مع انطلاق شهر رمضان يتهافت التونسيون على الأسواق والمحلات لاقتناء المنتوجات الغذائية وككل سنة يستغل بعض التجار والمحتكرين لهفة التونسيين للترفيع في الأسعار أمام غياب الشفافية والمراقبة والإجراءات الردعية لهذه الظواهر التي ما فتئت تنخر الاقتصاد التونسي وتثقل كاهل المواطن في ظل وضع وبائي مستفحل عصف بالوضعين الاقتصادي والإجتماعي للبلاد.
يرفع لسعد كيسا بلاستيكيا به خبزتين قائلا " أنا عامل يومي أجرتي يومي، ومع هذا الوضع لا يوجد عمل لا نقود لا أكل (شنبات جيعان)، حتى زوجتي ذهبت في حال سبيلها، و يواصل مبتلعا جفاف حلقه: "العشاء العادي لشخصين في رمضان يتكلف 35د (قرابة 13 دولار) (منين شنجيب أنا الدنيا لكل مسكرة..البلاد باركة"). تصيح امرأة من الطرف الآخر "الناس جاعت..الناس جاعت (شنوا) الفلفل بـ5د و الطماطم بـ2500مي".. وتستمر التذمرات من هنا وهناك حول الوضع بالبلاد ليعتبر الكثير من المارة شهر رمضان، الذي جعله الله شهر مغفرة وعبادة، من أصعب الشهور وأشدها عبئا على كاهل المواطن التونسي.
ويرجع المواطنون ارتفاع أسعار المنتوجات المعروضة على غرار اللحوم الحمراء والأسماك والتمور وبعض الخضر والغلال إلى استغلال التجار من ناحية ولهفة المستهلك وغياب المراقبة الاقتصادية وعدم التدخل الناجع لتعديل الأسعار من ناحية أخرى، ومن جهتهم عبر الباعة المنتصبين عن استيائهم من تراجع المقدرة الشرائية للمواطن التونسي وغياب الدعم من الدولة في ظل الظروف الحالية.
وأعادوا ارتفاع أسعار المنتوجات المعروضة عن المواسم السابقة أساسا إلى ارتفاع ثمنها عند شرائها وتقاطع المواسم التي جعل أنواع من الغلال مرتفعة في أثمانها، وعدم قدرة المواطن البسيط في ظل صعوبة الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد حاليا على شراء وتنويع منتوجاته الاستهلاكية.
بينما أرجع المسؤولون أسباب الزيادة في الأسعار، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية إلى تزامن هذا الشهر، هذا العام، مع فترة تقاطع الفصول مفيدين الى انه سيتم التعويل في أيام الشهر الكريم الأولى على إنتاج الباكورات والإنتاج المحمي (البيوت المكيفة).
وقد اعتادت الأسواق التونسية أن تشهد اكتضاضا و اقبالا كبيرا من قبل المواطنين تحضيرا لشهر رمضان فحسب المعهد الوطني التونسي للاستهلاك، ترتفع نسبة الاستهلاك في تونس خلال شهر رمضان بين 15 و20%، غير أنها تعاني هذه السنة من حركية غير معتادة ونفور من اقتناء بعض المنتجات الاستهلاكية، ويرجع ذلك حسب بعض المواطنين إلى ارتفاع الأسعار التي اعتبروها تتجاوز ميزانيتهم ولا تلبي احتياجاتهم.
كما سجلت مختلف المناطق والمحافظات بتونس في أولى أيام رمضان إرتفاعا مشطا للأسعار بلغ حد مضاعفة الأسعار ثلاث أو أربع مرات يوما واحدا فقط قبل الشهر الكريم !.و قال رئيس المكتب الجهوي لمنظمة الدفاع عن المستهلك بتونس العاصمة ان سعر اللحوم الحمراء ارتفع من 21 دينار إلى 27 و 32 دينار في بعض الأسواق التونسية، و ارتفع سعر "حارة"البيض (4 بيضات) من 1000 مليم الى 1200 مليم، و ارتفع سعر البصل من 800 مليم للكيلوغرام الى 2000 مليم، هذا و يواصل سعر الطماطم والفلفل ارتفاعه رغم شكاوي المواطنين " سعر الطماطم في أغلب الأسواق بلغ 2700 مليم و وصل سعر الفلفل إلى حدود 6000 مليم."
وقد رصدت فرق المراقبة الاقتصادية التابعة لوزارة التجارة التونسية 10670 مخالفة تخص تجاوزات سعرية وتلاعب بالمواد المدعمة والاحتكار ، حيث حجزت الفرق الرقابية 714 طن من المواد الغذائية المدعمة منها 348 طن من الفرينة و174 طن من السميد و19 طن من العجين الغذائي و50 طن من السكر و42,5 طن من الزيت النباتي بالإضافة الى حجز 317 طن و 149 ألف قطعة من المواد الغذائية المختلفة مجهولة المصدر أو غير صالحة للاستهلاك.
وفي تصريح لوسائل الإعلام المحلية اعتبر المدير العام للمعهد الوطني التونسي للاستهلاك مراد بن حسين ان المسؤولية مشتركة وأنه :" لا يمكن تحميل المسؤولية كاملة لطرف واحد فالمواطن الذي يشتري المواد رغم ارتفاع أسعارها يتحمل المسؤولية و مسالك التوزيع التي تتعمد الترفيع في الأسعار تتحمل المسؤولية أيضا ". أما بخصوص فرق المراقبة الاقتصادية التابعة لوزارة التجارة فقد أكد مدير المعهد الوطني للاستهلاك ان :" فرق المراقبة الاقتصادية موجودة في الأسواق التونسية لكنها تبقى محدودة ولا تستطيع تغطية جميع الأسواق و رصد جميع التجاوزات ".
من جانبه استنكر رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد ممارسات المضاربة والاحتكار بالتزامن مع شهر رمضان.وقال في كلمة توجه بها الى التونسيين بمناسبة شهر رمضان إن هذا الشهر المعظّم ليس فرصة للاحتكار او مناسبة للمضاربة بقوت الناس. وأكد على ضرورة تصدّي السلطات العمومية للمحتكرين الذين يتلاعبون بالأسعار مشددا على أنه لا تسامح مع مثل هؤلاء، وفق تصريحه.
و للإشارة فإن تونس تعيش وضعا وبائيا حرجا، ما يدفعها إلى التشديد المتواصل للإجراءات خاصة مع تصاعد وتيرة الإصابات والوفيات منذ بداية شهر رمضان ليلقي الوضع الوبائي بأعبائه الثقيلة على البلد المنهك إقتصاديا واجتماعيا أساسا، بسبب أزماته السياسية المتلاحقة. ما يجعل من المواطن التونسي ضحية دائرة طاحنة من الآزمات على جميع الأصعدة وليس فقط الغلاء والإحتكار !