بعد ثلاثة أسابيع من تشريعيات يونيو الفارط، أعلنت الرئاسة الجزائرية، يوم الأربعاء 7 يوليو، عن التشكيلة الوزارية الجديدة.

وشهد التشكيل الحكومي الجديد تغيير 17 وزيرا، هم وزراء الصناعة، والتربية الوطنية، والخارجية وشؤون الجالية بالخارج، والعدل، والنقل، والعمل والضمان الاجتماعي، والصيد البحري والمنتجات الصيدية، والمجاهدين وذوي الحقوق، والثقافة والفنون، والرقمنة والإحصائيات، والبيئة، والشباب والرياضة، والتكوين والتعليم المهنيين، والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، ووزير الموارد المائية والأمن المائي، والسياحة والصناعة التقليدية، والبيئة.ونوهت الرئاسة الجزائرية أن الحكومة الجديدة أبقت على عدد من الوزراء، من أبرزهم وزيرا الداخلية والطاقة، مع احتفاظ الوزير الأول بوزارة المالية. وإذا كان بلقاسم زغماتي وزير العدل من أبرز الوجوه الوزارية التي غادرت، فإن رمطان لعمامرة من أبرز وجوه التشكيلة الوزارية الجديدة.

الوزراء الجدد والقدماء، متحزبون وغير متحزبين. غير المتحزبين لهم حصة الأسد في هذه الحكومة (أطر متمرسة في الإدارة، وفي مناصب سابقة بالوزارة.. .). المتحزبون، أغلبهم  ذوو خلفية قومية (جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، جبهة المستقبل)، وثلاثة بخلفية إسلامية (حركة البناء الوطني). وتضم الحكومة الجزائرية الجديدة 5 وزيرات، أي حوالي سبع التشكيلة الحكومية، أما المعدل العمري للوزراء يتجاوز 50 عاما.

بعد الإعلان عن التشكيلة الوزارية الجديدة، بدأت التصريحات والتعليقات تتناسل على الميديا بشقيها الرسمي الاجتماعي، وكادت ردود فعل المهتمين بالشأن السياسي تتلخص في العبارة التالية "لا حدث". في هذا الإطار، اتصلت الأسبوع المغاربي بعينة من الشباب من الوسط الحقوقي، والأكاديمي والسياسي.

فكان الرد: "لا جديد"، قال الحبيب لعليلي، ناشط سياسي وعضو مؤسس لحركة بركات، معتبرا الأمر مجرد "إعادة تدوير لوجوه قديمة، وانعدام تام للرؤية السياسية"، وأضاف: "الوزراء، وحتى الوزير الأول لا صلاحيات لهم،  بل مجرد كُتّاب دولة، لأن الصلاحيات كلها متجمعة في يد رئيس الجمهورية".الرأي نفسه، كان بصيغ مغايرة، لقد "بقيت دار لقمان على حالها" قال جمال خديري محام وناشط حقوقي ومترشح في التشريعيات السابقة، وهي "حكومة مشابهة لسابقتها" وفق تعبير اسماعيل مهنانة، مفكر وأستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة، بينما المحامي لحسن تواتي ورئيس مركزالدراسات القانونيةفقد وصفها بـ"اللاحدث".

واعتبر جمال خديري خطاب  التشبيب  "مجرد  شعار أجوف"، متسائلا عن جدوى عودة وزراء كانوا من دعاة العهدة الخامسة، ومنتقدا غياب المعايير في تعيين الوزراء ورأى اسماعيل مهنانة أن "السلطة العميقة احتفظت بالوزارات السيادية، العدالة والتربية والخارجية وتركت البقية للتوازن بين الاحزاب والرئيس"..أما لحسن تواتي  فقال "مستقبلها يقرأ من عنوانها، حكومة ناتجة عن مشاورات سياسية بين أحزاب سياسية لا تمثل الإرادة الشعبية، وليس لها وجود في الواقع".ويرى أن "الحكومة ولدت من رحم تكتلات العصب داخل منظومة الحكم، ولا يمكن أن تقدم شيئا، إنها استمرارية للعهدة الخامسة"

الباحث الأكاديمي وأستاذ السوسيولوجيا السياسية نور الدين بكيس، في تدوينة تحت عنوان "الحرب النفسية"، يرى أن "النظام لا يريد التغيير و أنه يخوص حرب نفسية ضد فئات واسعة من الشعب ليثنيها عن التفكير في التغيير ناهيك عن محاولة التغيير"، وأضاف "بالرغم من كل القرارات الخاطئة المقصودة فإن معركة التغيير في الجزائر في السياق الحالي هي معركة نفسية تحتاج الى أصحاب همم عالية و ذكاء سياسي و اجتماعي قادر على تجاوز ما يبثه النظام يوميا من إحباط و يأس بإعادة الجزائريين للاستقالة بعد لحظة صحوة".

منذ الحكومة المؤقتة الأولى 1958 إلى حكومة بومدين الأولى 1965، عرفت الجزائر 7 حكومات كانت أطولهن عمرا لم تتجاوز 14 شهرا؛ وتغير الوضع مع حكومة بومدين الثانية عام 1965 حيث تداولت ثلاث حكومات على الحكم طيلة 14 عاما إلى غاية 1979 عام وفاة بومدين. ومن 1979 إلى اليوم مرت 40 حكومة بمعدل حكومة كل عام.

مع نهاية الحرب الباردة، وبعد الخروج من مرحلة الحزب الواحد إلى التعددية، مرت الدولة الجزائرية بحالات من المد والجزر. فبعد أحداث 5 أكتوبر 1988، وما ترتب عنها من متغيرات جاءت حكومة قاصدي مرباح (رئيس المخابرات من 1962 إلى 1979، ورئيس حزب مجد، أغتيل عام 1992)، هذه الحكومة التي فتحت عهد التعددية الحزبية، لم تعمر سوى عشرة أشهر بسبب بعض الضباط الذين وقفوا ضد قاصدي مرباح.

تم تعيين مولود حمروش خلفا لقاصدي مرباح (سبتمبر 1989)، واشتهرت حكومته التي لم تعمر سوى 9 أشهر بحكومة الإصلاحات لتخلفها حكومة سيد أحمد غزالي التي دامت 13 شهرا، وعرفت حدثين بارزين: إقالة الشاذلي بن جديد (يناير 1992)، واغتيال محمد بوضياف (يونيو 1992). ومن استقالة غزالي (يونيو 1992) إلى 1995، تناوب على الحكومة رؤساء لم تدم فترة الواحد منهم أكثر من عام (بلعيد عبد السلام، رضا مالك، ومقداد سيفي).

عرفت مرحلة التعددية الحزبية بداية متأزمة، وانفلاتا أمنيا، ترتب عن ذلك توقيف المسار الديمقراطي إلى غاية 1995: عهدة اليمين زروال (1995/1998) الذي تشكلت حكومته بقيادة أحمد أويحيى وحزبه الناشئ آنذاك (التجمع الوطني الديمقراطي)؛ فقد اشتهرت الحكومات اللاحقة في العهدات الأولى لبوتفليقة (1998/2012) بالتحالف الرئاسي الذي كان يضم عددا من الأحزاب ذات الخلفية القومية والإسلامية، مراعاة للتوازن السياسي والأيديولوجي.

مع ثورات 2011، وتحت ضغط التحولات انفرط عقد التحالف الرئاسي بانسحاب الحزب الإسلامي (حمس) الذي كان يرأسه بوجرة سلطاني، ومع تشريعيات 2012 التي كان يراهن عليها الإسلاميون كانت النتيجة صادمة، فقد عادت الأغلبية إلى جبهة التحرير الوطني (شهر مايو)، ولم تتشكل حكومة سلال إلا بعد مشاورات ومفاوضات طويلة دامت 4 أشهر (من مايو إلى سبتمبر).

بداية من حكومة 2012،لم يعد أصحاب القرار في الجزائر يراهنون على الأحزاب إلا في حدود ما يضفي الشرعية على العملية السياسية، وتم الاستعاضة عن الأحزاب والشخصيات الحزبية بتعيين إطارات الدولة في المناصب الحكومية.

حكومة 2021، هي امتداد وتطوير لحكومة 2012، ما يفسر أن الدولة في الجزائر وإذ يتسم نسقها السياسي بالمرونة (الخروج من الأحادية إلى التعددية نهاية الحرب الباردة، ثم التحرر التدريجي والجزئي من الحضور الحزبي في السلطتين التشريعية والتنفيذية، تغيير بعض المبادئ الدستورية كلما دعت الحاجة أو الضرورة (دستور 2020)، ففي ذات الوقت يتسم بالصلابة على مستوىالأمن القومي، الوحدة الترابية، السيادة.

عبد المجيد تبون شغل عدة مناصب وزارية طيلة المرحلة التي حكم فيها  بوتفليقة، وآخر منصب شغله هو وزير أول عام 2017،  حيث تعهد بالسهر على تنفيذ برنامج بوتفليقة وبسبب صراع العصب حول السلطة وجد نفسه مطرودا بعد شهرين من توليه الوزارة الأولى.

بفضل الحراك الشعبي مالت الكفة إلى جماعة القايد صالح وعاد عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية مصحوبا ببرنامج يتضمن 54 التزاما لعل أبرزها تعديل الدستور ومكافحة الفساد وإصلاح طرق التدبير للمجال الترابي والإداري، وبناء مجتمع مدني قوي يكون بمثابة السلطة المضادة.

هذه الالتزامات وإن أوحت بمظهر جديد للدولة فهي لا تقف على الطرف النقيض إزاء برنامج بوتفليقة الذي سبق لتبون أن تعهد بتنفيذه. يبدو أن الالتزامات هي آلية جديدة هدفها تنفيذ برنامج تمخضت فكرته عن العشرية السوداء، وتبلورت مع عهدات بوتفليقة، ونضجت مع ثورات 2011 لتصبح مشروع الدولة المتناغم مع برنامج الرئيس الذي لا مناص من تنفيذه. 

حكومة 2021 ستسهر على تنفيذ "برنامج التغيير" الذي ظل طيلة ثلاثة عقود بين التعثر والتبلور (من الدخول إلى التعددية إلى اليوم).

صلب البرنامج هو الخروج المتدرج من النسق السياسي القديم مع الحفاظ على سلامة الدولة (عكس ما حدث في سوريا، العراق وليبيا واليمن)، و(خلافا لما حدث في تونس ومصر والسودان).

لقد نجح النسق السياسي بكل ريجيماته المتعاقبة في تجاوز كل الصعوبات التي اعترضته لكن دون أن يحقق أي انفراج داخلي أو خارجي أو أي تطور سياسي أو اقتصادي، فهل ستصمد الحكومة الحالية أمام التحديات الداخلية والإقليمية؟ وهل ستحدث فجوة في جدار الرفض الشعبي؟ وكيف ستتعاطى مع "شعب الحراك"؟ وهل ستنجح في تدبير الملفات المعقدة سواء المرئي منها الذي يتصدر الأحداث، أو اللامرئي الذي قد يطفو على سطح الأحداث في أي لحظة؟