في زيارة غير معلنة، حلوزيرالخارجية الروسي سيرغي لافروف بالجزائر في العاشر من شهر مايو الجاريفي لقاء "لإحياء علاقات دبلوماسية تاريخية تربط البلدين"، تناول خلاله الطرفان ملفات كثيرة من بينها الملف الطاقي والتعاون العسكري والإستراتيجي كما تم على هامش هذه الزيارة دعوة الرئيس الجزائري عبد الحميد تبون لزيارة روسيا.
وبقدر ما يرى الكثيرون أنه "تحرك روسي ذكي لحشد حلفاء"، من شمال إفريقيا خاصة مع حضورها في الملف الليبي واستدعائها للرئيس التونسي مؤخرا، يرى البعض الآخر أنها دبلوماسية عادية تؤكد على سيرورة واستمرار العلاقات الروسية مع دول تربطها بها مصالح مشتركة وعلاقات تاريخية.
في إحدى الأبحاث التحليلية التابعة لمركز دراسات جزائري يقول كاتب المقال الإفتتاحي "تعتبر الجزائر حلقة رئيسية في سياسة روسيا المغاربية بل والإفريقية، ليس فقط نتيجة للاعتباراتالايديولوجيةالقديمة التي تميز العلاقات الجزائرية الروسية منذ استقلال الجزائر، بل تتعدى ذلك إلى العمل أيضا على تطوير المصالح الاقتصادية بالتركيز على ثلاث قطاعات رئيسية هي الطاقة (النفط والغاز)، والتعاون التقني في المجالات الصناعية والتنموية، والتعاون العسكري..كما أن واقع العلاقات الروسية – الجزائرية محكوم بعدة أبعاد مرتبطة بميراث تاريخي، وشبكة حسابات جيوسياسية، طاقوية وعسكرية، وبالتالي هناك مصالح مشتركة بين الجزائر وروسيا تزيد من عمق التحالف الإستراتيجي".
تعود العلاقات الروسية الجزائرية إلى عام 1962 تاريخ استقلال الجزائر،حيث كان الاتحاد السوفييتي من أبرز الدول التي ساندت حرب التحرير الجزائرية سياسيا وعسكريا، وكانت أول دولة في العالم تعترف بالحكومة الجزائرية المؤقتةوأقامت معها علاقات دبلوماسية رسمية. لتتالىبعد ذلك الزيارات المتبادلة واتفاقيات التعاون والشراكة في مجالات عديدة.
التزمت الجزائر منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية موقف الحيادحيث كشف مدير الاتصال والإعلام بوزارة الخارجية عبد الحميد عبداوي، عن الموقف الجزائري مؤكدا أن سياسة الدولة الجزائرية في خصوص المسائل الدولية، واضحة وهي عدم التدخل في النزاعات بين البلدان، وهو المبدأ ذاته من الحرب الروسية الأوكرانية. واستنكرت الخارجية الجزائرية في سياق متصل، ما قامت به السفارة الأوكرانية بالجزائروالتي دعت الجزائريين للمشاركة في الحرب والدفاع عن أوكرانيا ضد روسيا قائلا "الجزائر لن تشارك عبر مواطنيها في أي نزاع. الجزائر تنأى بالنفس عن التدخل في أي نزاع وهذا واضح بالنسبة للجميع".
كما جددت الجزائر دعمها للمفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا من أجل وقف العمليات العسكرية عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية الدولية الرامية لحل الأزمة الراهنة،من جانبه وصف وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زيارته اللأخيرة للجزائر موقفها من أزمة أوكرانيا بـ"المتزن". قائلا أن "بلاده تقدر عاليا الموقف الجزائري المتزن حيال العملية العسكرية الجارية في أوكرانيا، سواء على مستوى الجانب الثنائي أو في المحافل الدولية."
من جهة أخرى تعتبر الجزائر البلد المغاربي الوحيد الذي لا يستورد القمح "أساس الأزمة الغذائية التي تهدد العالم"من روسيا وأوكرانيا وفقا لإحصائيات مركز التعقيد الإقتصادي oec.world، إذا تعتبر معظم وارداتها من فرنسا وألمانيا، وبعد خلاف دبلوماسي مع فرنسا أواخر عام 2021 دفعها إلى حظر واردات القمح منها.
أما في المجال الطاقي، ولئن اعتبرنا أنالجزائر قد تكون من الدول التي يمكن أن تتأثر إيجابيا من الحرب الروسيةالأوكرانية، باعتبارصادراتها من الغازإلا أنإنتاجية الغاز الجزائري تبقى ضعيفة، مقارنة مع نظيرتها الروسية، وأوضح الرئيس التنفيذي الأسبق لسوناطراكفي تصريحات إعلامية خاصة لإحدى القنوات الأجنبة،أن الجزائر تصدر في أحسن الأحوال ما بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب إلى إيطاليا، ونحو 12 ملياراً إلى البرتغال وإسبانيا، وكميات أخرى أقل نحو فرنسا وتركيا واليونان ودول أخرى. قائلا "كميات الغاز التي تصدرها الجزائر سنويا إلى أوروبا تفوق 42 مليار متر مكعب، بينما بإمكان أنبوب روسي واحد أن يضخ هذه الكميات".
ورغم ذلك فإن الجزائر ستكون أحد المستفيدين من الحرب في المجال الطاقي والأقل تأثّرا بين الدول المغاربية وربما ستكون أيضا البديل الرئيسي لروسيا في أوروبا، رغم استحالة تغطية الضخ الهائل للغاز الروسي الذي يغطي 40 % من الحاجيات الأوروبية.يعتبر الكثيرون أن الجزائر في أزمة الحرب هذه تمر بتجربة هامة لقوة دبلوماسيتها حيث تقف موقف الحياد بين خيارين، البديل لأجل مصالحها أو الحليف حفاظا على مصالحها أيضا، موقف يراه البعض صعبا ويراه البعض الآخر جريئا يثبت قوة الدبلوماسية الجزائرية وقدرتها على الحفاظ على دائرة حلفائها رغم خلافاتهم. ولا يمكن اعتبار الجزائر فائزا في تداعيات الحرب الوخيمة التي تلقي بضلالها على العالم أجمع وتنذر بانفجار للأسعار وأزمة غذاء حادة في الأفق في حال استمرارها.