منذ أحداث 2011، يعتبر الجنوب الليبي، من أكثر المناطق توترا حيث يقع تحت سيطرة مجموعات قبلية مسلحة صغيرة، والجماعات المسلحة العابرة للحدود، ويمثل غياب الأمن وتفشي الفوضى في هذه المنطقة المهمشة البوابة الأمثل لتنظيم "داعش" الإرهابي للعودة مجددا إلى المشهد الليبي ما ينذر بمزيد من التعقيدات.
إثر سنوات من الفوضى العجاف ؛ بدأت قوات الجيش الليبي، الأربعاء، عملية عسكرية لـ"تطهير" جنوب البلاد من الإرهابيين. إلا أن حل معضلة الجنوب ليست بالسهلة نظرا لتعقّج المشهد هناك حيث تتعدّد الأطراف المتدخّلة.
ويسيطر على الجنوب الليبي، الذي تبلغ مساحته 551 ألف كيلومتر مربع، الطابع القبلي، بوجود ما لا يقل عن 20 قبيلة، بعضها عربية وأخرى موزعة بين الطوارق والتبو.
قبائل التبو لها أذرع مسلحة قوية محلياً، كما أن لها ارتباطاً واضحاً بقوات المعارضة التشادية التي تنتمي بعض فصائلها للتبو التشاديين إذ ينشط مسلحوها في عمليات التهريب سواء للأسلحة أو البشر عبر الحدود الجنوبية وأهم مواردها مناجم الذهب التي تحفل بها مناطق سيطرتها و تمكنت من السيطرة على القطرون وأم الأرانب ومرزق وتراغن وصولاً إلى مناطق تيبستي الحدودية مع تشاد.
من جانب آخر تعتبر قبائل الطوارق أكثر الميليشيات تنظيماً، إذ تمتلك لواء مسلحاً يقوده اللواء علي كنه ويعرف بلواء المغاوير إذ تُعتبر غات، أقصى الجنوب الغربي، قاعدة نفوذها، بالإضافة إلى عدد من المناطق باتجاه الشمال، وصولاً إلى أوباري التي تُعتبر نقطة التماس مع قبائل التبو.
أما عن المعارضة التشادية فتعتبر خليط من قوات معارضة لنظام إدريس ديبي، من أهمها مقاتلو الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد و المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية. وبسبب علاقات قبلية تربط بعضها بقبائل التبو، وجدت في مناطق الجنوب مأوى لها ومنطلقاً لممارسة نشاطها ضد النظام التشادي، مستفيدة من المردود المالي الذي توفّره نشاطات التهريب عبر الحدود والتنقيب في مناجم الذهب.
يرى مراقبون أن حدود المنطقة الجنوبية مع تشاد و هي دولة غير مستقرة أمنيا و سياسيا فضلا عن تنوّع المعطى القبلي الإثني بها و الصراع التاريخي بين مكوناته دون نسيان الثروات الطبيعية التي تعج بها المنطقة الجنوبية جعلت منها دائمة التوتر.
في هذا الإطار،قال الكاتب الصحافي والمحلل السياسي، فوزي الحداد، إنَّ الواقع يَفرض أولاَ، أنْ تتوجه قوة وطنية إلى الجنوب الليبي لإنهاء الأزمات الموجودة في المنطقة الجنوبية.
وأضاف الحداد، خلال لقائهِ على قناة الغد الإخبارية،: "كنا نُنادي مُنذ فترةٍ طويلة، أنْ يَقوم الجيش الليبي بـ الانتشار في الجنوب مَنعًا للاضطرابات المُتلاحقة التي تَحدث هُناك، حتى أنَّ الجنوب أصبح مرتعًا للمعارضة التشادية والسودانية، إضافة إلى كل عصابات التطرف والإرهاب، وهو أيضًا منطقة شاسعة للغاية".
وأوضح الحداد، أنَّ العجيب في المنطقة الجنوبية، أنها مليئة بالخيرات، وأنَّ أكثر من 70% من ثروة النفط الليبي تَنبع من أماكن في الجنوب الليبي.
الصراع ليس بين المجموعات المسلحة فقط على أرض الجنوب الغني بالثروات النفطية وأساسا بين عملاقي التنقيب واستخراج النفط إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية في حرب مستعرّة وخفيّة تدور رحاها على أرض باتت مجالا للفوضى والمتغيرات المتتالية.
ففرنسا التي تتواجد عسكريا في الصحراء الإفريقية تدعم بشكل واضح الجنرال خليفة حفتر في محاولة لبسط نفوذها على جنوب وشرق البلاد من أجل فتح بوابة نحو إفريقيا.
أما إيطاليا لا تخفي دعمها لحكومة الوفاق وللحل السياسي المدعوم أمميا الذي تقوده بنفسها لحلحلة الأزمة في ليبيا، أما هزيمة حفتر فتمثل هزيمة مذلّة للفرنسيين حسب مراقبين إيطاليين.
الصراع الفرنسي الإيطالي ليس الوحيد في الجنوب الليبي، فـالكيان الصهيوني بدوره يتحرّك بكثافة مع حليفته التشاد من أجل إقامة دولة لقبائل التبو في المنطقة. وهو ما قد يزيد من تعقيدات الصراع الخفي حيث التضاريس الوعرة، وحيث لا ترصد الكاميرا ووسائل الإعلام كثيرا وبدقّة ما يحدث من كواليس ومتغيرات.