تشهد العلاقات بين فرنسا والجزائر مستوى جديدا من التوتر بدأ بقضايا الهجرة والتأشيرات وتطوّر بعد تصريحات إيمانويل ماكرون الأخيرة حول التاريخ الجزائري والتي اعتبرتها الجزائر "غير مسؤولة"، لترد الأخيرة بسحب سفيرها من باريس وغلق مجالها الجويّ أمام الطائرات العسكرية الفرنسية في ردود أفعال تصعيدية غير مسبوقة تنذر بتطورات سلبية في أزمة العلاقات الجزائرية الفرنسية.
تساءل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب نشرته صحيفة لوموند الفرنسية عما إذا كانت هناك دولة جزائرية قبل الحكم الاستعماري الفرنسي، معتبرا أن الجزائر قامت بعد استقلالها العام 1962 على نظام "ريع الذاكرة" الذي كرسه "النظام السياسي العسكري" فيها، وقال إن ذلك النظام هو الذي أعاد كتابة كما انتقد "التاريخ الرسمي للجزائر الذي أعيد كتابته بالكامل"، والذي "لا يقوم على الحقائق" بل على "خطاب يقوم على كراهية فرنسا".

أخذت الأزمة بين الجزائر وفرنسا منحاها التصاعدي أساسا منذ 28 سبتمبر من العام الحالي، إذا يعتبر الخبراء أن الإشتباك البارد قد بدأ فعليا حتى قبل خطاب ماكرون"الغير مسؤول" في أهم النقاط المشتركة والمتعلقة أساسا بقضايا الهجرة خاصة بعد أن أعلنت باريس أنها تريد خفض التأشيرات الممنوحة للجزائريين بنسبة 50٪. ليؤجج خطاب ماكرون في الثاني من أكتوبر /تشرين الأول نيران التوتر الديبلوماسي الذي يهدد العلاقات التاريخية القائمة بين البلدين وتعتبر فيه فرنسا المستفيد الأكبر استراتيجيا واقتصاديا، ما أثار غضب السلطات الجزائرية التي سحبت مباشرة سفيرها في فرنسا.

كانت الحكومة الجزائرية حازمة في موقفها تجاه باريس  ففي اليوم التالي لتصريحات الرئيس الفرنسي، أكد المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية أن الجزائر منعت الطائرات العسكرية الفرنسية من التحليق فوق أراضيها ، حيث تستخدم عادة المجال الجوي الجزائري للانضمام أو الخروج من قطاع الساحل والصحراء حيث تنتشر قوات مكافحة الجهاديين، عقوبة يعتبرها الخبراء والمراقبون صارمة و"تعرقل الاستراتيجية الفرنسية في منطقة الساحل كم تشكل عقبة أمام سياستها الخارجية ".

 لرتق الشرخ الدبلوماسي تواصل فرنسا من جهتها اتخاذ خطوات جديدة تجاه الجزائر، حيث  قررت رفع السرية عن الأرشيف الخاص بحرب الجزائر (1954-1962) قبل 15 عاما من المهلة القانونية. وقالت وزيرة الثقافة روزلين باشلو، إن لدى فرنسا "أشياء يجب إعادة بنائها مع الجزائر" وأن ذلك غير ممكن "إلا بناء على الحقيقة" ويأتي ذلك  عقب زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للجزائر، في محاولة لتهدئة التوتر وحدة التصريحات المتبادلة مؤخرا.

من جهته سارع إيمانويل ماكرون إلى الإعتذار محاولا كبح جماح الموقف الجزائري،  حيث أعرب ماكرون عن "ثقته" بنظيره الجزائري عبد المجيد تبون وأكد أن العلاقات معه "ودية فعلاً" آملا في أن يهدأ التوتر الدبلوماسي مع الجزائر وأن يعود الطرفان إلى الحوار. قائلا  في هذا السياق"أتمنى أن نتمكن من تهدئة الأمور، لأنني أعتقد أنه من الأفضل أن نتحاور من أجل تحقيق تقدم". و أكد ماكرون في مقابلة إعلامية محلية أنه "يكن احتراما كبيرا للشعب الجزائري" .

أما من الجانب الجزائري فقد أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن عودة السفير الجزائري إلى باريس مشروطة "باحترام فرنسا الكامل للدولة الجزائرية". وقد حضيت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بداية الشهر الحالي بمتابعة واسعة من الصحف المحلية والإقليمية والعالمية  حيث أكدت هذه المصادر أن لودريان أجرى محادثات مطولة مع نظيره الجزائري، كما التقى الرئيس عبد المجيد تبون لأكثر من ساعة ونصف. وأوضح المصدر الفرنسي في تصريح لفرانس 24، أن المحادثات سمحت بإعطاء "دفع سياسي" لاستئناف المشاورات والعمل بين البلدين حول مسألة الهجرة، ولا سيما بشأن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من فرنسا، موضحا أن المحادثات ستتواصل بهذا الشأن. كما تباحث الطرفان سبل إحياء العلاقات الدبلوماسية و إغلاق الجزائر أجواءها أمام الطائرات العسكرية الفرنسية. 

وتعليقا على هذه الزيارة أوضحت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان لها أنها " زيارة عمل وتقييم ولإحياء العلاقات". من جانبه دعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في وقت سابق، قبل هذه الزيارة، إلى علاقة "واثقة" و"شراكة طموحة" مع الجزائر تتجاوز "جروح" الذاكرة التي يمكن أن "تظهر أحيانا من جديد".