سلطت صحيفة الجارديان البريطانية الضوء على بعد جديد لأزمة المهاجرين الاتي تشهدها ليبيا، وعادة عندما تطرح قضية المهاجرين في ليبيا يكون الحديث عن مواطني دول جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا، وكلن مؤخرا رصد تزايد أعداد المواطنين الليبيين الذين يقدمون على الرحلة المحفوفة بالخطر إلى أوروبا، وحالت الصحيفة الإجابة على تساؤل لماذا يقدم الليبيون على مثل هذه الخطوة من خلال إجراء مقابلات مع أشخاص خاضوا هذه التجربة المريرة.
وقالت الصحيفة بعدما تعرض لسوء المعاملة والعنصرية قرر شريف ترجي –جرى تغيير اسماء الشخصيات الواردة في التقرير لضمان سلامتهم-  21 عامًا مغادرة ليبيا إلى أوروبا.
وقال شريف "لقد رأيت عمليات قتل ومذابح بسبب الصراعات بين الطوارق والتبو".
وشريف ينتمي للطوارق من مدينة أوباري الصحراوية في جنوب غربي ليبيا. وفي ظل حكم الرئيس الراحل معمر القذافي كان الطوارق مهمشين ... ولم تتحسن الأمور بعد الإطاحة بنظام القذافي ومقتله.
وفي أكتوبر 2019 غادر شريف المنزل وسافر أكثر من ألف كيلومتر إلى مدينة زوارة الساحلية. ومن هناك حشر هو وحوالي 200 شخص آخر معظمهم من السوريين والمغاربة والسودانيين على متن قارب خشبي مثقل وانطلقوا في رحلة محفوفة بالمخاطر استغرقت 18 ساعة.
وبعد عقد من أحداث فبراير 2011 يقوم عدد متزايد من الناس برحلة محفوفة بالمخاطر خارج ليبيا بالقوارب. وفي نهاية شهر ديسمبر سجلت المنظمة الدولية للهجرة  386 ليبيًا وصلوا إلى إيطاليا عن طريق البحر في عام 2020، وهو ما يقرب من ضعف العدد الذي وصل في عام 2019. وصدرت نفس الأرقام عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إذ سجلت زيادة بنسبة 52٪ في عدد الليبيين الذين وصلوا إلى إيطاليا مقارنة بعام 2019.
ومن جانبها صرحت صفاء مشهلي المتحدثة باسم المنظمة الدولية للهجرة  بأن الزيادة في الأعداد كبيرة وتمثل تغير في موقف ليبيا فيما يتعلق بسلسلة الهجرة "لطالما كانت ليبيا بلد عبور للمهاجرين".
ويساعد الاقتصاد الضعيف الذي تسببت فيه جائحة فيروس كورونا في تأجيج الهجرة الجماعية.
وقال فينسيت كوشتيل المبعوث الخاص للمفوضية  السامية لشؤون اللاجئين  لمنطقة غرب ووسط البحر المتوسط "لقد تسبب الوباء في معاناة الاقتصاد وأدى إلى انخفاض صادرات النفط والغاز. كما يواجه الليبيون صعوبة في صرف معاشاتهم التقاعدية وهناك ارتفاع كبير في معدلات البطالة بين الشباب ".
وأضاف أن إغلاق الحدود والتحركات المحدودة بسبب عمليات إغلاق جائحة كورونا أثرت على قدرة الناس على الكسب. لقد اعتمدوا على التجارة عبر الحدود وتهريب أشياء مثل السجائر والوقود من أجل تدبير أمورهم.
ويتوقع كوشتيل استمرار ارتفاع عدد الليبيين الذين يغادرون البلاد في عام 2021 ما لم يتحسن الاقتصاد. وأوضح "يميل الليبيون إلى البقاء في بلادهم حتى كنازحين، أو طلب المساعدة من الأقارب في تونس أو مصر"، مضيفا  "لكن يجب مراقبة الأثر الاجتماعي والاقتصادي للانخفاض الأخير في قيمة الدينار الليبي".
كما أصبح الفساد والمخاوف الأمنية من العوامل الدافعة لليبيين.
وقال موسى الجنيدي من منظمة نداء لحقوق الإنسان وتنمية المجتمع في مصراتة إن الفساد داخل أجهزة الدولة المختلفة في ليبيا -المنقسمة بين حكومتين متنافستين مقرهما طرابلس وبنغازي- يهدد الخدمات الأساسية مثل إمدادات الكهرباء ويؤدي إلى تآكل ثقة الليبيين في الدولة.
وأضاف "هناك الكثير من المخاوف الأمنية لليبيين في مدن مثل طرابلس وسرت ومدن الجنوب مثل مرزق. بالإضافة إلى ذلك هناك ارتفاع سريع في الأسعار والتضخم ، مع قيام البنوك ووزارة المالية بتحديد السحوبات النقدية بما يتراوح بين 500 و ألف دينار ليبي.
ويعتقد الجنيدي أن هناك أمل في ليبيا إذا التزمت جميع الأطراف باتفاق السلام الشامل الذي وقعته الحكومتان المتحاربتان في البلاد في أكتوبر. لكن وزير الدفاع الليبي هدد بالفعل بالانسحاب من الاتفاق.
وأوضح "إذا كان هناك اتفاق سياسي كامل وإجراء انتخابات ووضع دستور جديد فإن اتفاقية السلام ستفيدنا. ومن المؤكد أن هذا من شأنه أن يقلل عدد الليبيين الذين يغادرون عن طريق البحر. حتى أنه يمكن أن يوقف الهجرة تمامًا. ولكن إذا كان هناك صراع جديد مثل ما رأيناه في عام 2019 فسنرى الشواطئ مليئة بالليبيين".
وبعد ساعات في البحر التقطت سفينة خفر السواحل الإيطالية قارب شريف ووصل أخيرًا إلى إيطاليا. وقال شريف "لم يكن هناك شيء أصعب من هذه الرحلة. كان القارب قديمًا. لقد بقينا في البحر لمدة يومين. كان المحرك ضعيفًا. لو لم يجدنا خفر السواحللكنا قد ماتنا ".
وبعد تهريبه إلى فرنسا استقل شريف قطارًا إلى بلجيك حيث خبأ في شاحنة متوجهة إلى بريطانيا عبرالقناة، واستقر في لندن حيث يدرس الآن العلوم في الكلية.
ويقول الأصدقاء في أوباري إن المدينة سارت من سيئ إلى أسوأ. يقول محمود طوارق وهو صديق طفولة شريف إن المدينة لا تزال مكانًا خطرا محدود الفرص.
المدارس في حالة سيئة بدون عدد كافٍ من المعلمين. وأوضح محمود "تفتقر المستشفيات إلى عدد كافٍ من الموظفين والمعدات العاملة"، مضيفا ”الأمن ضعيف هناك جماعات وعصابات مسلحة في كل مكان".
اتفاق السلام لا يحسن الأمور على الإطلاق في أوباري. لم يتغير شيء...".
ويعتقد شريف أنه حتى لو استمرت الصفقة في مكان آخر في ليبيا، ووضعت البلاد الحرب وراءها فإن حياته ستبقى بعيدة عن وطنه، وقال  "أريد أن أنهي دراستي. لا أتوقع أن تتحسن الحياة في أوباري. لذلك لن أعود في أي وقت قريب ".