يوم الـ24 من أغسطس الماضي، أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة إن بلاده اتخذت قرارا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب على خلفية تصاعد التوتر بين الجانبين في علاقة بعدد من الملفات على رأسها قضية الصحراء الغربية التي يعود الخلاف حولها إلى عقود طويلة، ولم تنجح أي محاولات بينيّة أو إقليمية في إيجاد ثغرات لحلها. الموقف الجزائري قوبل بتصريحات "مستغربة" من الخارجية المغربية، ثم بسحب الرباط لسفيرها في الجزائر، والإبقاء فقط على العمل القنصلي تسييرا لمصالح مواطني البلدين، بما يؤشر على تواصل الأزمة بين البلدين.
وقبل القرار الجزائري، كان المغرب قد دعا إلى طي صفحة الخلافات وفتح الحدود البرية وذلك عبر رسالة توجه بها الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 22 عيد العرش، وهي تصريحات أعقبت كلاما لممثل المملكة في الأمم المتحدة ذهب فيه إلى الأقصى في علاقة بمنطقة "القبائل" والحديث عنها كدولة، وهي في الواقع نوع من الإشارات أو الردود غير المباشرة للجزائر التي تدعم فكرة الدولة وتقرير المصير بالنسبة إلى الصحراء، وهذا ليس خاف على أحد منذ سنوات طويلة.
وكان الدبلوماسي المغربي قد قال في اجتماع لحركة عدم الانحياز نهاية شهر ييوليو الماضي، "الشعب القبائلي يجب أن يسمع وأن يحقق مطالبه.. على الأسرة الدولية أن تساعده في ذلك وترافقه في مشروعه السياسي الذي يجب أن يفض إلى الحكم الذاتي والاستقلال"، وهو كلام خلف غضبا كبيرا شعبيا ورسميا في الجزائر فرضت على وزارة الخارجية استدعاء السفير المغربي في مرحلة أولى. كما خلفت ردود فعل حتى لدى بعض المثقفين، حيث اعتبر الكاتب الجزائري ناصر جابي "يمكن أن ينسف ما تبقى من أواصر أخوة بين الشعبين الجزائري والمغربي، في هذا الظرف الإقليمي المضطرب الذي يراد فيه للجنوب الجزائري التحول إلى بؤرة توتر ومجال للاختراقات".، بحسب ما نقل موقع BBC في وقت سابق.
ما قالة المسؤول المغربي رأى البعض أنه قنبلة خطيرة ألقاها في هيكل دولي كبير، وقد يفتح المجال أمام عقبات لا يمكن تصوّرها، خاصة شعبيا بسبب التراشق بالتهم، وهذا غير مألوف بين البلدين الجارين على مستوى شعبي، حيث كانت العلاقة بين الشعبين حتى في أحلك فترات الخلاف السياسي، طيبة تؤكده مشاهد الترحيب على معبر "زوج بغال" الفاصل والتي تحمل في الكثير من المرات لحظات مؤثؤرة خاصة بين العائلات المقسّمة بين البلدين.
لكن الملك المغربي وفي محاولة لتخفيف الغضب الجزائري في ذلك الوقت، قال في رسالته "إنني أدعو الرئيس الجزائري، إلى العمل في انسجام تام من أجل تنمية العلاقات الأخوية التي أقامها شعبينا خلال سنوات النضال المشترك.. لن تخافوا أبدا من المغرب... إن أمن واستقرار الجزائر، وهدوء شعبها ثوابت مرتبطة عضويا بأمن واستقرار المغرب"، لكنها كانت رسالة متأخرة، أجابت عنها الجزائر، بخطاب للرئيس عبد المجيد تبون الذي علق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على كلام محمد السادس بالقول أن بلاده "مستعدة لحل المشاكل بين الطرفين واحتضان لقاء بينهما على أرض الجزائر ولكن بما يرضي الطرفين"، مع مطالبة الدبلوماسية المغربية بتوضيح وتفسير ما ردده السفير المغربي في اجتماع دول عدم الانحياز.
وفي اليوم الذي أعلن فيه وزير الخارجية الجزائري عن قطع العلاقة مع الرباط، فُتح خلاف جديد في علاقة بالاتحاد الإفريقي بسبب كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي تسعى دول نافذة في الاتحاد ومنها المغرب، إلى منحه صفة مراقب وهو ما صعّد من الغضب الجزائري، الذي يتقبل مجرّد الحديث عن المسألة على اعتبار الكيان معاد للدول العربية ويحمل تاريخا دمويا بحق الفلسطينيين، لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول عضويته، وهو موقف مؤيّد من دول أخرى منها تونس عربيا.
الخلاف بين المغرب والجزائر ليس جديدا، عشريات طويلة كانت تحمل بذوره. منذ سنوات الاستقلال وترسيم الحدود وبناء الدولة بدأت الهوّة. كانت الوضع يتخذ مناحي كثيرة، ثم يهدأ في سياقات محلية وإقليمية، ثم يتصاعد مجددا. لكن أغلب المتابعين للشأن المغاربي يعتبرون أن ما يحصل بين البلدين لم يعيشانه منذ ثلاثة عقود على الأقل، وهذا ما حرّك حتى المواقف العربية والدولية بحثا عن تهدئة للأوضاع وإعادة الأمور على الأقل إلى الوضع السابق لأن التفاؤل بتطبيع كامل للعلاقة مازال مبكرا ويحتاج ربما سنوات للحل في ظل غياب الثقة والاعتقاد الدائم بالمؤامرة من الجهتين.
الثابت اليوم أن العلاقة بين الرباط والجزائر هي في أسوء حالاتها. لا يبدو أن أحدا يريد تنازلا تاما لإرضاء الآخر أو لأجل صيغة تنهي سنوات الخلاف، وكلاهما يريد أن يقوي تحالفاته باعتبار أن الرأي العام الدولي محدد في العديد من القضايا. وعلى الرغم من الإشارات القليلة لتحسين العلاقات خاصة من الجانب المغربي إلا أن درجة الخلاف بلغت مستوياتٍ، العودة معها إلى وضع التهدئة، تحتاج وقتا.