لقد كان لمؤامرات نظام ألقذافي في كلٍ من السودان وتشاد والنيجر تأثيرات كبيرة على النسيج الاجتماعي والقبلي للقبائل الليبية ومكونات المجتمع الليبي من تبو وأمازيغ وعرب فهذه المكونات معترف بها في منظومة المكونات المكونة للدولة الليبية إلا أن نظام ألقذافي حاول الإساءة إلى ديموغرافيا ليبيا السكانية بمنحه الجنسية الليبية لعدد كبير من الأفارقة من جنوب الصحراء بهدف تدمير مكونات الشعب الليبي الرافض لسياساته الغريبة ولا يمكن استثناء الحدود الليبية والديموغرافيا السكانية في الجنوب الليبي من أوجه العلاقات الليبية مع الدول المجاورة لنا في الجنوب.

ونعرض هنا ما جاء في دراسة الباحث التشادي محمد علي كلياني, والتي حملت عنوان: قراءة في مستقبل العلاقات الليبية التشادية بعد ألقذافي لسبر غور هذه العلاقات والذي نشر في موقعTchadenligne.com  حيث يقول الباحث:

ما هي دواعي اعتراف حكومة ديبي بالمجلس الانتقالي في ليبيا؟ أين هي الأموال الليبيةالمهربة إلى تشاد؟ وما هو مصير المرتزقة الذين تم القبض عليهم في معارك طرابلس الأخيرة ؟ وما هي مخاوف ديبي الحقيقية من انعكاسات الأزمة الليبية على نظامه في أنجامينا؟

في البدء لابد لنا من التطرق إلى جملة من القضايا السياسية والاجتماعية بين تشاد وليبيا قبل مناقشة مستقبل العلاقات بين البلدين والإجابة على التساؤلات أعلاه، لأن العلاقات بين البلدين ستكون محل تغيير شديد، وتبدأ مرحلة جديدة ومختلفة عن سابق عهدها بعد42 سنة من حكم العقيد معمرألقذافي, الذي جعل من تشاد وشعبها حليفة للأمن الاستراتيجي لحكمه البائد، ولنا عظيم الشرف أن نناقش تلك العلاقة وهي تشهد تحولا جديدا ومغايرا لما عهدته خلال حقب ماضية اتسمت بعوامل الشد والجذب والتصعيد بين الجانبين.

العلاقات الاجتماعية والثقافية:

لقد كانت العلاقات الاجتماعية والثقافية بين الشعبين قديمة قدم الزمان والمكان، حيث كان التداخل القبلي والاجتماعي والنضال المشترك ضد احتلال البلدين أبرز الشواهد التي يمكن أن يستدل بها أي إنسان يريد سرد تطورات العلاقة بين تشاد وليبيا عبر التاريخ، وإن أوضح مثال لذلك هو عندما تعرضت ليبيا للهجمة الاستعمارية الإيطالية هبت قوى تشادية للوقوف مع أبناء الشعب الليبي لمحاربة الجبهة الغازية، فقد تعاضدت جهود القبائل المشتركة لصد الغزاة، ومن أبرز تلك المعارك التي قادها الرعيل الأول، هي معركة)حرب الأنصار عام1899/1913م(، وقد كان ذلك النضال تقوم بتنظيمه جماعات دينية تنتمي إلى الطريقة السنوسية، وكان الليبيون المتواجدون في تشاد يخشون من أن يقضي مجيء القوات الفرنسية(النصرانية)على ما بناه المسلمون في هذه المناطق البعيدة.. فالدعوة السنوسية كان لها نفوذ ديني كبير خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر في(بوركو ) و( أنيدي ) و( تبيستي) و( كانم ) و( واداي)،حيث انتشرت الزوايا السنوسية في معظم المناطق التشادية.، وتشير المصادر التاريخية إلى أن الكثير من المعارك المشتركة التي قادها قادة البلدين في كل من بئر علالي وزقيي وعين كلكا، كانت  ملحمة تاريخية جمعت الشعبين في نضال موحد ضد الغزو الخارجي، وفي تلك الفترة ظلت أسماء قبائل كبيرة ليبية وتشادية تتجلجل سمعتها بين البلدين، وأهمها):المغاربة، القذاذفة، أولاد سليمان، ورفلة ) وحلفاؤهم من التنجور والقرعانوالتبو, وغيرها من القبائل التشادية والليبيةالأخرى، كما هو مبين بوضوح في نص تقرير الملازمديفور, المنسق الحربي الفرنسي والذي وصف الهجوم المشترك للقبائل ضد جيشه الغازي، فقال:"أتشرف بمراسلتكم وإبلاغكم بأنه تمت مهاجمتنا هذا الصباح وعلى تمام الساعة الرابعة فجراً من قِبل(سيدي) عبد الله الطوير ورجاله البالغ عددهم ثلاث مئة رجل ونيف، ويرافقهم في هذا الهجوم كلٌّ من محمد السنِّي وبعض الجنود الأتراك والقرعانوالتبو، وفي أول التحام(للعدو) بنا استطاع أن يتقدم بعد اشتباكات عنيفة وقصيرة، ولكن سرعان ما انقلبت الأمور لصالحنا وذلك نظراً لتحصن جنودنا بالخندق الذي تم حفره استعداداً لهذا الهجوم وفق ما توافر لدينا من معلومات عنه مسبقاً، واستطعنا إثر ذلك إبعادهم بعد تركهم عدد(67) من موتاهم و(63) بندقية و(6)غدّارات من طراز90، والتي سُلبت منّا في معركة(وشنكلي)، كما تمَّ أثناء مطاردتنا للفلول الفارّة من(العدو) قتل أربعة رجال، ومن المعتقد إثر هذا الهجوم أن(العدو) تكبّد عدداً كبيراً من الخسائر والجرحى،كنت عند وصول(سيدي)عبد الله الطوير ورجاله ضابطاً للغفروتم عقب سماع دوي إطلاق النيران إطلاق صفّارات الإنذار تنبيهاً بوصولهم، وجرت أحداث معركة مفاجئة وسريعة، كما كان الجنود في أماكنهم.

العلاقات السياسية – تمبلباي/القذافي:

ومنذ مجيء القذافي إلى السلطة في ليبيا دأبعلى خلق سياسة الزعزعة وتصدير التوتر وعدم الاستقرار إلى تشاد، وكان السبب في ذلك هو أنه يريد تفريغ النفوذ الثقافي والديني لسلطة السنوسيين في ليبيا وخارجها، ومن سوء طالع تشاد كانت السنوسية، كما سلف ذكره، أنها واحدة من الطرق الصوفية المتجذرة في وجدان المجتمعات التشادية في الشمال بجانب الطريقة التيجانية، ويرى العقيد, القذافي أن وجود قوى دينية ليبية لها أتباعها وبعدها الديني الخارجي، وتتخطى بدورها الحدود الليبية تشكل مصدر إزعاج دائم لسياساته الداخلية، فاعتمد سياسة تصدير التوتر والتصعيد مع تشاد لذاك السبب، أو لأسباب أخرى، فقد غازل القذافي الرئيس تمبلباي سياسيا ودعم أنشطة الثورة التشادية ضده مما أساء كثيرا إلى هيبة الدولة التشادية وهدد استقرارها سنوات طويلة.

احتلال شريط أوزو:

يعتبر قطاع أوزو أرضاً تشادية احتلها القذافيبطموحات توسعية نظرا لموقعه الاستراتيجي في الشمال ومتاخما للحدود الليبية التشادية، حيثتبلغ مساحته حوالي 600ميلا، والقطاع يتشكل من منطقة غنية باليورانيوم ومواد المنجنيز.وفي نزاعالقذافي للسيطرة عليه اندلعت حروب ومواجهات عنيفة بين تشاد وليبيا، وتمحور الصراع بين البلدين ليس حول أوزو فحسب بل امتد بعض منه إلى أنوصل النزاع المسلح إلى العمق التشادي، فقد قامالقذافي بدعم حركات تمرد تشادية موالية لنظامهيريد منها السيطرة على الحكم في أنجامينا، وقد كلف ذلك النزاع الخزينة الليبية مبلغ ملياريْ دولارأمريكي من أجل تحقيق طموح القذافي في تشاد والسيطرة عليها سياسيا وعسكريا وثقافيا، وعندما آلت السلطة إلى الرئيس الأسبق كوكوني ودايبمساعدة القذافي دخلت القوات الليبية تشاد وانتشرت في معظم أراضيها وتم توزيع الفكرالقذافي الجديد ممثلا في منشورات الكتاب الأخضر، وأذكر وقتها إنني كنت شابا يافعا، فإن بعض المدن التشادية كانت استبدلت العملة المحلية بالدينار الليبي وتم تداوله بكل بسهولة.

صحيفة فسانيا: دراسات

توثيق: أبوبكر مصطفى خليفة

قسم الدراسات والأبحاث- صحيفة فسانيا