اعتبرت عربية الجبالي رئيسة جمعية رؤية حرة والناشطة بالمجتمع المدني والمدافعة عن حقوق الإنسان أن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد تعيين سيدة على رأس الحكومة التونسية قرار رائد ورسالة قوية لكل من يدعون أن الرئيس قام بانقلاب مضيفة في مقابلة مع بوابة إفريقيا الإخبارية أن غالبية أبناء الشارع لتونسي رحب بالقرار باستثناء حركة النهضة التي تسعى للعودة إلى السلطة في البرلمان.

إلى نص الحوار:

في أي سياق قرأت تعيين سيدة على رأس الحكومة التونسية لأول مرة؟

السياق الحالي هو تاريخ سياسي جديد ما بعد 25 جويليا في إطار الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها الرئيس قيس سعيد للقطع مع الأوضاع التي بدأت منذ 2011 بعد الثورة ودامت لمدة 10 سنوات ولم تكن لها نتائج إيجابية وأنا أرى أن قرار تعيين سيدة على رأس الحكومة هو قرار رائد ورسالة قوية وجهها الرئيس لكل من يدعون أنه قام بانقلاب باستعماله للفصل 80 من الدستور والذي يسمح له باتخاذ إجراءات استثنائية إذا ما كان هناك خطر داهم على الدولة 

إلى أي مدى يشكل تعيين سيدة على رأس الحكومة التونسية مكسبا جديدا للمرأة؟ 

بالتأكيد هو مكسب جديد يبشر بمشاركة سياسية أكبر للمرأة في تونس ويعطيها حقها في تقلد المناصب السيادية لأنه ومنذ عشرات السنين يتم تعيين الوزيرات لكن لم يكن هناك أي امرأة في وزارة سيادية فما بالك على رأس الحكومة لذلك فإننا مستبشرون كثيرا بهذا القرار الرائد الذي ينصف المرأة التونسية ونتطلع خيرا فيما ستشكله رئيسة الحكومة الجديدة ونأمل أن تقوم بتعيين وزيرات ووزراء في الحكومة الجديدة وتنصف المرأة في القيام بدورها في صنع القرار بتونس.

كيف كان دور المرأة التونسية في الساحة السياسية خلال السنوات الماضية؟ 

المرأة التونسية موجودة في الساحة السياسية منذ ستينات القرن الماضي وحققت مكاسب تطورت بمرور الوقت مصولا لمرحلة ما بعد الثورة حيث زادت مشاركاتها ونضالاتها وأصبحت الآن موجودة بقوة في الأحزاب السياسية فهناك نساء يترأسن أحزاب لكن الأمانة العامة أو مجلس الإدارة بالحزب يطغى عليهما الرجال أكثر من النساء كما أن النساء يتولين قيادة قوى مدنية ومنظمات غير حكومية ولها نصيب في الحوارات التي تهدف لتحقيق السلم الأهلي والاستقرار في تونس كما أنها موجودة في البرلمان بنسبة ليست كبيرة جدا فتقريبا ثلث البرلمان من النساء كما أنها موجودة في الحكومة ولكن في وزارات نمطية مثل وزارات الصحة والشباب والمرأة والثقافة وبذلك فهي موجودة في الساحة السياسية ولكن بنسبة أقل من سقف طموحاتها ويمكن القول إننا لم نجد امرأة في وزارة استراتيجية قبل اليوم حيث أن هناك فكرة سائدة بأن الرجل أكثر قدرة من المرأة لقيادة الوزارات الكبرى لكن هذا ليس صحيح فالقدرة مرتبطة بالكفاءة الموجودة لدى الرجال والنساء على السواء ونحن من موقعنا في المجتمع المدني ندفع من أجل مشاركة متناصفة بين النساء والرجال في مختلف القطاعات حيث أن دستور 2014 نص على إجبارية التناصف بين النساء والرجال في مناصب المجالس المنتخبة لكنه لم ينص على ذلك بشأن المناصب التي تتقلدها النساء عبر التعيين ونحن في جمعية رؤية حرة والتحالف الوطني "كيف كيف" (تحالف مدني يهدف لتحقيق المساواة التامة بين النساء والرجال) قمنا في 10 ديسمبر 2020 بتقديم مقترح قانون ينص على المناصفة بين النساء والرجال في ترأس المؤسسات العمومية والتشكيلة الحكومية لكن نظرا للظرف السياسي وأزمة كورونا لم يتم التصويت بشأنه فجاء قرار الرئيس بعد 25 جويليا وكأنه يطبق ما سعينا لتحقيقه. 

ما هي المكاسب التي حققتها المرأة خلال السنوات العشر الماضية؟ 

بعد ثورة 2011 حققت النساء عديد المكاسب المهمة أولها دستور 2014 الذي عزز مكاسب المرأة في العديد من الفصول بما فيها المناصفة في تقلد المناصب بالمجالس المنتخبة مثل البرلمان والمجالس البلدية كما نص على تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين كما أن المكسب الثاني الذي حققته المرأة التونسية هو القانون 58 لسنة 2017 والذي دخل حيز التنفيذ في 2018 والذي يتصدى لكل أشكال العنف والتمييز ضد المرأة ويضع آليات لجميع أشكال العنف التي يمكن أن تطال النساء في تونس فهذا القانون يعد نقلة نوعية في ترسانة القوانين الداعمة لحقوق النساء في تونس وإلى الآن نسعى للتطبيق الكلي لهذا القانون ومن بين المكاسب الأخرى التي حققتها المرأة رفع التحفظات على اتفاقية سيداو التي صادقت عليها الحكومة التونسية منذ عام 1985 ومن المكاسب الأخرى هو إحداث الخطة الوطنية 1325 المرأة والسلام والأمن والذي يعزز مكاسب المرأة التونسية ويعزز المنظومة التشريعية بخمس محاور لتطبيق القرار 1325 وهو قرار مجلس الأمن المتضمن آلية إلزامية لجميع الدول مؤلفة من محاور الوقاية (وقاية المرأة في أوقات العنف) والحماية (حماية المرأة المتضررة في أوقات السلم والحرب) وجبر الضرر وإعادة الإعمار والإغاثة (على اعتبار أنه لدينا مسار العدالة الانتقالية للنساء التي عانت من العنف والانتهاكات خلال الفترة الدكتاتورية) والمشاركة (المشاركة المتناصفة للنساء مع الرجال في كافة مجالات الحياة) فيما تضمنت الخطة التونسية لتطبيق قرار مجلس الأمن محورا خامسا وهو محور التوعية (التوعية بالمساوة بين الجنسين) 

ما موقف الشارع التونسي حيال هذه الخطوة حسب رأيك؟

الشارع التونسي متنوع لكن الغالبية رحبوا بقرار الرئيس بتعيين سيدة على رأس الحكومة لأول مرة في تاريخ تونس والمنطقة ولا يمكن لأحد أن ينكر أهمية هذه الخطوة لكن إن كان هناك بعض التحفظات فإنها من الحزب الحاكم القديم "حركة التهضة" الذي تجمد بفعل قرارات الرئيس والذي أعلن رفضه للقرار وألمح أنه يرغب في العودة للبرلمان ليضفي البرلمان شرعية على هذا التعيين وأعتقد أنه بذلك يريد العودة للسلطة في البرلمان والتي كانت تحميه بفعل الحصانة.

ما الذي تحتاجه المرأة التونسية في الخطوات القادمة؟

هذا التعيين يفتح أمام المرأة التونسية طموحات لكسر حاجز الاستبعاد فالمرأة في تونس لديها إمكانيات جيدة لكنها تصطدم بالعقلية الذكورية لا أكثر فهي لا تنقصها الخبرة والكفاءة المشهود بها في مختلف دول العالم لكن ما يمنعها من الوصول للمناصب السيادية هو العقلية الذكورية مع التأكيد أننا لا نريد امرأة فحسب وإنما إمرأة تتمتع بالكفاءة العالية كما أننا نتطلع لفتح الباب أمام مزيد من النساء لتقلد المناصب العليا.

إلى أي مدى تتخوفين من تعرض رئيسة الحكومة لتحديات مضاعفة؟

اعتقد أن تعرض رئيس الحكومة لتحديات مضاعفة أمر متوقع لأن العقلية الذكورية هي التي تحدد المواقف تجاه النساء حيث أنهم دائما يضعون المرأة أمام اختبار قدرة وهذا ما لا يتعرض له الرجال فلا يوجد من يقلل من كفاءته وحتى لو تمت محاسبته فلا يكون بنفس الكيفية التي تتعرض لها المرأة فلا بد من التأكيد على أن الرجال والنساء لديهم الكفاءة وقد يقعون في الخطأ أو يهتدون للصواب لذلك أدعو لتجاوز التعليقات الغير منصفة للمرأة ومع مرور الوقت إذا تقلدت النساء عدة مناصب سيتعود المجتمع على وجود النساء في مناصب قيادية سيادية وسيقل تعليق الفشل على أساس النوع الاجتماعي 

كيف تنظرين للمشهد السياسي التونسي في المرحلة القادمة؟

تونس تتجه نحو مشهد ديمقراطي متناصف يحترم حقوق الإنسان والحريات ويحترم المشاركة السياسية لمختلف الأفراد إلا من أجرموا بحق البلاد وأتمنى محاسبة كل من اقترف خطأ بحق البلاد والشعب كما نريد أن لا يسود الإفلات من العقاب الذي كنا نعاني منه خلال عشر سنوات والذي فتح المجال أمام مزيد من الانتهاكات بحق الشعب كما نتطلع لمرحلة يتم فيها إشراك المواطنين أكثر في القرارات الحاسمة والمخططات وأن نشهد ديمقراطية حقيقية تنصف المستضعفين وتحقق المساواة بين الفئات والأجناس والأديات.