من أسوإ ما قد يواجهه الطفل وهو يرسل صرخته الأولى في الحياة، أن يتحول إلى رقم وثلاثة أسماء مستعارة تتصدق بها عليه مراكز الطفولة المسعفة، أو ينتزع من حضن عائلته الدافئ ليجد نفسه بين أطفال ليسوا أكثر منه حظا.. ذلك هو مصير أطفال تنازلت عنهم أمهاتهم في مستشفيات الولادة درءا لفضيحة، أو لارتكاب أحد الوالدين جريمة ضد الطرف الآخر ليتشتت شمل الأسرة ويتوزع أفرادها بين السجن والمراكز.. ولكن يحدث أن تنتفض مشاعر الأمومة، فتقصد الأم مركز الطفولة لاستعادة ابنها رغم ما قد يواجهها من مشاكل تكشف أحيانا ما تستّرت عليه طيلة تسعة أشهر.

محاولة فاشلة

من بين هذه الحالات، حالة فتاة جاءت من ولاية بعيدة لتضع مولودها في سطيف، وبما أنها لم تتنازل عنه بشكل نهائي، وهو الأمر الذي يسمح لها باستعادته خلال ثلاثة أشهر، استطاعت في هذه المدة أن تؤجر مسكنا دفعت ثمنه من عملها في مجال الخياطة، واستعادت ابنها، ولكن سعادتها لم تدم طويلا لأن إخوتها اكتشفوا أمرها واستطاعوا الوصول إليها، فادّعت أنها تكفلت بالطفل. وفي الصباح ذهبوا بها إلى مديرية النشاط الاجتماعي بسطيف للتأكد من حقيقة الأمر رغم الشكوك التي كانت تراودهم من أن الطفل لأختهم، وطلبوا منها التنازل عنه للمركز لأنهم يرفضون فكرة أن تكون أختهم كافلة لطفل لا تعرفه، ثم عادوا بها إلى ولايتهم، ولكن الفتاة رغم مرور نحو 5 سنوات لم تنس ابنها وظلّت تسأل عنه بالهاتف في كل المناسبات، وترجّت المساعدة الاجتماعية أن تقنع الأسرة التي تكفلت به أن تعطيها صورته، وربما السماح لها برؤيته في يوم من الأيام لأن بعض الأسر الكافلة، حسب السيدة "نظيرة. خ"، المساعدة الاجتماعية بمديرية النشاط الاجتماعي بسطيف، لا تمانع في منح الأم البيولوجية فرصة الالتقاء بابنها إذا لم تكن امرأة منحرفة. نفس الأمر حدث مع أم عازبة أخرى، تسلمت ابنتها من المركز بعد ثلاثة أشهر وتركتها عند أسرة تقوم على رعايتها مقابل مبلغ من المال، ولكن إخوتها تتبعوا طريقها عندما شكوا أنها تكون قد تورطت في علاقة غير شرعية واكتشفوا الحقيقة، لذلك أخذوا الطفلة من الأسرة التي تتواجد عندها وأجبروا أختهم على التنازل عنها للمركز بشكل نهائي.

رغم الظروف

ولكن إحدى الفتيات أجبرت والدتها التي هي في الحقيقة كافلتها باستعادة ابنها الذي أنجبته بطريقة غير شرعية من المركز، واضطرت الأم إلى تلبية طلبها خاصة وأنها تعيش رفقة زوجها في فرنسا بعد أن مات زوجها. ودفعت فتاة أخرى ثمن استعادة ابنها عندما طردتها عائلتها التي رفضت الاعتراف بالطفل. أما الفتاة التي وجدناها في مديرية النشاط الاجتماعي والتي تبلغ من العمر 28 سنة، فلم تكن تنوي أن تستعيد ابنها في الوقت الحالي لأن كل الظروف المحيطة لا تسمح لها بذلك، سيّما وأن أسرتها لا تعلم حتى اليوم بأن ابنتها أنجبت طفلا بعملية قيصرية بإحدى العيادات الخاصة بسطيف، حيث مكثت 24 ساعة فقط في العيادة لتعود إلى بيتهم وهي تحمل جسدا مريضا، وقلبا يتقطع ألما وحزنا على طفلها الذي تنازلت عنه لمركز الطفولة، ولكن الطفل مات بعد أيام قليلة، وهذا ما أكدّته شهادة الوفاة التي سلّمتها لها المساعدة الاجتماعية. ورغم الحسرة التي بدت واضحة في عينيها والتي ترجمتها الدموع وهي تقرأ الشهادة، إلاّ أنها قالت لنا إنها كانت تخشى عليه من المصير المجهول سيّما وأنها لا تستطيع أن توفر له مكانا تعيش فيه معه، ولو تيّسر لها ذلك ما كانت لتتخلى عنه. وعن هذا الموضوع قالت السيدة نظيرة لـ "الشروق"، إن الأم العازبة تفقد أمومتها إذا وقعت على التنازل عن طفلها بشكل نهائي، لذلك لا يمنحها المركز أي مدة لتستعيده، بل يسلمه لأي أسرة تطلب كفالته، ولكن يحق لها أن تستعيده في حال إذا لم تأخذه أي أسرة، على عكس الأم التي تتنازل عن طفلها بشكل مؤقت، حيث "نمنحها- تقول المساعدة الاجتماعية- ثلاثة أشهر وقد نمهلها مدة أخرى إذا طلبت ذلك إلى أن تتحسن ظروفها". تضيف: "ولكن بعض الأمهات يحاولن التحايل علينا عندما يتنازلن عن أولادهن بشكل مؤقت، ولكن ليس في نيتهن استعادتهم خلال هذا المدة، بل يتركن هذا الأمر للظروف وهو ما لا نتقبله، لأن الأفضل للطفل أن يترعرع وسط أسرة تمنحنه الحنان، لذلك نسلمه لأي أسرة ترغب في كفالته بعد أن نتأكد أن أمه البيولوجية لا تفكر في استعادته على المدى القريب".

حنين بعد الجريمة

أما عن الاطفال الذين تورّط آباؤهم في جرائم قتل، بحيث يقتل الزوج زوجته أو العكس، ويرفض أهل الزوجين أو أقاربهما التكفل بهم، يقوم مركز الطفولة المسعفة بتسليمهم تحت إشراف القاضي، ولا يتم منحهم لعائلة أخرى إلا بعد موافقة المحكمة، ولكن في بعض الأحيان يحاول الآباء استعادة أبنائهم بعد انقضاء مدة السجن والتي تكون عادة طويلة، ومن بين هؤلاء امرأة قتلت زوجها. وبعد أن تم الحكم عليها بالسجن، أودع ابناها الصغيران، 3 و5 سنوات، مركز الطفولة. وبينما تكفلت إحدى الأسر بالأول، رفض الثاني أن يعود معها عندما خرجت من السجن وطلبت أن يرافقها، حيث كان قد بلغ مرحلة الشباب، فشق طريقه بنفسه وتزوج وكوّن أسرة بعيدا عن والدته التي تسبّبت في تشتيت شملهم.

*نقلا عن الشروق اليومي الجزائرية