أفاد الباحث الجزائري، قوي بوحنية، المتخصص في القضايا الاستراتيجية والأمنية، أن الجيش "دخل في عمق الحركية السياسية"، مشيراً إلى أن دوره في السياسة "يتعاظم بفعل ما تعرفه الجزائر من أحداث إقليمية، ناتجة عن سقوط نظام العقيد القذافي في ليبيا، وانهيار الشمال المالي".

جذور علاقة الجيش بالسياسة
وطرحت "العربية.نت" أسئلة على أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورقلة جنوب البلاد، حول صدور دراسته الجديدة الشهر الحالي، وعنوانها "الجيش الجزائري والدستور.. أية علاقة؟".

وعن مدى تقيد المؤسسة العسكرية بوظيفتها الدستورية، أي حماية حدود البلاد من مخاطر خارجية فقط.

 قال بوحنية إن "فهم العلاقة بين السياسي والعسكري يتطلب الوقوف على كيفية تسيير دفة الحكم. ولا يخفى على أحد أن الجيش تدخل في إدارة شؤون الحكم في مراحل حكم الرؤساء أحمد بن بلة وهواري بومدين والشاذلي بن جديد.

ففي حالتي بن بلة والشاذلي، يفسر تدخل الجيش في السياسة بكون قادة المؤسسة العسكرية آنذاك عسكر شاركوا في ثورة الاستقلال (1954ـ1962). وفي عهد الشاذلي برز دور الجيش بوضوح، عندما اتفق صانعو القرار بداخله على وقف زحف الإسلاميين نحو السلطة. وهذا ما يذكره وزير الدفاع الأسبق، الجنرال خالد نزار، في مذكراته".

وفازت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بأغلبية الأصوات في انتخابات البرلمان التي جرت نهاية 1991.

وبينما كانت تتجه إلى تحقيق فوز ساحق في الدور الثاني، قرر الجنرالات إلغاء نتائج الانتخابات. وفتحت هذه الخطوة باب جهنم على الجزائر، إذ حمل الآلاف من المتشددين السلاح، ودخلوا في صراع مرير مع قوات الأمن، ما أسفر عن مقتل 150 ألف شخص. وتعرف هذه الفترة بـ"العشرية السوداء".

وفي فترة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لوحظ بشكل لافت إصرار الأخير على بسط نفوذه على كل الهيئات، بما فيها الجيش.

وفي هذا السياق يقول بوحنية إنه "عندما جاء بوتفليقة إلى الحكم قال إنه يرفض أن يكون ثلاثة أرباع رئيس، فمارس استراتيجية طويلة النفس تتمثل في إعلاء قيمة سلطة رئاسة الجمهورية".

والشائع أن بوتفليقة وصل إلى الحكم بفضل توافق بين النافذين في الجيش، غير أنه يرفض أن يشار إليه بأن كان مرشح الجيش، ويفضل أن يقول عن نفسه إنه "مرشح الإجماع".

"عقيدة الجيش" تضع قادته في حرج
ويتحدث الباحث الجزائري عن "التعايش" بين الجيش والرئيس قائلاً إن "الحالة تبدو حالياً متوازنة بين الطرفين، لكن يبقى الجيش هو دعامة النظام السياسي، بغض النظر عن صاحب القرار الفعلي.

ويجب التنويه إلى أن قيادات الجيش تملك رؤية وطنية، تتعدى الشأن السياسي الداخلي، إلى التطلع لاكتساب احترافية. وأقصد بذلك أن جيلاً جديداً من القادة العسكريين، يملك رؤية استراتيجية حقيقية تنسجم مع التحديات الإقليمية المرتبطة بالأمن القومي للبلاد".

وتتناول دراسة بوحنية ما يعرف بـ"عقيدة الجيش الجزائري" التي تتمثل في رفض المشاركة في أي عمل عسكري خارج الحدود. وبرز هذا الرفض خلال الحملة التي شنها حلف شمال الأطلسي في ليبيا عام 2011، للإطاحة بالعقيد القذافي.

وقد جاء في الدراسة ما يلي: "إن رفض التدخل خارج الحدود رؤية نابعة من عقيدة عسكرية كلاسيكية متوارثة. لكن هذا الموقف كثيراً ما وضع قادة المؤسسة العسكرية في حرج، كما كان الحال مثلاً مع اختطاف الدبلوماسيين الجزائريين شمال مالي عام 2013 من طرف تنظيم إرهابي.

 إذ كيف يبقى الجيش مكتوف اليدين، بينما يوجد كوادر من وزراء الخارجية بين أيدي إرهابيين وفي بلد مجاور؟ أعتقد أن جيش الجزائر مطالب بتبني رؤية جديدة تحتمها النظريات الحديثة لوظيفة الجيوش، وهي الدفاع عن الأمن القومي للبلاد سواء تعلق الأمر بمخاطر في الداخل أو خارج الحدود".