تسيطر على ليبيا ظروف بالغة التعقيد في ظل الخلافات القائمة بين أطراف النزاع الداخلية سياسياً وعسكريا.ومع أجواء التحشيد والتموضع،تنطلق المحاولات الأممية في محاولة لايجاد حل سياسي ينهي أزمة الصراع المتواصل في دولة تعاني منذ سنوات من تداعيات الانقسامات على جميع المستويات.

وفي محاولة جديدة للبحث عن مخرج للأزمة الراهنة التي تعصف بالبلاد،طالب مبعوث الأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا غسان سلامة مجلس الأمن الدولي، بضرورة توسيع صلاحيات ولاية البعثة. ودعا غسان سلامة، الأربعاء، مجلس الأمن الدولي إلى إقرار بنود إضافية لولاية بعثته، لدعم وقف إطلاق النار ومنع تدفق السلاح.

وجاء ذلك في إفادة لسلامة عبر دائرة تلفزيونية من العاصمة الليبية طرابلس، لمجلس الأمن الدولي، في جلسة عقدها بالمقر الدائم للأمم المتحدة بنيويورك، حول "الحالة في ليبيا".وقال سلامة "أشجع هذا المجلس على النظر في وضع أحكام إضافية في ولاية البعثة، بما يعزز القدرة على وقف العنف الذي يتفاقم بسبب إمدادات الأسلحة والذخائر، وانتهاكات حظر تصدير السلاح التي تتواصل من قبل جميع أطراف النزاع".

وأضاف "يؤسفني أن حظر تصدير السلاح لم يكن فعالا، خصوصا منذ الرابع من أبريل الماضي"، تاريخ إطلاق الجيش الوطني الليبي لعملية تحرير طرابلس من الميليشيات والمجموعات الإرهابية.وأعلن سلامة اعتزامه التوجه إلى المغرب قريبا، في إطار "حملة مكثفة مع أصحاب المصلحة الدوليين، لتنظيم اجتماع مع الأطراف الليبية المعنية".وشدد على أنه "دون التزام كل الجهات الخارجية سيتواصل هذا النزاع".

وبدأ المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، حملة مكثفة مع الفاعلين الدوليين من أجل عقد مؤتمر دولي للأطراف المعنية بالأزمة الليبية لإنهاء النزاع واستئناف العملية السياسية في البلاد، تماهيا مع موقف مجموعة الدول الصناعية السبع، التي دعت إلى عقد مؤتمر دولي تشارك فيه كل الأطراف والفاعلون الإقليميون المعنيون بهذا النزاع، وأكدت دعمها للحل السياسي على حساب الحسم العسكري.

وشهدت الأيام القليلة الماضية تحركات مكثفة للمبعوث الأممي غسان سلامة حيث أجرى عدة لقاءات كان آخرها في مصر حيث التقى سلامة مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الإثنين،وقد بحث الطرفان مستجدات الوضع على الساحة الليبية، وسبل إنهاء الأزمة فيها،وفق بيان للخارجية المصرية.

وأوضحت الخارجية أن اللقاء تضمن "التشاور حول سُبل تفعيل المسار السياسي لتسوية الأزمة، واستعادة الأمن والاستقرار في ليبيا".وأطلع الممثل الأممي شكري على "آخر نتائج اتصالاته وجهوده لإنهاء الأزمة".فيما تحدث شكري عن "أهمية التوصل لتسوية سياسية شاملة في ليبيا، بما يحافظ على وحدتها وسلامتها الإقليمية ضمن تصور شامل لتنفيذ الاستحقاقات السياسية".

وقبل ذلك، التقى المبعوث الأممي، الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط.وتناول اللقاء آخر المستجدات العسكرية والأمنية والسياسية على الساحة الليبية وسبل تعزيز الجهود لإيقاف القتال الدائر حول طرابلس، وفق بيان للجامعة العربية.وأكد الجانبان على ضروة "العودة إلى المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة باعتبار أنه لا يوجد أي حل عسكري للأزمة الليبية".

والأسبوع الماضي،زار المبعوث الأممي تونس حيث التقى مع رئيس الجمهورية المؤقت، محمد الناصر،الذي عبّر، وفق بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية، عن تقديره للجهود التي يقوم بها رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومبادراته من أجل إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية.وجدّد تأكيد مواصلة دعم تونس وتأييدها للمبعوث الأممي ولخطته في ليبيا بما يسمح بحقن دماء الأشقاء في ليبيا والعودة إلى طاولة المفاوضات واستئناف العملية السياسية لتستعيد ليبيا مكانتها الطبيعية ويعود الاستقرار إلى المنطقة.

وأطلع غسان سلامة الرئيس التونسي على نتائج اتصالاته وتحركاته الأخيرة داخل ليبيا وخارجها من أجل إيجاد موقف دولي موحد حول مقترحات قدمها للخروج من الأزمة الليبية يسمح للأشقاء الليبيين بتجاوز خلافاتهم ويمكّن دول الجوار وفي مقدمتها تونس من الاستفادة من استقرار الأوضاع في ليبيا.وأشار في هذا السياق إلى الموقف المشجع الذي لمسه إثر اجتماع قادة دول مجموعة السبع الكبار ب"بياريتز" بفرنسا بشأن المسألة الليبية.

ومنذ 4 أبريل/ نيسان الماضي، تشهد طرابلس،معارك عنيفة بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج وذلك بعد أن أطلق الأول عملية "طوفان الكرامة" بهدف انهاء نفوذ المليشيات المسلحة واستعادة مؤسسات الدولة في المدينة.

وتواصل أطراف الصراع التحشيد للدخول في معارك جديدة،حيث أكد آمر اللواء 73 مشاة اللواء علي القطعاني أنه تم تحديد المهام وساعة الصفر لتحرير العاصمة طرابلس، بعد ان وضعت الخطة المحكمة من قبل قائد الجيش خليفه حفتر للحسم والتأمين.وبينت وكالة الانباء الليبية "البيضاء" أن القطعاني أعلن الاستنفار لجميع مقاتلي القوات المسلحة، وأن يكونوا على أهبة الاستعداد لساعة الصفر مشيرا إلى أن التجهيزات لمعركة تطهير العاصمة هي حق لكل أهل طرابلس.

وطالب أهالي وسكان طرابلس بالتزام بيوتهم حفاظا على أرواحكم وممتلكاتكم مؤكدا أن الجيش له حاضنة في طرابلس مضيفا أن الجيش يعرف من يمارس الخطف والابتزاز ضد أهالي طرابلس.وحذر القطعاني الجهات والأشخاص الذين يدعمون الإرهابيين من أنهم سيلقون نفس المصير مطالبا المسلحين الذين لم يتورطوا بعمليات قتل لمواطنين أو أفراد الجيش والشرطة، بتسليم أنفسهم والقبول "بحكم القانون وإلا سيصبحون جثثا هامدة".

وفي المقابل كشف الناطق باسم المركز الإعلامي لـ"عملية بركان الغضب" التابعة لللمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق مصطفى المجعي أن قواتهم استكملت كل التجهيزات لما وصفها بـ"العملية العسكرية الكبرى".المجعي أوضح في تصريحات خاصة لوكالة "الأناضول" التركية الأربعاء أن قوات الوفاق تنتظر الأوامر من قبل غرفة العمليات ،لافتاً إلى أن اختيار التوقيت مهم لإنجاح العملية.وأشار أن عمليتهم العسكرية ستكون شاملة حيث ستستهدف مناطق ومدن خارج العاصمة طرابلس حسب قوله.

وتشير هذه التطورات الى صعوبة التوافق بين الأطراف المتنازعة خاصة مع الشروط التي يضعونها من أجل العودة الى استئناف العملية السياسية، حيث تتمسك حكومة الوفاق الليبية بشروط لوقف إطلاق النار،حيث جدد السراج اليوم الخميس،خلال لقائه مع رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا غسان سلامة والمنسق المقيم للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يعقوب الحلو، تأكيده على أن استئناف العملية السياسية في ليبيا يستلزم ضرورة وجود قواعد جديدة للعملية السياسية.

ويصف المراقبون شروط حكومة الوفاق بأنها "غير واقعية"، وهو ما يعكس غياب الإرادة الحقيقة والجدية في وقف القتال وإنهاء الحرب.ويشير هؤلا الى إن السراج ومن خلفه تيار الإسلام السياسي يرفضان من خلال وضع هذه الشروط منح الجيش فرصة التفاوض من موقع قوة بعد أن نجح في السيطرة على عدة مواقع جنوب طرابلس وبات قريبا من قلب العاصمة.

وفي المقابل، صعّد مجلس النواب من شروطه وأعلن بعض أعضائه رفضهم الجلوس مع التيار الإسلامي بمن فيهم ممثلو تنظيم الإخوان المسلمين. وفي هذا السياق،رفض عضو مجلس النواب علي السعيدي أي تسوية سياسية للأزمة في البلاد تشمل الميليشيات المسلحة وجماعة الإخوان التي وصفها بالإرهابية.

وأكد السعيدي في تصريح لصحيفة "اليوم" المصرية أن قطر وتركيا هما من أوقعتا ليبيا فيما تمر به اليوم من فوضى.وحذر عضو مجلس النواب في ختام تصريحاته من مطالبات عقد اتفاقيات أو الدعوة لاجتماعات أو مفاوضات لن تعود بالفائدة بل ستطيل أمد الأزمة ، منوّها أن الهدف منها هو عرقلة تقدم الجيش الوطني نحو استعادة السيطرة على العاصمة طرابلس.

ويعول تيار الاسلام السياسي المسيطر على العاصمة طرابلس على الدعم التركي-القطري لمواصلة القتال ضد الجيش الوطني الليبي.وهو ما دفع الأخير لتجديد اتهاماته للبلدين بالتورط في دعم الإرهاب في ليبيا.ورغم أن الانخراط التركي في الصراع الليبي كان منذ سنوات،فان معركة طرابلس كشفت بوضوح حقيقة الدور المشبوه الذي تلعبه أنقرة في دعم المليشيات.

وفي ظل عجز حكومة الوفاق التي راهن عليها المجتمع الدولي وتواصل الاحتقان والتصعيد على الصعيدين العسكري والسياسي،يبدو الواقع الليبي أشد تعقيدا،ويبدو الوصول إلى حل سياسي صعبا،رغم المساعي السياسية محليا ودوليا التي ما زالت تسعى لإقناع هذه الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة الحوار باعتباره المخرج الوحيد للأزمة،لكنها تصطدم بحقيقة تواصل الخلافات الكبيرة بين أطراف الأزمة في الداخل وتمسك كل الأطراف بمواقفها وعدم استعدادها لتقديم تنازلات.