الخصوصيات الثقافية والحضارية المغاربية متشابه ان لم تكن متطابقة، انطلاقا من الأثر الحضاري الذي يجمع هذه البلدان وكذا التأثيرات الخارجية التي شهدتها المنطقة عبر العصور التاريخية المختلفة.
خلال السنوات الاخيرة، شهدنا معارك الكسكسو، والمنارات والمآذن، اضافة الى الاصول " العرقية للحلويات المغاربية "!! وكتبت مقالات، وانشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بمعارك، هذا لنا، وذاك ليس منا، فيما يشبه بحثا عن خلاف غير موجود ونصر غير ممجد، وتقسيم المشترك والجامع ونسف وحدة متأصلة.
من الاقوال المأثورة عن الزعيم التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، انه عندما سئل عن حدود المغارب، أجاب بالقول بأنه هي ذاتها حدود الكسكسو.
إذن ماذا وقع لتشن المعارك حول الكسكسو وحلوى " كعب غزال و....." ؟ أوليس هذا نوعا من الردة الثقافية والحضارية، انتصارا لأشباه "معارك" سياسية لا تعي مخاطر ما تفعل.
تذكيرا بالملامح والخصوصيات الثقافية الواحدة لشعوب المغارب، الممتدة من ليبيا الى حدود السنغال، وما لها من امتدادات في غرب افريقيا، حملنا مجموعة من الاسئلة للدكتور التونسية سعاد الناصر ، الاستاذة الجامعية في جامعة عبد الملك السعدي بتطوان ، لنخرج بحوار يجسد حقيقة ذاك التطابق و التشابه.
نص الحوار:
• ماهي بنظرك اهم القواسم الثقافية بين بلدان المغرب العربي،وما دورها في تعزيز التقارب والاندماج؟
** أشكركم بداية على فتح هذا الحوار المثمر، الذي يكشف عن حرقة المجتمعات المغاربية في تعزيز التقارب والتوحد بين البلدان المغاربية. والحقيقة أن هناك أكثر من قاسم مشترك بينها، فهي تمثل البوابة الغربية الرئيسية في شمال افريقيا للعالم العربي، ورافدا من أهم روافده؛ تجمع بينها روابط متينة، تتمثل في الرقعة الجغرافية التي تقع فيها، حيث تمتد على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي، تجعلها تتشابه في خصائصها الطبيعية،كما تتمثل في وحدة الدين، حيث أن أغلب سكانها مسلمون على مذهب الإمام مالك، وهو أمر يقوي أواصر الاندماج بينها، إضافة إلى ما يجمعهم من روابط اللغة العربية، بصفتها اللغة الوطنية الرسمية لها، واللغة الأمازيغية بمختلف لهجاتها، والعادات والتقاليد والتاريخ المشترك.
• لعل من أهم ما يميز بلدان المغارب عن غيرها من بلدان العرب،تنوعها الثقافي الناتج عن كونها كانت عبر التاريخ ملتقى لعدة حضارات، ما مدى تأثير ذلك على الشخصية الثقافية المغاربية؟
** تعاقبت حضارات عريقة على أرض بلدان المغارب، منها الحضارات الفينيقية، والبونيقية، والموريطانية، والرّومانية والإسلامية، فتنوعت مكونات ثقافته، ومرجعياتها، كما انفتح على العمق الإفريقي والشرق الأوسط وأوروبا. وهذا التنوع والتفاعل الإيجابي، امتد في التاريخ المشترك، وأسهم في تشكيل شخصية ثقافية غنية ومتعددة، انصهرت فيها مختلف المكونات العربية والإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، الغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والمتوسطية.
• هناك الان نوعا من الصراع حول تبني ما هو مشترك، هل سيؤدي ذلك إلى تعميق الخلافات ؟
** الحقيقة أن الشعوب تُجرّ أحيانا دون وعي منها، إلى صراع لا يؤدّي إلا إلى تعميق الخلافات، فبدلا من تأمّل المشترك ابتداء من الارتباط بالمصاهرة وتبادل الخبرات العلمية والثقافية والجهادية أحيانا التي صهرت المجتمعات المغاربية، ووحدت مرجعياتها، ومزجت بينها بشكل عميق، يقع مثل هذه الصراعات التي تؤجج مشاعر العداوة بين الإخوة، والخاسر يكون هذه الشعوب.
* أي دور للمثقف المغاربي في تعميق الشعور بالانتماء المغاربي الواحد؟
** إن للفعل الثقافي أهمية كبرى في الارتقاء بتعزيز أواصر الانتماء إلى الوطن المغاربي الواحد، واستثمار المثقف في تكثيف الشراكات المغاربية في الممارسات الثقافية، سواء في البرامج الدراسية، أو إحداث سوق مشتركة للكتاب، وتنظيم مهرجانات وندوات وإقامة متاحف وأورقة تسعى نحو التعريف بالمشترك الثقافي والحضاري بين المجتمعات المغاربية، هو تأكيد على دور الثقافة في بناء وعي تشاركي، يخفف من المركزية المفرطة.
• التنوع يعكس الثراء الثقافي والحضاري،لكن قد يتحول بسبب النزعة العنصرية إلى مصدر خلاف وتنازع وفرقة، كيف السبيل للحيلول دون ذلك ثقافيا؟
**إن النزعات العنصرية لا تؤدي إلا إلى التطرف والتفرقة والعداء، واستثمار الثقافة المشتركة بتنوع مكوناتها، وخلاصة تجارب مجتمعاتها العلمية والمعرفية في تحرير فكر ووجدان الإنسان المغاربي مهم وأساسي في هذه المرحلة الحضارية التي يعيشها المغرب العربي بكل أطيافه وتوجهاته، خاصة وأن الثقافة بصفة عامة تحولت، بفعل الثورة التكنولوجية، إلى إنتاج كوني يعتمد على الوسائل التكنولوجية في توسيع العمل الثقافي، لذا من المهم تطوير هذا المعطى بامتلاك رؤية واضحة، تتأسس على التفاعل والاعتراف والاحترام المتبادل.
• كلمة اخيرة؟
**كل منا، حسب موقعه، مسؤول عن ترسيخ قيم العدالة والتحرر والتسامح والسلام، بوصفها سلوكا حضاريا يحقق التوازن في إطار التنوع. كما أنه مسؤول عن الاعتراف بالمشترك الثقافي، الذي يعزز الحوار ولا يخضع لموازين الاختلاف والصراع، وهو أمر يستدعي التخلق السلوكي عند الإنسان المغاربي، والارتقاء لاسترداد قوة الأخوة التي كانت سائدة بين الشعوب المغاربية على مرّ التاريخ والعصور، ويتطلّب نوعا من الحكمة والتبصّر في تدبّر الأزمات والخلافات.