أكد الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا د. عبدالمنعم الحر أن المصالحة الوطنية بدون عدالة انتقالية هي طمس للحقيقة وتزوير للتاريخ.
وأضاف الحر في قراءة تحليلية استعرضها عبر صفحته بموقع "فيسبوك" بعنوان العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية "مقاربة شمولية" أن عملية الانتقال في ليبيا ترافقها تحديات كبرى "على الرغم من أن هذا الانتقال يحمل في طياته آمال وتطلعات جديدة، يٌبين في الوقت ذاته الخيارات الصعبة التي يلزم أن يتخدها المجتمع الليبي في طريقه نحو الديمقراطية والتقدم ".
وأضاف الحر "على الرغم من أن مصطلح العدالة الانتقالية أصبح شائعاً على نطاق واسع، إلا أنه مازال هناك بعض الغموض يشوبه، فكلمة انتقالية في ليبيا تعني أن النظام السابق يحتضر بينما لم يولد النظام الجديد بعد ".
وشدد الحر على أنه "بطبيعة الحال للعدالة أنواع مختلفة كما يقول الدكتور سيد غانم أستاد العلوم السياسية بجامعة القاهرة كثير مايشار إلى أنها جزائية أوتعويضية أو حتى أنها تحوُل اقتصاي أو اجتماعي .بينما في نظر من يلتزمون بالعدالة الجنائية، قد لا ترقي العدالة الانتقالية إلى هذه المرتبة يلزم تحديدها بدقة لتفادي تباعدها عن قوة ومشروعية العدالة الجنائية ".
وأشار الحر إلى أن "العدالة الانتقالية لا تتعارض مع العدالة الجنائية، فهي ببساطة وسيلة ملائمة للسعي وراء مجتمع عادل عقب حرب أهلية أو نجاح مسلح غير دولي، أو ثورة ... الخ، فالعدالة الانتقالية أعمق وأغني وأوسع، وتسعي لمواجهة المتوررطيين".
وأردف الحر "وكذلك تهتم بأحتياجات الضحايا وتساهم في عملية المصالحة الوطنية، لاحرية في ليبيا بدون سيادة القانون لأنه الفاصل عن الفوضى .وللحفاظ على سيادة القانون لابدّ من المحاسبة على كل الأنتهاكات ... فمحاسبة المتورطيين هي بمثابة مواساة لايٌستهان بها لضحايا بٌترت أيديهم وأدرعهم واغتصبت حقوقم آبان العهد السابق أو بعده ".
وشدد الحر على أن "العدالة الانتقالية ليست عملية حسابية بل بالعكس لكل دولة ولكل مرحلة ولكل شعب خصوصية يجب مراعاتها والتدقيق فيها " حيث أن "أي مجتمع يمر بمرحلة اننتقالية لابد من خمسة أركان أساسية تٌحدد المقاربة الشمولية للعدالة الانتقالية".
وبين الحر أن الركن الأول هو المحاسبة :حيث أن "سيادة القانون وإقامة عدالة مٌنصفة ومتساوية جديرتان بأوفر قدر من احترامنا، فلا يمكننا أن ندعي الحرية والديمقراطية طالما ليس هناك تقيُد صـــارم لنا من قبل القانون . فالديكتاتوريون والأنظمة الاستبدادية يتخلوا عن القانون في أول فرصة سانحة ويلجئون إلى السلطة القائمة على سياسة التطاول مما يؤدي إلى جميع الانتهاكات . فمن أسس العدالة الانتقالية المتابعة القضائية التى تٌحول دون تولي المسؤولين الكبار من كانوا دعما للدكتاتور وركيزة لنظامه مناصب نافدة من جديد، فالمحاكم والهيئات القضائية "الخاصة " تهدف إلى معاقبة الأشخاص الذين يتحملون قدر من المسؤولية في انتهاكات حقوق الإنسان، الأمر الذي يسهم فى كسر حلقة الانتقام الجمــــاعي".
وأشار الحر إلى أن الركن الثاني الذي يحدد المقاربة الشمولية للعدالة الانتقالية هو الكشف عن الحقيقة :حيث أن "الحقيقة هي بمثابة حجر الزاوية في سيادة القانون ويجب أن تتجه صوب الأفراد وليس الشعوب، باعتبارهم مرتكبي الجرائم بالحقيقة فقط نعمل على تضميد الجروح . ومن الآليات غير القضائية التى عوّل عليها لكشف الحقيقة في العقود الماضية مايعرف بهيئات المصالحة والتى شهد العالم منها مايقارب 27 هيئة، كانت درجات نجاحها متفاوتة، وهناك الآن ما لايقل عن أربع هيئات للمصالحة "المغرب – سيراليون – تيمور الشرقية – غانا " وهناك هيئات أخرى قيد الأنشاء وتشمل ليبيا وجمهورية الكنغو الديمقراطية وليبيريا . ولنا الأستفادة من تجربة هيئة الحقيقة والإنصاف لجنوب إفريقيا حيث ميّزت بين أربعة أصناف من الحقيقة :
وبحسب الحر فإن الصنف الأول، "يشير إلى الحقيقة الموضوعية المبنية على الواقع أو الشرعية " تقوم الهيئة بإعداد تقرير شامل يعرض أنشطتها والنتائج التى توصلت إليها، بناء على وقائع ومعلومات موضوعية" أما الصنف الثاني فيشير إلى "الحقيقة الشخصية أو السردية، من خلال سردهم لتجاربهم الشخصية، حيث قام الضحايا ومرتكبوا الانتهاكات معا بإعطاء معنى لتجربتهم المتعددة المستويات، عن طريق وسائل الأعلام، تمكن الرأي العام من الاطلاع على هذه الحقائق الشخصية " أما الصنف الثالث: فهو "الحقيقة الاجتماعية أو الحوارية، فقبل أن تباشر الهيئة عملها ميزت بين الحقيقة المجهرية التى تٌحيل على الوقائع ويمكن التحقق من صحتها ودعمها بالوثائق وإثباتها. والحقيقة الحوارية الاجتماعية والتى تستند إلى التجربة التى يمكن إثباتها عن طريق التفاعل والمناقشة وتبادل وجهات النظر " والصنف الرابع والأخير: هو "حقيقة الالتئام وجبر الضرر، وذلك من خلال البحث في الماضي والنظر للمستقبل ".
ولفت الحر إلى أن الركن الثالث الذي يحدد المقاربة الشمولية للعدالة الانتقالية هو المصالحة : حيث "تنطوي المصالحة على الالتزام والتضحية، وفي أسوأ أوجهها، لاتعدو أن تكون ذريعة لانعدام الفعالية الناجمة عن الانحياز للأقوياء ضد الضعفاء والمحرومين، وفي كثير من الحالات أعطي الدين شكلاً سيئاً للمصالحة لأن ممثليه ساندوا أولئك الذين استغلوا وسلبوا شعوبا بكاملها عوض أن يتضامنوا مع المضظهدين ".
وأضاف الحر أن المصالحة التي تدعو إلى النسيان أو التكتم فقط "فإنها تصبح زائفة، وإذا لم تكن المصالحة مصحوبة بالاعتراف بالماضي وبقبول المسؤولية، فإنها تصبح منبوذة باعتبارها تنميقاً ليس إلا . والمصالحة هي مسلسل ووسيلة للوصول إلى سلم غالبا يكون زائفاً" حيث "تعرف المصالحة حظوظ نجاح أكبر ويكون فهمها أفضل عندما يٌدرك الضحايا بأن هناك اهتمام بشكاواهم وبأن صرختهم مسموعة وبأن جدار الصمت تكسر ".
وأشار الحر إلى أنه "يمكن الشروع في المصالحة عندما يٌحاسب المتوطون، وعندما يتم البحث عن الحقيقة بشفافية وبدون خوف، وعندما يبدأ إصلاح المؤسسات، وعندما يتم الاعتراف بضرورة جبر الضرر والانتقال إلى حيز التنفيذ . وتصبح المصالحة ممكنة إلى حد كبير مابين مواطني ليبيا، عندما يكون رموز الانتهاكات للحديث بصدق وبالتفصيل عن تورطهم بإعتبارهم ركيزة أو ركن من أركان حقبة الانتهاكات ".
ولفت الحر إلىأن الركن الرابع الذي يحدد المقاربة الشمولية للعدالة الانتقالية هو إصلاح المؤسسات : فلكي "يحصل تقدم على مسار المصالحة، لابد من إعطاء أهمية بالغة ومركزية ليس فقط للأفراد، بل للمؤسسات أيضاً ومن الضروري أن يكون إصلاح المؤسسات في المرحلة الانتقالية في صميم التحول ".
وأضاف الحر أن "من بين المشاكل الرئيسة التى حالت وتحولٌ دون انتقال ليبيا من ماضيها الرهيب إلى ديمقراطية مٌشرقة هناك مؤسسات لم يطرأ عليها أي تغيير يٌذكر، فأغلب الضباط مازالوا يتحكمون بالجيش والشرطة . والشيء ذاته ينطبق على أهم المؤسسات . فبدون إصلاح جذري للمؤسسات لن تنعم بفرصة فعلية لتحقيق النمو والازدهار والسلم . لابد من دعم جسور التواصل والالتزام ليس فقط بالعدالة الجنائية , بل أيضاً بالعدالة الاقتصادية ولتحقيق هذه الغاية من الضروري تغير المؤسسات وتطهيرها من رموز الفساد ".
وبحسب الحر فإن الركن الخامس الذي يحدد المقاربة الشمولية للعدالة الانتقالية هو جبر الضرر : حيث تساءل "ما السبيل إلى خلق توازن بين المصالح المشروعة والمتعارضة عند معالجة أضرار الضحايا من جهة سواء كان الجبر مادي أو معنوي وضمان استقرار ليبيا من جهة ثانية ؟ وكيف يمكن إشراك الضحايا، وكيف يمكن جعلهم مشاركين فعليين في إعادة بناء حياتهم ؟".
وأضاف الحر "من الأكيد أن نجاح برامج جبر الضرر وإستراتيجيات العدالة الانتقالية بشكل عام، رهين بالقدرة على تشكيل تحالفات سياسية واسعة وعزيمة وتضامن المجتمع ككل . فعن طريق جبر الضرر يمكن للناجيين أن يتعايشوا مع الذين أودوا بحياة أعز ذويهم، ويمكن استعادة الثقة في مجتمع تعرضنا فيه لخيانة أقرب الأقارب وحرمونا من المأوى ".