حرية التعبير هي اهم المكاسب التي حققتها الثورة التونسية، واستبسل الإعلاميون في تونس في المحافظة على هذا المكسب، رغم الأخطاء الكثيرة التي ارتكبوها نتيجة انعدام تجربة التعددية الحقيقية. غير ان المعوق الذي واجههم هو غياب وعي السياسيين بطبيعة العلاقة مع الصحافيين، الامر الذي يصل حدّ تأنيبهم في المؤتمرات الصحافية، وهو مشهد بات يتكرر. 

وعرفت الساحة التونسية انفجاراً إعلامياً في عدد الصحف والمجلات والإذاعات والقنوات التلفزيونية الجديدة، واصبح التونسيون يتهافتون على البرامج الحوارية السياسية اليومية. غير ان الساسة أيضاً كانوا يفتقدون الى تربة تقبل أسئلة الصحافيين "الملاعين"، الذين ينبشون وراء كل خبر، ويلاحقون كل قضية، ويفصلون ما اختفى وراء التصريحات والوثائق، التي أصبحت متاحة امام الجميع ولو بنسبة صغيرة، ولذلك لم يسلم الإعلاميون في تونس من سيل الاتهامات والاعتداءات التي لا تتوقف، فهم متهمون بالانحياز "الى اليمين واليسار والسلطة الجديدة والثورة المضادة"، والى كل ما يمكن ان يزيل الحرج عن السياسي لإلقاء التهمة على الصحافي.

نماذج التعدي على الصحافيين

انسحب ضيوف من برامج سياسية مباشرة واتهم آخرون بالموالاة، وتلقى كثير منهم تهديدات بالقتل من قبل جماعات ارهابية. وآخر التقليعات عبارة "ما أتعس الصحافة التي تنتمي اليها"، في إشارة الى تعرض موفد "وكالة تونس إفريقيا للأنباء" إلى "الندوة الوطنية حول الانتخابات وحياد الإدارة"، لاعتداء لفظي من قبل رئيس "حزب حركة نداء تونس"، الباجي قائد السبسي. ويبدو ان سؤالاً لم يرق للضيف دفعه الى التوجه الى الصحافي بعبارات نابية بالعامية التونسية معناها تقريبا "ما أتعس الصحافة التي ينتمي اليها أمثالك".

وتناقلت الإذاعات والقنوات التلفزيونية والمواقع الالكترونية فيديو الحادثة، مع التذكير بأنها ليست المرة الاولى التي يتهجم فيها الباجي قائد السبسي، وغيره، على الصحافيين، وحدث ذلك أيضاً عندما كان رئيساً للحكومة.

اعتداءات سياسيين ومؤسسات إدارية

واصدرت الوكالة بياناً عبرت فيه عن "رفضها أي شكل من أشكال التهجم على الصحافيين"، مشددة على حق الصحافي في طرح الأسئلة التي يراها مناسبة، بما يكفل إنارة الرأي العام. وتجدد في هذا الإطار حرصها الدائم على الوقوف على المسافة نفسها من كافة الأطراف السياسية في البلاد.

وأصدرت النقابة الوطنية للصحافيين بدورها بيانا نددت فيه بشدة بسلوك رئيس حركة "نداء تونس" الذي وصفته بالمتكرر. وقالت النقابة "ان أي اعتداء على الصحافة والصحافيين هو اعتداء على حق المواطن التونسي في الاعلام". وأعلنت أنها ستواجه بالصرامة اللازمة كل اعتداء من أية جهة كانت، حفاظا على كرامة الصحافيين.

ويأتي هذا الحادث بعد يوم واحد من اعتذار اتحاد الشغل التونسي على خلفية الاعتداء على الصحافيين في المسيرة التي نظمها.

وسجلت "النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين" منذ يومين في التقرير السنوي للحريات، الذي تصدره سنويا بمناسبة اليوم العالمي للصحافة، عشرات الانتهاكات التي تعرّض لها الصحافيون في السنة الماضية، منها:

12 حالة تهديد بالقتل.

73 حالة اعتداء من المؤسسة الأمنية.

124 اعتداء قام بها عدد من السياسيين والمواطنيين وممثلي السلط العمومية.

واعتبر النقيب الجديد، ناجي البغوري، عدد الانتهاكات والاعتداءات التي استهدفت الصحافيين التونسيين مخيفا.

والملاحظ في هذا التقرير ان اكثر الاعتداءات جاءت من سياسيين ومؤسسات ادارية، بما يعكس صورة واضحة عن عدم استعداد المسؤولين لتقبل حقيقة ان الاعلام زمن الثورة مخالف للإعلام قبلها، وأن حرية الاعلام وحق المواطن في الوصول الى المعلومة كفله دستور الثورة الجديد.

*عن العربي الجديد