منذ الإطاحة بنظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، تعيش ليبيا فوضى أمنية وسياسية واقتصادية غير مسبوقة. ولم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ الإعلان عن «انتصار الثورة» في 2011، بناء مؤسسات فعالة، يمكنها أن تدير عجلات السلطة وتنهض بالاقتصاد المنهار. ويرى محللون أن غياب المؤسسات في ليبيا، على مر العقود الأربعة لحكم القذافي، دفع نحو السقوط في الفوضى التي تعيشها حالياً. ويخشى عارفون بالشأن الليبي أن تستمر حالة التفكك هذه لعقود مقبلة، في ظل غياب رؤية وطنية واضحة لإدارة شؤون البلاد.

في المقابل، يعتقد آخرون أن الغرب هو مَنْ يقف وراء الدمار الذي لحق بهذا البلد الغني بالنفط والموارد الطبيعية، ويبدو أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم يستفد من تجارب سابقة في كل من أفغانستان والعراق، بأن عواقب التدخل العسكري ستكون وخيمة، لكن الحلف قرر إزاحة الدكتاتور الليبي بالقوة من دون خطة لما بعد سقوطه.

وأغفل المخططون وخبراء الاستراتيجية في أوروبا عوامل مهمة في الوضع الليبي، أهمها التركيبة السكانية في ليبيا، والتي تتشابه إلى حد كبير مع العراق. ويقول مراقبون إن طبيعة القبائل العربية وقبائل البربر في ليبيا لم تكن متحدة تحت نظام حكم واحد إلا خلال فترة متأخرة من التاريخ، وقد تكوّن الشعب الليبي من اتحاد عدد من كيانات مستقلة وقبائل متفرقة. وعرف تاريخ ليبيا العديد من النزاعات بين القبائل، تراكمت نتائجها السلبية على مر التاريخ ولأجيال عدة.

وفي السياق نفسه، يعتقد المحلل السياسي نايبي أوسكواي، أن ليبيا تحتاج إلى وقت طويل كي «تترسخ فيها هوية وطنية موحدة، ويعود إليها الاستقرار الأمني الذي كانت تتمتع به خلال فترة الحكم السابق». يذكر أنه منذ أكثر من سنة، تتقاسم الحكم في البلد حكومتان متنافرتان: الأولى معترف بها من قبل المجتمع الدولي في شرق البلاد، والثانية لا تحظى بالاعتراف وتسيطر على معظم مدن غرب ليبيا، وبينها العاصمة الليبية، بمساندة تحالف جماعات.

وفشلت السلطات الجديدة في نزع أسلحة الجماعات التي قاتلت النظام السابق، والتي باتت تتقاتل في ما بينها، كما لم تنجح في وضع دستور جديد للبلاد التي تستند حالياً إلى إعلان دستوري مؤقت، صدر قبل نحو أربع سنوات.

ويقول الخبير في الشؤون الليبية بالمجلس الأطلسي في واشنطن، كريم مزران، إن «كل السيناريوهات تؤدي إلى نتيجة واحدة، حالة الانقسام في البلاد وتصاعد الإرهاب، وكل ذلك يؤدي إلى تزايد وتيرة العنف». ويضيف أن «كل شيء يعتمد على القادة العسكريين، من أجل التوصل إلى هدنة، وإلا سوف يبقى الوضع يصعب التحكم فيه».

في هذه الأثناء، يشدد المسؤولون في منظمة الأمم المتحدة على ضرورة الإسراع في التوصل إلى حل سياسي، لتفادي المزيد من الانزلاق الأمني. وحذر المسؤولون من تنامي نشاط تنظيم «داعش» في ليبيا، الأمر الذي يهدد الوحدة الوطنية ويضع أمن المنطقة برمتها على المحك. وأشار المفاوضون في المحادثات بين الفرقاء الليبيين، برعاية الأمم المتحدة، إلى تجذر الخلاف بين الفصائل، ما أدى إلى رفض هذا الفصيل أو ذلك، لمقترحات الأمم المتحدة لرأب الصدع، كما استبعد هؤلاء إجراء تعديلات في المقترحات، لأن ذلك سيعطل التوصل إلى اتفاق، ربما لأشهر أخرى. الأمر الذي لن يكون في صالح البلاد التي تبدو على شفير الهاوية.

ويرى الخبير في الشؤون الليبية بالمركز الأوروبي للعلاقات الدولية، ماتيا توالدو، أن عدم التوصل إلى اتفاق يعني «كارثة كبيرة». ويضيف أنه من دون حكومة وحدة وطنية ستتعطل المساعدات، خصوصاً الطبية، لأن «الوضع في المستشفيات مزر، والانقطاعات الكهربائية تزيد الوضع سوءاً».

الامارات اليوم