يحتفل العالم برمته في اليوم المصادف لـ 5 جوان/يونيو من كل عام باليوم العالمي للبيئة، هذا الاحتفال هو مناسبة لتراجع الحكومات والشعوب نفسها أمام مسؤولية عظيمة، وهي الحفاظ على الحياة ومعرفة القيمة الحقيقية للطبيعة الأم. ولعل جائحة كورونا قد أعطتنا أحسن الدروس، خلال السنة الماضية لكي نتأمل بوضوح في التوازن البيئي، حيث لمست كل البشرية في جميع أنحاء المعمورة تغير أسلوب الطبيعة وتحسنها.

الجزائر وكغيرها من الدول، حرصت منذ مصادقتها على العديد من الاتفاقيات الدولية، على توفير الحماية للبيئة لتحقيق الرفاهية لمواطنيها بکرامة وفق متطلبات التنمية المستدامة. وعلى هذا الأساس جعلت قوانينها الوطنية تتماشى مع التزاماتها الدولية وتضمن قمع أي إعتداء على المحيط الذي يعيش فيه أفراد المجتمع، وعند استقراء النصوص القانونية المنظمة للبيئة، يتبين جليا إهتمام الدولة.

فمنذ بداية الألفية والمنظمة البيئية تعمل على تطبيق إعلان الأمم المتحدة لشهر سبتمبر 2000 للتنمية والذي من بين أهدافه حماية البيئة في معظم الدول المصادقة عليه. فکان لزاما على الحکومة الجزائرية أن تسن القانون رقم 03-10 المؤرخ في 19 يوليو2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، کما وفر المشرع الجزائري من خلال العديد من القوانين، التي سنها من أجل حماية البيئة بمختلف صورها وأشکالها، مضيفا حماية جزائية ضد کل إعتداء من شخص طبيعي أو معنوي يخل بالتزامات حددها القانون أو يرتكب سلوکات مخالفة له.

وأصبحت الجزائر بتنوعها البيئي والمناخي تشتمل على عدة مناطق مصنفة ومحمية وطنيا ودوليا، وعلى هذا الأساس تسعى الحكومة الجزائرية لبذل كل الجهود للحفاظ على هذا الموروث، من خلال حزمة من القوانين والإجراءات الاستباقية التي يمكن أن تحول دون حدوث ضرر، مع متابعة مستمرة لجميع الأنشطة الصناعية و الانتاجية التي قد يكون لها تأثير على البيئة و المحيط.

ورغم الاحتياطات و الاحترازات، قد تُفاجئنا حوادث و كوارث بيئية بين الفينة و الأخرى، مسببة أضرارا بالغة ونتائج وخيمة، بالفعل الانساني أو الحدث الطبيعي المتوقع و غير المتوقع، كما هو الحال مع حادث تسرب البترول من خط KO1 المار بوادي البعاج في دائرة المغير، التابعة لولاية وادي سوف ( جنوب شرق الجزائر)، في سبتمبر/أيلول سنة 2020، إذ أدت تقلبات جوية الى تصدع أنبوب البترول وتسربه لأزيد من 12 ساعة، في مجرى واد مهم للفلاحين و المزارعين بالمنطقة، وهو ما زاد من حجم الضرر.


واستعجل وقتها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، مرسلا وفدا وزاريا ترأسه وزير الداخلية والجماعات المحلية كمال بلجود، للوقوف على مخلفات التسرب بمنطقة البعاج في المغير، وأصدرت وزارة البيئة في بيان لها أن مديريتها بنفس الولاية ستعمل على إعداد تقرير مفصل حول الحادثة والأسباب، مع اقتراح لحلول سريعة لاستدراك الوضع بتظافر الجهود مع مؤسسة سوناطراك، التي تعتبر المسؤولة الأولى على التدخل في عين المكان و إزالة آثار التسرب.

وبدوره لم يدخر مجمع سوناطراك، جهدا في إصلاح العطب والوقوف على آثار الحادث، فأرسل فريقا متعدد التخصصات لإجراء تشخيص كامل على طول مجرى الواد، ومراقبة المنتظمة لنوعية المياه الجوفية لمدة سنة كاملة، وحشد المجمع جميع وسائله و الفروع التابعة له لامتصاص و شفط المياه الملوثة على طول الوادي.

وأما في الطور الثاني من التدخل، فوجهت مجموعة من المساعدات الى الفلاحين المتضررين، وعمل المجمع على حفر آبار جديدة و زودها حتى بالعتاد و الطاقة الشمسية، و هذا ما يعد مسؤولية مهنية و اجتماعية في نفس الوقت لأنها مؤسسة مواطنة بالدرجة الأولى.

الدولة الجزائرية ممثلة في وزيرها للداخلية والوزراء المعنيين بالتدخل، أكدت أنها سترافق المواطنين عامة، من خلال النظر الى حاجيات المنطقة والنقائص التنموية فيها، وتعويض الفلاحين المتضررين المجاورين للوادي، حتى يتمكنوا من العودة الى نشاطهم الاقتصادي، ومن جهة أخرى أبدت حرصها و بالتعاون مع مجمع سوناطراك على العمل من أجل محو كل آثار التسربات، وإعادة المنطقة الى طبيعتها الأولى.

اليوم وفي رسالة للمدير العام لمجمع سوناطراك توفيق حكار، وجهها بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، أكد أن المجمع يشترك بشكل فعال في النهج المتّبع للحفاظ على البيئة وحماية مجمل أنظمتها البيئية في الجزائر من أجل تنمية مستدامة ومسؤولة .

وأضاف قائلا " سنكثف جهودنا للتخفيف من حدة انبعاث غازات الاحتباس الحراري، من خلال تحسين كفاءتنا الطاقوية وتوقيف الحرق وإطلاق الغاز والتقليل من التسربات وغرس مساحات غابية ذات قدرات عالية على امتصاص غازات الاحتباس الحراري."

موضحا أن مجمع سوناطراك " لن يدخر جهدا لمواجهة المشاكل البيئية لحماية التنوع البيولوجي للتراث الطبيعي والحفاظ على جودة ووفرة الموارد المائية وجودة الهواء، واستغلال مواردنا الطبيعية بكفاءة من خلال اعتماد نهج استباقي يثمن الموارد الطبيعية ويساعد على تحفيز الاقتصاد والابتكار ويركز على المساهمات الإيجابية لجميع الأطراف الفاعلة وطنيا ودوليا”.

النفايات المنزلية من الضرر البيئي إلى الاقتصاد الدائري

ولإحياء اليوم العالمي بنشاط ذي أهمية، نظمت وزارة البيئة الجزائرية، من خلال الوكالة الوطنية للنفايات و بالتعاون مع كنفدرالية المؤسسات الكونغولية، الصالون الافتراضي الثاني حول النفايات، و الذي اختير له شعار "الاقتصاد الدائري في أفريقيا، فرص للاستثمار "، هذا الصالون جمع 170 عارضا مشاركا من مختلف بقاع العالم، من بينهم 20 دولة أفريقية.

ويمتد هذا الصالون من 5 الى 7 جوان/يونيو الجاري، وسيكون فرصة حقيقة  لفسح المجال للمؤسسات الجزائرية لدخول السوق الأفريقية الواعدة في مجال تسيير النفايات، وكذا تبادل الخبرات وتعزيز فرص الاستثمار في مجالات تثمين النفايات في أفريقيا عموما و الجزائر خصوصا.

إن الاستراتيجية الوطنية لتسيير النفايات التي أعدتها الدولة سنة 2019، رسمت ورقة طريق باشراك كامل الشركاء لمعالجة النفايات وتثمينها ورسكلتها، مع فتح شعب لجعلها مواد أولية، كي تصبح في صلب التنمية الاقتصادية، وجعلها مورد إضافي خارج المحروقات، ومساهمة أكيدة في جعلها جزءا منها حماية البيئة و المحيط.

إن ايجاد التوازن البيئي والحفاظ على مقدراته، هو مسؤولية جماعية وأمانة لأجيال قادمة، من حقها العيش في محيط آمن وصحي، و على هذا الأساس تعود المسؤولية الكبرى على كل المواطنين، بصفتهم أول المسؤولين على اختيار النمط السليم للعيش والتصرف العقلاني، للتعامل الأنسب مع البيئة.