تاريخيا، لم تدخل الجزائر خط وساطة، باء بالفشل، وعلى الأقل، ربطت الجزائر جسور التلاقي بين خصوم في نزاعات دولية، أو نزاعات داخلية في الدولة الواحدة، خمس مرات، نجحت في أربعة، والخامسة بدأتها للتو.

احتضنت الجزائر فرقاء جارتها الشرقية، بدءا من الأمس، وهي “منتشية” بما تصفه “نجاح الحوار المالي بتوقيع اتفاق المصالحة بالجزائر”، قبل أيام، وعندما كان الخصوم السياسيون المسلحون، في مالي يوقعون اتفاق السلام، بجنان الميثاق، تبلورت ما يشبه قناعة تفيد بأن “السلام في ليبيا ممكن” وممكن جدا أن ينطلق من الجزائر، وبعيدا عن “تكهنات” المراقبين، واجتهادات محللي النزاعات الدولية، بشأن احتمالات نجاح أو فشل الحوار الليبي، فإن الفشل لم يكن مرافقا لوساطات دولية قادتها الجزائر أربع مرات، بمعنى أن الجزائر لا تدخل خط وساطة لا تعرف مسبقا إلى ما سيؤول، وعندما “خانها” تدافع الأحداث في إحلال مصالحة حقيقية بين الحركات السياسية الأزوادية المسلحة وحكومة باماكو، عام 2006، بعودة الخصوم هناك إلى الاقتتال، رغم توقيعهم، بالجزائر، اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الحوار أعيد بعثه من جديد وكلل بالنتيجة التي عرفت الأسبوع الماضي.

وإلى وقت قريب جدا، لم يكن جمع المتقاتلين، سياسيا وحربيا، في ليبيا، أمرا متاحا، حتى وإن توزعت قناعات الليبيين بين الرباط والجزائر، وما رافق هذا التشتت، من جدال حيال العاصمة التي ستنال، في النهاية، شرف احتضان الحوار الشامل، لكن، وبالنظر إلى حيثيات الحوار الليبي بالجزائر، هناك من يتحدث عن صورة “طبق الأصل”، للحوار الذي انطلق أمس بجنان الميثاق، بين الإخوة الأعداء، في ليبيا، مع حوار “الطائف”، الذي جمع الفصائل اللبنانية المتناحرة، ولعبت الجزائر دورا مركزيا في إحلال اتفاق “الطائف” بالسعودية، في عهد الشاذلي بن جديد عام 1989، بعد 15 سنة من اقتتال حوّل لبنان إلى أكوام من جمر.

وهناك وجها تشابه، بين الحوار الليبي في الجزائر، وحوار “الطائف” يكمن الأول في أن الحوارين انطلقا من وجود حكومتين تحكمان بلدا واحدا.

ففي لبنان، بلغت الأزمة أوجها بعد حصول فراغ في سدة الحكم، إثر انتهاء عهدة الرئيس أمين جميّل، وما تلا هذا الفراغ من انقسام السلطة إلى حكومتين، واحدة يرأسها سليم الحص والثانية يقودها ميشال عون.

تماما مثلما يحدث في ليبيا، ببلوغ الصراع انقساما في الحكم، بين حكومة طرابلس وحكومة طبرق.

أما الوجه الثاني للتشابه، حسب يومية الخبر، فيتعلق بمستوى التمثيل في الحوار، فاللبنانيون الذين شاركوا في حوار الطائف كانوا جلّهم من قيادات ما دون الصف الأول، وأغلبهم برلمانيون، تماما مثل التشكيل القيادي المشارك حاليا في حوار الفرقاء الليبيين في الجزائر، مما يعني أن مستوى التمثيل، بداية الحوار، ليس مستندا في الحكم على نتائجه المحتملة.

لكن، لما كان وزير الخارجية الجزائري آنذاك، سيد احمد غزالي، يكرّم مع مواطنه، ممثل الأمم المتحدة في حوار الطائف، الأخضر الإبراهيمي، كان بلدهما الجزائر يغرق في دوامة العنف، في البدايات الأولى للإرهاب، لكن العنف، كان له مدلول دبلوماسي أيضا، فالجزائر خسرت قائدها الدبلوماسي، محمد الصديق بن يحي، وزير الخارجية الذي لقبه الاستعمار الفرنسي بـ«ثعلب الصحراء”، إثر “إسقاط” طائرته بين الحدود العراقية التركية، يوم 3 ماي 1982، وهو في مهمة لإيقاف الحرب بين العراق وإيران، وقبل هذه الفاجعة، بسبع سنوات، كان الراحل هواري بومدين، نجح في تسوية النزاع بين البلدين، وفقا لما عرف بـ«اتفاق الجزائر”، الذي أبرمه كل من نائب الرئيس العراقي آنذاك، صدام حسين وشاه إيران محمد رضا بهلوي.

لكن ومنذ 1989، لم تتدخل الجزائر في أي تسوية لنزاع ذي طابع دولي، واكتفت بتسيير أزمة أمنية، رفضت أن تكون محل “تسوية خارجية”.

في عام 2000، أرادت الجزائر تبني وصفات لأزمات دولية، بغية العودة إلى الواجهة، حينما أراد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة توقيع بصمة في سجله، مثلما فعل الرئيس الراحل هواري بومدين في ملف العراق وإيران.

وكلف من أجل ذلك، أحمد أويحيى، لإطلاق جولات حوار بين أثيوبيا وإريتريا، المتقاتلتان على الحدود، كللت بتوقيع اتفاق سلام، شهر ديسمبر من ذلك العام، بقصر الأمم في الجزائر العاصمة، في حفل حضره رئيسا البلدين ووزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت والأمين العام للأمم المتحدة، كوفي عنان.