التحق أمير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب مصعب عبد الودود عبد المالك درودكال بالجبال لقتال السلطات الجزائرية قبل 20 سنة تقريبا، قاتل خلالها بشراسة في صفوف تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة ثم تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال ثم الفرع المغاربي لتنظيم القاعدة الدولي، بينما قاتل بعض زملائه في التنظيم جنبا إلى جنب مع أسامة بن لادن في حرب أفغانستان الأولى، ويبدوا هذا حسب الخبير الأمني الجزائري الدكتور عبد الحق نوسي أكثر من كافي بالنسبة لعبد المالك درودكال كي لا يبايع البغدادي أميرا عليه لأن الأسبقية بـ “الجهاد ضد الطغاة” تأتي لصالح درودكال الذي يرى أن البغدادي وجماعته رغم ما مر بهم من أحداث وأهوال حديثو العهد بالجهاد.
جاء تأسيس تنظيم جند الخلافة في الجزائر الذي بايع البغدادي خليفة للمسلمين في الجزائر لكي يدشن مرحلة جديدة من النزاع المسلح بين السلطات الجزائرية من جهة والجماعات السلفية الجهادية في الجزائر من جهة ثانية، وبتأسيس جند الخلافة يكون قد تعاقب على قتال النظام الجزائري منذ إلغاء المسار الانتخابي في الجزائر قبل أكثر من 22 سنة 6 منظمات، هي الحركة الإسلامية المسلحة الموالية لحزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ الفائز في الدور الأول من أول انتخابات تشريعية ديمقراطية في الجزائر في ديسمبر 1991، ثم أسس من بقي على قيد الحياة من قادة الحركة الإسلامية المسلحة الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي دخل في مفاوضات مع السلطات الجزائرية انتهت بالإتفاق على عودة آلاف المقاتلين الإسلاميين إلى بيوتهم وبعد صدور عفو عام عنهم بداية من عام 1999، وقرر سلفيون متشددون في عام 1992 تأسيس الجماعة الإسلامية المسلحة التي يعتبرها متابعون بروفا سبقت داعش بمراحل في ممارسة التقتيل الأعمى، وما لبث أن تمرد المئات من أعضاء الجماعة الإسلامية المسلحة التي كانت تعرف على نطاق واسع باسم “الجيا GIA” على أميرهم عنتر زوابري وأسسوا في جبال شرق العاصمة الجزائرية الجماعة السلفية للدعوة القتال، ثم في غضون سنوات قرر عبد المالك درودكال مبايعة ابن لادن، وبعد أكثر من 22 سنة من القتال يقرر عبد المالك قوري وهو من الجيل الثاني في الجماعات الإسلامية المتشددة في الجزائر تأسيس جماعة جند الخلافة في الجزائر.
ويأتي هذا التطور لكي يختزل أكثر من عقدين من عمر الصراع المسلح في الجزائر من موضوع التمرد المسلح ضد نظام اتهمه الإسلاميون في عام 1992 بـ “الانقلاب على إرادة الشعب الجزائري” إلى تحويل الجزائر ومعها دول عدة إلى ولاية في دولة البغدادي.
جاء إعلان أمير كتيبة الملثمين المطلوب دوليا بتهمة الإرهاب مختار بلمختار أو خالد أبو العباس عن الولاء المطلق لأمير القيادة العامة لتنظيم القاعدة الدولي أيمن الظواهري قبل عدة أشهر أو كما يلقب بـ “الحكيم” لتأكيد تقارير أمنية سرية للغاية، أكدت كلها أن الخلافات في أعلى هرم قيادات تنظيم القاعدة على المستوى العالمي انتقلت بسرعة إلى الجزائر وإلى منطقة المغرب العربي والساحل، وتأكدت من خلال اعلان مختار بلمختار الولاء للظواهري، وجاء هذا الإعلان حسب مصادر قالت لـ”راي اليوم” من أجل ترجيح كفة أحد أقوى الأجنحة في تنظيم القاعدة المغاربي بعد أن تأكد الخلاف القوي بين الظواهري ودرودكال، وقد قرر مختار بلمختار دعم الجناح التابع للظواهري في قاعدة المغرب من أجل إضعاف موقف درودكال.
قرر مختار بلمختار الوقوف في نفس الصف مع أيمن الظواهري وأمير جبهة النصرة في سوريا ابو محمد الجولاني ضد حلف آخر بدأ يتشكل بين منشقين عن عبد المالك درودكال وعلى رأسهم عثمان العاصمي عبد المالك قوري وإمارة الدولة الإسلامية في العراق الشام، وقالت مصادر أمنية تتابع تطورات الملف إن السبب الرئيسي للخلاف هو عدم تأييد الظواهري للجهاد في شمال مالي ضد القوات الفرنسية وتأييده لحرب جبهة النصرة ضد النظام السوري على حساب باقي فروع تنظيم القاعدة على المستوى العالمي، وقال مصدر امني عليم إن إعلان مختار بلمختار البيعة والولاء للظواهري في هذا الوقت حسمت الموضوع، وأكدت أن الخلافات في اعلى هرم تنظيم القاعدة بلغت مستوى غير مسبوق.
لكن رغم أن درودكال عبد المالك لم يتزحزح عن بيعته السابقة لأسامة بن لادن ثم خلفيته الظواهري فإن العلاقة بين درودكال وإمارة تنظيم القاعدة الدولي لم تكن أبدا على ما يرام، وقد كشف مصدر مطلع أن مصالح الأمن الجزائري المتخصصة في مكافحة الإرهاب رصدت خلافا بين درودكال وأيمن الظواهري منذ عام 2013، بعد أن تقلص عدد الجهاديين الملتحقين بساحات الحرب ضد القوات الفرنسية في شمال مالي حيث انزعج الرجل الأول في تنظيم القاعدة الدولي “الحكيم” أيمن الظواهري من البيان المنسوب لدرودكال والذي يرفض فيه امير تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التحاق الجهاديين من المنطقة المغاربية بالحرب في سوريا وقد طلبت مؤسسة الاندلس الذراع الإعلامي للقاعدة في بلاد المغرب الجهاديين من تونس المغرب والجزائر للقتال في شمال مالي، وأثار هذا البيان الذي تداولته المنتديات الجهادية السلفية غضب أمير تنظيم القاعدة الدولي الظواهري الذي ينظر للحرب في سوريا، حيث صرح في أحد مقالاته الحرب في سوريا ضد نظام الأسد والصفويين ـ يقصد الشيعة ـ المفصلية في تاريخ التيار الجهادي العالمي لأنها تحيي روح الجهاد في قلب شباب المسلمين”، ويرى الظواهري حسب خبراء في شؤون الارهاب الدولي أن الحرب في سوريا هي تكرار لتجربة أفغانستان على نطاق واسع حيث توفرت البيئة الحاضنة للجهاديين من خلال الحدود التركية السورية واللبنانية السورية المفتوحة أمام الجهاديين وتوفر الشباب الجهاديون وتوفر الدعم الدولي غير المباشر من بعض الدول المناهضة للسلطة الحاكمة في سوريا في مكان أفضل بكثير من أفغانستان وهو ما يسمح للجهاديين في العالم بإعادة تجربة أفغانستان في قلب العالم العربي وغير بعيد عن فلسطين ومصر، لكن هذه النظرة الإستراتيجية لأيمن الظواهري تواجه معارضة من درودكال الذي يرى أن عدم دعوة الظواهري صراحة للجهاد المقدس ضد فرنسا في شمال مالي حرم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب من جني ثمار نصر كان يمكن تحقيقه في المنطقة، ويؤيد الظواهري بشكل مطلق جبهة النصرة بسبب أنها قوة عسكرية محلية تبعد شبهة اليد الأجنبية عن التيار الجهادي السلفي في سوريا، كما أنها تتمتع بتأييد من قوى المعارضة السورية على عكس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، بينما يرى درودكال أن “الدعم الذي حصلت عليه جبهة النصرة لو أنه وجه لقوة ثانية لكنت قد تمكنت من سحق النظام السوري” وقد جاء هذا في مقتطف من بيان لمؤسسة الأندلس الذراع الإعلامي لقاعدة المغرب يقول فيه “لقد حقق المجاهدون في الجزائر قبل عقدين من الزمن انتصارات مدوية في وقت كان فيه العالم كله يحاصر الجهاد في الجزائر وأشكو على اسقاط النظام الطاغوتي منتصف التسعينات لولا اختراق المخابرات لقيادات الجهاد لكن الله يسر للجهاد قيادة حكيمة جديدة ونرى الآن أن الجهاد في بعض البلاد يتعثر نتيجة غياب قيادة حكيمة أو نتيجة وجد انقسامات في صفوف المجاهدين” .
وإذا كان درودكال يحس بأنه تعرض للخيانة من الظواهري فهذا أيضا شأن البغدادي أمير تنظيم الدولة الاسلامية في العراق الشام والذي وجد نفسه في نفس الصف مع درودكال، وقالت المصادر لـ”راي اليوم” إن بعض أعضاء مجلس أعيان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب يعارضون الخلاف بين أميرهم درودكال والظواهري ويعارضون أي تحالف مع جماعة الدولة الاسلامية في العراق والشام، ولهذا اختار بلمختار إعلان الولاء للظواهري في هذا الوقت بالتحديد .

“راي اليوم”