تعد ليبيا إحدى أغنى دول الإقليم نفطياً، إذ تقدر الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها بنحو 46. 6 مليار برميل، وهي الأكبر في إفريقيا. لكن ومنذ العام 2011،تعرض قطاع النفط في ظل الأوضاع المضطربة التي تمر بها البلاد، إلى مشاكل وصعوبات متزايدة، جعلت مصدر الدخل الوحيد للبلاد على حافة الإفلاس.

وأطلقت القوات المسلحة الليبية بقيادة المشير خليفة حفتر،في الرابع من أبريل/نيسان الماضي عملية عسكرية في المنطقة الغربية،تهدف لحماية وتأمين سكان العاصمة الليبية طرابلس من المليشيات المسلحة والمتطرفين، سواء من تنظيم "داعش" أو من تنظيم "القاعدة"، والعصابات الإجرامية المنتشرة في المناطق الغربية من البلاد.

ويهدف الجيش الليبي الى تحرير كامل المدن الليبية واسترجاع سلطة الدولة بهدف تحقيق الاستقرار في البلاد.كما يسعى الجيش لتأمين الثروات النفطية للبلاد وتخليصه من عبث المليشيات المسلحة التي مارست طيلة السنوات الماضية عمليات استنزاف كبيرة للنفط ما جعل الاقتصاد الليبي يعيش حالى انهيار مستمر أثرت بشكل كبير على الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي.

وتصاعدت المخاوف من تأثير الصراع الدائر في العاصمة الليبية على قطاع النفط الليبي،وهو ما بدده المشير خليفة حفتر القائد العام  للجيش الليبي،الجمعة،حين أكد أن تركيزه ينصب في إتجاه استعادة السيطرة على العاصمة طرابلس وطرد المليشيات المسلحة منها وبأنه لا يهتم إطلاقاً بتصدير الجيش للنفط بمفرده.

وقال المشير حفتر لوكالة بلومبرج الأمريكية إن المؤسسة الوطنية للنفط  التي تتخذ من طرابلس مقراً لها هي التي تبيع النفط الليبي الخام وهي من يمتلك حالياً الإمتياز الحصري في تصديره.ونفى الاتهامات الأخيرة بأن  الجيش استولى على مطارات مؤسسة النفط لكنه أكد على الاحتفاظ بحق استخدامها إذا لزم الأمر متعهداً بمواصلة حماية كافة المنشآت النفطية،وذلك في إجابة على سؤال يبدوا بأنه كان متعلق بالإتهامات الأخيرة الصادرة عن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس مصطفى صنع الله.

وفي المقابل حث قائد الجيش الليبي في رسالته على عدم إستخدام موارد النفط وعائداته لدعم الإرهابيين والميليشيات المسلحة مع ضرورة تجنب التدخل في الجيش أو في عمله أو العمل ضده.وقال حفتر في رد كتابي على أسئلة وجهتها له بلومبرج نيوز: "الجيش ليس تاجرًا ، إن الجيش لا يبيع النفط بشكل قانوني أو غير قانوني".

وأضافت الوكالة :"بدأ حفتر هجومًا في طرابلس شهر أبريل و يقول رئيس المؤسسة الوطنية للنفط إن القتال المستمر قد يؤدي إلى القضاء على إنتاج النفط الذي يعد مصدر الدخل الرئيسي للبلاد".لكن المشير خليفة حفتر أكد في ختام رسالته : "إن أكبر مخاوف بعض الدول ، وخاصة تلك المعنية بالاقتصاد العالمي ، هو تأثير عملياتنا العسكرية على صناعة النفط ولكن لقد أثبت الواقع أن هذه المخاوف لا مبرر لها".

تصريحات القائد العام للجيش الليبي سرعان ما قوبلت بالترحيب من طرف مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط الذي قال إنه يرحب بالتزام قائد الجيش الليبي خليفة حفتر "بشرعية المؤسسة الوطنية للنفط وحقها الحصري بتصدير النفط الليبي، وذلك وفقا للقوانين الوطنية والقرارات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".ودعت المؤسسة في بلاغ لها "إلى ضرورة حل المؤسسة الموازية، التي حاولت سرقة النفط الليبي وتسويقة بأسعار بخسة ، ووضع حدّ للمحاولات الرامية إلى تقسيم قطاع الطاقة في ليبيا".

وقال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، إن "النفط الليبي ملك لكافة الليبيين، ووحدة المؤسسة الوطنية للنفط أمر أساسي لضمان وحدة ليبيا"، مؤكدا أن "المؤسسة هي الجهة المستقلة الوحيدة المسئولة عن إدارة قطاع النفط في ليبيا".وأضاف أن "استقرار قطاع النفط في ليبيا سيساهم في استقرار أسواق النفط"، وأعربت المؤسسة الوطنية للنفط في بيانها عن "رفضها القاطع لعسكرة المنشآت النفطية".

وكان الجيش الليبي قد سلم الموانئ النفطية قبل عام إلى المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس بعد تحريره منطقة الهلال النفطي بالكامل بعد أن ضلت طيلة سنوات خاضعة لسيطرة ميليشيات يقودها ابراهيم الجضران، الذي كبد البلاد خسائر بمليارات الدولارات، بإيعاز من دول خارجية ودعم من المرتزقة.

وفي يونيو 2018،قام الجيش الليبي بتسليم الموانئ النفطية للمؤسسة الوطنية للنفط ببنغازي،وجاء هذا القرار بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش الليبي سيطرته الكاملة على منطقة الهلال النفطي، وتطهيرها من أفراد الميليشيات الإرهابية، والمرتزقة بقيادة إبراهيم الجضران الذي حاول حينها السيطرة على موانئ رأس لانوف والسدرة.

وقال العميد أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي حينها، في مؤتمر صحفي أن "القيادة العامة قررت تسليم المنشآت النفطية إلى مؤسسة النفط المنبثقة عن الحكومة المؤقتة"، مشيرا إلى أن الأوامر جاءت من القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر شخصيا.وأكد المسماري أن عائدات النفط من المحطات الأربع التي تخضع لسيطرة الجيش الليبي ستُديرها المؤسسة الوطنية للنفط التي تتخذ من بنغازي مقرا لها.

وأرجع المسماري قرار نقل إدارة الموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي إلى المؤسسة الوطنية للنفط بشرق ليبيا، إلى إدراك أن "الجماعات المسلحة المناوئة للجيش تُموّل من عائدات النفط".وطرحت الخطوة جملة من التساؤلات المشروعة حول ما إذا كان الوقت قد حان لإبعاد ورقة النفط من سيطرة القوى التي لها علاقات ولو خفية مع بعض الميليشيات المُصنفة إرهابية، وبالتالي الحفاظ على مصالح الليبيين وتأمين مواردهم البترولية.

وتعرضت الثروة النفطية منذ 2011، إلى شتى أنواع الإستنزاف وذلك في ظل وقوعها بين براثن الميليشيات، التي إستغلت الأزمة الدائرة في البلاد وغياب السلطة لتحكم سيطرتها على الموانئ النفطية وتعمل فيها الفساد.ومثلت حقول النفط الكبرى في ليبيا الهدف الأساسيّ للمسلّحين الساعين إلى السيطرة على القرار السياسيّ والاقتصاديّ، واحتكار عائدات الثروة بمعزل عن المؤسّسات الرسميّة للدولة.وأدى سقوط الموانئ النفطية الليبية فى أيدى الميليشيات إلى خسائر كبيرة ساهمت فى تردى الأوضاع الإقتصادية في بلد تمثل العائدات النفطية العماد الرئيسي للاقتصاد.

ومن أبرز المليشيات التي استنزفت النفط الليبي مليشيات ابراهيم الجضران التي وصف رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله في حوار مع فضائية "الان"، في أغسطس 2017، فترة سيطرتها على الموانئ النفطية بانها فترة اختطاف ارهابي وان ما قامت به تلك المليشيات لا يقل عما قامت به اي مليشيا ارهابية مشيرا إلى ان طرد هذه المليشيات من الموانئ النفطية كان تحريرا لها.

وساهمت سيطرة الجيش الليبي على الموانئ الليبية وطرد الميليشيات منها،فى تحسن الانتاج،وهو ما أكده إعلان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا مصطفى صنع الله،مؤخرا أن بلاده تضخ نحو 1.3 مليون برميل من النفط يومياً.وجاء ذلك حسبما نقلت وكالة أنباء "بلومبرغ" السبت الماضي، دون ذكر تفاصيل إضافية.

وكانت مؤسسة النفط الليبية قد كشفت الخميس 27 يونيو 2019، عن مجمل إيرادات مبيعات النفط الخام ومشتقاته، والضرائب والأتاوات المحصلة من عقود الامتياز في شهر مايو/أيار الماضي قد بلغت 2.3 مليار دولار أمريكي، بزيادة عن شهر  أبريل/نيسان الماضي بلغت 448 مليون دولار، وبنسبة 24%.وقالت المؤسسة في بيان إن "استقرار أسعار النفط العالمية، وارتفاع عدد شحنات الخام في أواخر شهر أبريل/نيسان والتي تم استلامها وتسويتها ضمن حسابات شهر مايو/أيار ساهمت في زيادة الإيرادات.

وقبل الأزمة التي تعاني منها منذ العام 2011، كانت ليبيا تنتج 1.6 مليون برميل نفط يوميا في المتوسط.لتدخل بعدها الدولة الواقعة في شمال أفريقيا في حالة فوضى،والصراع على أبرز الموانئ.وتراهن ليبيا على فرضية تحسن الأحوال الأمنية وانتهاء فوضى المليشيات المسلحة التي ساهمت بشكل كبير في تردي الأوضاع الاقتصادية في بلد يعتبر الأغني في المنطقة.