بين اللغة الدبلوماسية التي تمتدح الاستقرار في الجزائر، وبين أحاديث الكواليس التي تبرز مخاوف حقيقية من مستقبلها القريب، يتحدث المسؤولون الأوروبيون بلسانين، الأول يحاول مسايرة السلطة في الجزائر ويتجنب إغضابها، والآخر يحلل الواقع في ضوء المعطيات الحالية للوضع السياسي والاقتصادي.

في خضم ذلك، يبدو القلق الأكبر عند جيران القارة العجوز، منصبا حول مرحلة ما بعد الرئيس بوتفليقة، قياسا إلى وضعه الصحي الحالي، بسبب مخاوفهم من انزلاق الوضع إلى المجهول، وما قد يُحدثه ذلك من تداعيات مباشرة على أمن المنطقة.

هذا الهاجس أصبح مسيطرا على مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى درجة الاعتراف، في لقائهم مع بعثة صحفية جزائرية زارت بروكسل، بأن شركاتهم الكبرى صارت متحفظة على المغامرة في استثمارات طويلة المدى في الجزائر، خشية المجهول في بلد لم يعرف، وفقهم، طريقه إلى الانتقال الديمقراطي السليم بعد، حسب صحيفة الخبر.

أكثر ما يميز البرلمانيين الأوروبيين عن باقي المسؤولين في المؤسسات الأوروبية، تحررهم من الدبلوماسية ولغة الخشب. أحد البرلمانيين الذي يعرف بأنه من أصدقاء المغرب العربي داخل البرلمان، استفاض في الحديث عن رؤيته للوضع السياسي في الجزائر التي يزورها باستمرار، قال إن أكثر ما يلفت انتباهه هو “التعب” الذي يميز الطبقة السياسية في الجزائر، ويربط البرلماني بين هذه الملاحظة وبين استمرار حزب جبهة التحرير الوطني في الحكم. “تبنينا دائما القضية الجزائرية، لكن لا ينبغي أن نبقى محصورين في الماضي”.

ويقول البرلماني إنه حينما “يحدث المسؤولين بهذه الصراحة، يرفضون الرد بكبرياء”، معقبا: “لكن الصداقة لا بد أن ترافقها دوما الصراحة، في ظل احترام البلد والسلطات طبعا. إما أن نكون صرحاء أو نلتف حول المشاكل”. ويضيف: “عندما ذهبت إلى الجزائر بعد الانتخابات الرئاسية وطلب مني رأيي حول العهدة الرابعة لبوتفليقة، قلت إن هناك صعوبات في مسار التجديد السياسي”. وتكمن خشية البرلماني في أن يكون البديل للرئيس بوتفليقة هي “القوى الراديكالية الإسلامية وتوقف مسار الإصلاحات السياسية”.

ويتوافق رأي برلماني آخر، تنحصر دائرة اهتمامه في الدول المغاربية، مع الطرح الأول، إذ يقول: “الوضعية السياسية في الجزائر صعبة لأن إعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة شكل بالنسبة إلينا انتقالا ديمقراطيا غير مكتمل، لذلك يجب على الجزائر أن تقوم بمجهودات لتغيير طبقتها السياسية وإيجاد طريق نظيف للديمقراطية”.

ويضيف: “أرى أن الجزائر ينبغي أن تأخذ طريقها في الانتقال الديمقراطي”. وعند سؤاله إن كان يعلم أنه يستعمل نفس مصطلح المعارضة الجزائرية، يقول: “أنا لا أعرف أفكار المعارضة وليس لي معها اتصالات، ولكن أستعمل المصطلح الذي استعمل في إسبانيا وقت فرانكو. لا أقول إن الوضع متشابه، فكل البلدان لها تجربتها الخاصة، لكن هذا المصطلح استعمل نهاية السبعينات”. ويقول هذا البرلماني الإسباني إن “هناك من يرى الاستقرار على شاكلة نظام بن علي في تونس، لكن بالنسبة لي، الاستقرار الحقيقي هو دولة القانون”.

ويعبر مسؤول في مصلحة السياسة الخارجية عما يقلق الجانب الأوروبي حيال الوضع في الجزائر قائلا: “ما يقلقنا في الجزائر هو الانتقال، لأن الرئيس مريض وهذا ليس سرا، وأيضا كيف تؤخذ القرارات في الجزائر ومن يتخذها؟ لا ندري إن كان الرئيس أو رجال الأعمال أو الجيش أو المخابرات.. الوضع غامض وغير شفاف.. أنا أتكلم مع دبلوماسيين جزائريين، وحتى هم يقولون إنهم قلقون من المستقبل. هناك حالة شك”.

كان مقررا أن نقابل برنارد سافاج، رئيس الوفد الأوروبي الذي زار الجزائر مؤخرا وأثار جدلا واسعا بلقائه الأحزاب السياسية. اعتذر الرجل في آخر لحظة، ربما لاستشعاره الحرج، لكن أحد أعضاء الوفد الأوروبي الذي حضر اللقاءات تكفل بمحاولة الإجابة عن الأسئلة التي طرحتها الزيارة. قال إنه تفاجأ كثيرا بالضجة التي أثيرت في الجزائر، لأن هذه الزيارات عادية جدا وتتم مع كل الدول التي يربطها مع الاتحاد الأوروبي اتفاق شراكة.

والغريب، حسبه، أن الزيارات كانت مبرمجة من الجانب الجزائري ولم تكن للوفد الأوروبي أي مسؤولية في برمجتها في هذا التوقيت الذي تزامن مع انتقال الرئيس بوتفليقة للعلاج في غرونوبل بفرنسا. وأضاف أن الوفد كان تقنيا محضا ولم يكن مسيّسا، فلم يكن ضمنه وزير أو سكرتير دولة، كان يرأسه مدير تقني في المصلحة.

وقال الدبلوماسي الأوروبي إن الوفد “ذهب لتحسس المناخ السياسي في الجزائر، وكان علينا الحديث مع الفاعلين السياسيين الشرعيين، سواء في السلطة أو المعارضة، حتى لا نتهم باختراع أشياء من عندنا حول الوضع في الجزائر.. وما دام هؤلاء سلميون وشرعيون، فما المانع من لقائهم؟ نحن لم نذهب لنقابل أنصار الشريعة. سيكون الأمر فعلا ميكيافيليا لو أن الاتحاد الأوروبي قام فعلا بترتيب هذه الزيارة عمدا مع صحة الرئيس”.