتر": إن "خالد المشري يراوغ ويناقض نفسه في التبرير لعقد صفقات البقاء مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح".
كما هاجم الشح، أكبر داعمي حكومة الوفاق ومجلس الدولة، رئيس حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، محمد صوان، متهمًا إياه بأنه يضع العراقيل أمام الانتخابات؛ من أجل الهروب من إرجاع "الأمانة" لأصحابها وهو الشعب الليبي، واصفا الحزب بحزب "النذالة والبلاء"، وأنه مستعد لفعل أي شيء مقابل البقاء في المشهد السياسي.
من جانبه، قال عضو مجلس الدولة الاستشاري بلقاسم دبرز: إن الحل الجذري للأزمة الليبية يكمن في إكمال مسار الاستحقاق الدستوري، الذي أنجز أكثر من 60 إلى 70% منه، ودعم المفوضية العليا للانتخابات في تنظيم الاستفتاء العام عليه وإقراره.وأشار، في تصريحات لشبكة "الرائد" الإعلامية، التابعة لحزب العدالة والبناء، إلى أن الاستفتاء على الدستور يحمل في طياته حلولا لكل المشاكل التي تعاني منها ليبيا الآن، ويحصن البلد من التدخل الخارجي والأطماع الخارجية، ويقود إلى إجراء الانتخابات.
ويتمسك قادة جماعة "الإخوان المسلمين" ،بالاستفتاء على الدستور ويتجاهلون إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية؛ من أجل إطالة الفترة الانتقالية، ومن ثم البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة.يرى مراقبون أن الاخوان يدركون بأن الانتخابات لن تحقق لهم لهم أي نجاح يذكر كما حدث معهم فى الانتخابات السابقة مايدفعهم الى التمسك بالاتفاق السياسي والمكاسب المحققة لهم من خلاله الى أطول أجل ممكن.
هذه التطورات تكشف الصراع داخل حكومة الوفاق وحلفائها من تيار الاسلام السياسي الموالي لتركيا.ويتزامن هذا مع استمرار مسلسل الاشتباكات المسلحة بين المليشيات في طرابلس والتي كان آخرها  المواجهات العسكرية التي جدت الجمعة الماضي،  بين كتيبتي "أسود تاجوراء" و"الضمان" بضاحية تاجوراء وأدت الى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
وكشفت هذه الاشتباكات حالة الانفلات الأمني الذي تعيشه مدن غرب ليبيا،وسارعت البعثة الأممية إلى الدعوة لوقف الفوري لما سمتها الأعمال العدائية في منطقة تاجوراء، مشيرة، إن هذه الاشتباكات تؤكد مرة أخرى؛ الحاجة الملحة لضرورة إصلاح قطاع الأمن في البلاد.وحثت البعثة جميع الأطراف على الوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي الإنساني.


واتجهت حكومة الوفاق الى التعويل على "لواء الصمود" بقيادة المطلوب دوليا صلاح بادي ،لفض الاشتباكات الجارية في تاجوراء .واعتبر مراقبون أن هذا الأمر يكشف بوضوح نوعية التحالفات التي أقامتها حكومة السراج وعجزها المتواصل أمام سطوة المليشيات المسلحة التي تعتبر الآمر الناهي في غرب ليبيا والتي باتت أداة النظام التركي لتمرير مخططاته في البلاد.
وعلى ضوء هذه الأحداث والتطورات يبدو التوافق بين الأطراف المتنازعة في ليبيا أمرا محفوفا بالكثير من الحذر والمخاوف رغم المؤشرات الايجابية.ويشير مراقبون الى أن المساعي السياسية محليا ودوليا التي ما زالت تسعى لإقناع الأطراف المتنازعة للوصول الى تسوية سياسية شاملة باعتبارها المخرج الوحيد للأزمة،لا بد أن تضع في حسبانها مدى قدرة حكومة الوفاق على الايفاء بتعهداتها في ظل ارتهانها للمليشيات والمشروع التركي التخريبي في البلاد والمنطقة.