ليبيا اليوم ليست خارج السياق العالمي في المعركة ضد فيروس كورونا المستجدّ. كل الدول تقف اليوم في حالة أقرب إلى العجز في مواجهة هذا الخطر الخفي الذي لم يعترف هذه المرة بمنطق التقدّم العلمي أو النفوذ السياسي أو معادلات الصراع التقليدية مع الأحداث. هذه المرة الحرب أكبر من أن تخاض بالمال أو السلاح. هي حرب سهامها موجّهة نحو كل مستهين بها ولا حل أمامها إلا القدرة على التعامل الحذر والمواجهة بأعلى درجات التوقّي باعتبارها العلاج الظرفي الوحيد في انتظار حل علمي قد تطول مدّة انتظاره رغم ما تبذله مخابر العالم من مجهودات لتوفيره.
حالة الحرب التي تعيشها ليبيا والوضع السياسي العام والظرف الاقتصادي الخاضع دائما لتلك التحوّلات، كلها رسائل لأهل القرار في البلاد بأن الوقت لا يسمح بأي خطأ لأن التهاون أو الانتظار قد يكلّفان البلاد ثمنا باهضا، حتى دفعه لن يكون يسيرا.
ربّما ليبيا، على الأقل في مستوى ما يتمّ التصريح به رسميا، مازالت بعيدة عن الخطر، وحتى الحالات القليلة التي أعلن عنها بعيدة عن الكابوس الذي أرعب العالم، لكن كل ذلك لا ينفي أبدا أن البلد يبقى دائما وسط دائرة الخطر، لأسباب مختلفة بعضها تمت ذكره، وأهمه أن المزاج الليبي لا يمكن أن يتحمّل فكرة الحظر الصحي لفترة طويلة وربما نجد أنفسنا أمام حالة من عدم الانضباط التي قد تسهل انتشار الفيروس بسرعة. الواقع أن التهاون مع الوضع وجد حتى في أكثر الدول انضباطا، فإيطاليا وفرنسا الجارتان الأوروبيتان كل التقارير أشارت إلى أن الإهمال وعدم الالتزام ساهما في اللحظة الأولى في انتشار الفيروس بين الناس.
قبل الحديث عن الإجراءات المحلية في مواجهة جائحة كورونا، كان التدخّل خارجيا، فوسط ارتفاع وتيرة انتشار الفيروس منذ منتصف شهر مارس، قالت منظمة الصحة العالمية إنها متخوّفة من وصول الوباء إلى ليبيا التي تعيش حالة استثنائية. وفي تصريح حول الموضوع قالت ممثلة المنظّمة في ليبيا إليزابيث هوف إن جهودا كبيرة تُبذل من الأطراف المعنية في ليبيا لكن البنية الأساسية في قطاع الصحة الليبي تعرف صعوبات كبيرة وقد تجعل البلاد عاجزة عن المواجهة لو انتشر المرض.
من جانبها دخلت الأمم المتحدة على الخط من خلال مطالبة طرفي القتال في البلاد بإيقاف الحرب بهدف ضمان توفير المساعدات الطبية وتجنيبا للإبقاء على حالة الفوضى التي ستكون تبعاتها خطيرة جدا على صحة الناس لو انتشرت الجائحة. كما "طالبت سفارات الجزائر وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وبعثة الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى سفارتي تونس والإمارات، الأطراف المتقاتلة في طرابلس إلى إعلان "وقف فوري وإنساني للقتال"، ودعت "جميع أطراف الصراع الليبي إلى وقف النقل المستمر لجميع المعدات والأفراد العسكريين إلى ليبيا من أجل السماح للسلطات المحلية بالاستجابة لتحدي الصحة العامة، غير المسبوق الذي يشكله الفيروس".
الإجراءات الداخلية بدأت مع إدراك المسؤولين في شرق البلاد وغربها أن الخطر قد اقترب، فتم اتخاذ إيقاف الدراسة لكل المستويات التعليمية، توقيا من الفيروس، حيث قالت الحكومة الليبية في الشرق إنه "ضمن خطة الحكومة في مواجهة فيروس كورونا وضمان عدم وصوله إلى ليبيا تقرر تعليق الدراسة في مختلف مراحلها لمدّة أسبوعين"، وهو نفس الإجراء الذي اتخذته حكومة الوفاق في طرابلس التي أعلنت عن "تعليق الدراسة في ليبيا لأسبوعين بداية من 15 مارس في كافة المؤسسات التعليمية بجميع مراحلها". وهو قرار قد يتم تمديده مع ارتفاع نسق انتشار الفيروس في دول الجوار.
وفي الـ14 من مارس وضمن خطّة استباقية في التعامل مع خطر الفيروس قررت حكومة الوفاق إعلان حالة الطوارئ وأغلقت جميع الموانئ الجوية والبحرية الخاضعة لإدراتها، مع تخصصيها لمبلغ 500 مليون دينار ليبي لمكافحة المرض إذا وصل إلى ليبيا. وفي مرحلة لاحقة مع تطّور الأوضاع أعلنت الوفاق عن حظر للتجوال وتقييد الحركة مساءا والدعوة إلى الابتعاد عن التجمعات العامة لما يمكن أن تسببه من خطر. كما أكدت الوفاق تخصيصها16 موقعا للعزل الصحي خارج المستشفيات وتوفيرها لأكثر من 150 جهاز تنفس صناعي خارج المستشفيات بما يوفّر أريحية العمل في صورة وجود أي طارئ.
كما أعلنت الحكومة الليبية على لسان وزير داخليتها ابراهيم بوشناف عن حظر التجوال من السادسة مساء إلى السادسة صباحا "في مسعى لمنع تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19، قبل أن يتم تعديل التوقيت من الثانية ظهرا إلى السادسة صباحا في إطار فرض كل الاحتياطات "لضمان تنفيذ الإجراءات الوقائية التي أقرتها اللجنة العليا والمُشكلة من قبل القيادة العامة لمواجهة إنتشار وباء كورونا المُستجد".
وفي الإطار ذاته بادر الجيش الليبي بأمر من القائد العام خليفة حفتر بإنشاء 4 مستشفيات ميدانية في مدن الزنتان وسرت وسبها واجدابيا، بسعة 50 سريرا، على نفقة القوات المسلحة، بالإضافة إلى أمره بتخصيص مبلغ مليون دينار ليبي لإستيراد الأكسجين المسال الذي يتم استعماله في علاج المصابين بالفيروس.
وفي خطوة وقائية مماثلة تم تشديد الإجراءات على المعابر الحدودية والمطارات في مرحلة أولى قبل أن يتخذ قرار بإغلاقها نهائيا وتوفير مراكز إيواء فيها للمسافرين المشتبه في إصابتهم، وهو إجراء اتخذته أغلب الدول في العالم. ومن بين الإجراءات التي اتخذت هو إغلاق الجيش الليبي، في 18 مارس لحدود البلاد مع دولتي السودان وتشاد، تحسبا لانتشار فيروس كورونا المستجد واعتماد طرق حمائية مركزة في تلك النقاط عبر توفير كاميراوات حرارية وأسرة وأطقم طبية مجنّدة للعمل، مع تحذير كل مخالفي هذه القرار من عقوبات صارمة. كما قام الجيش بتجهيز مستشفى للطوارئ في منطقة الهواري، وآخر داخل نطاق قاعدة بنينا الجوية، على نفقة القوات المسلحة الليبية لضمان كل وسائل الوقاية من انتشار الفيروس والتعامل الإيجابي مع الحالات الموضوعة تحت المراقبة والمشكوك فيها.
كما تعمل المؤسسات الصحية والأمنية والإدارية في شرق البلاد وغربها على اتخاذ إجراءات متجددة مثل تنظيم العمل الإداري وتحركات الموظفين، وتقييد تعاملات بعض المراكز التجارية والمالية بالإضافة إلى قيام منظمات المجتمع المدني والمتطوعين بحملات تحسيسية في الأحياء والشوارع والمشاركة في عمليات التعقيم التي تشمل العديد من الأماكن مثل المصارف والإدارات والمستشفيات.