تصاعدت الخلافات بين فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية، والصديق الكبير، رئيس المصرف المركزي بالعاصمة طرابلس، إلى مستويات غير مسبوقة، ووصلت إلى حرب رسائل علنية، كشفت عن طبيعة الخلافات في إدارة الموارد المالية بين السراج ومحافظ البنك المركزي في طرابلس المدعوم من الإسلاميين.

بدأت المعركة بين الجانبين عندما أبدى رئيس المجلس الرئاسي رغبته في توحيد المصرف المركزي، المنقسم منذ عام 2014، وأصدر بياناً تفصيلياً يدعو فيه رئيسي المصرفين المنقسمين، بين مدينتي طرابلس (غرب) والبيضاء (شرق)، إلى عقد الاجتماع بين القطبين عبر الدائرة المغلقة والبدء الفوري بمباشرة مهامه بما يخدم المصحلة العامة.

وأشار السراج خلال البيان إلى أن توحيد مجلس الإدارة يهدف إلى إنهاء حالة الانفراد في اتخاد القرارات منها وقف منظومة المقاصة والحوالات بالإضافة إلى تأخر صرف مرتبات العاملين في القطاع العام المحالة من وزارة المالية كل شهر في وقته.وبدت الأسباب التي ذكرها إشارة واضحة إلى محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير الذي يملك كل الصلاحيات السابقة والامتيازات.

لكن الكبير سارع، من جانبه، إلى إصدار بيان قال فيه إن المصرف الذي يتولى رئاسته هو "المبادر منذ عام 2015 بطلب توحيد المؤسسة، بعد إجراء عملية تدقيق شاملة لعمليات المصرف المركزي والمصرف الموازي، إيماناً منه بحق المواطن في معرفة الحقيقة، وإجلاءً للبس، والتزاماً منه بمبادئ الشفافية والمسؤولية والمحاسبة".

وعن سبب إيقاف بيع النقد الأجنبي مؤقتا، أرجع الكبير موقفه إلى حالة الضرورة القصوى بسبب توقف إنتاج النفط وتصديره، وضمانا لتحقيق الاستدامة المالية أمام الطلب على النقد الأجنبي المبالغ فيه لأغراض المضاربة والتربح، وفق تعبيره.ورغم عدم تسمية السراج منظومة فرع المركزي ببنغازي في حديثه عن إغلاق الكبير للمنظومة، خص الأخير في رده الحديث عن إقفال منظومة بنغازي الذي عده إجراء احترازيا سببه قيام نائب المحافظ بالمصرف الموازي، بقرصنة بعض الحسابات المصرفية لجهات عامة خارج إطار القانون، وفق قوله، دون أن يفهم الربط بينهما.

وظل يُنظر للكبير على أنه من رجال المجلس الرئاسي النافذين؛ خصوصاً بعد الدعم الذي تلقاه منه في مواجهة مجلس النواب بشرق البلاد، عقب عزله قبل خمسة أعوام، وتعيين الاقتصادي الشهير محمد عبد السلام الشكري نهاية عام 2017 بديلاً عنه، لكن الكبير أعلن العصيان على السراج، بدعم من جماعة "الإخوان" حسب مراقبين.

ويرى المراقبون أن أول أسباب الصراع هو رفض الكبير ومن ورائه جماعة الإخوان، توحيد مجلس إدارة المصرف المركزي التي لا تزال منقسمة بين غرب البلاد وشرقها، والإبقاء على حالة الانقسام المرفوضة داخلياً وخارجياً، حيث لا تزال بعثة الأمم المتحدة، والسفارة الأمريكية، والأطراف الدولية، تصر على ضرورة إعادة توحيد مصرف ليبيا المركزي وإنهاء الانقسام وعودة مجلس إدارة المصرف للانعقاد والقيام بمهامه، وتجاوز الانقسامات السياسية النقدية باعتبارها أحد أهم مقومات السياسة الاقتصادية العامة.

وبعد أشهر من الصراع غير المعلن بين الطرفين اختار السراج الخروج بهذه الأزمة إلى العلن في كلمة متلفزة، ليقول إن الأمور وصلت "حد القطيعة" بين المصرف المركزي ووزارة المالية بحكومته، أثناء إعداد الميزانية، مقراً بأن حكومته "وصلت إلى طريق مسدود مع الصديق الكبير الذي رفض طلب الحكومة باعتماد ميزانية طوارئ لمواجهة أزمات البلاد.

وأشار السراج الذي بات مغلول اليد بعد تغول جماعة "الإخوان"، إلى "انقطاع التواصل بين الطرفين، واللجوء إلى الوساطات لإنهاء أزمة الميزانية"، مبرزاً أن الكبير "أوقف منظومة الاعتمادات المستندية اللازمة للواردات، دون التواصل مع الحكومة"، كما "تسبب في تأخر صرف المرتبات دون مبرر".و أفاد السراج:أن المركزي مسؤول عن كبح السوق الموازي ، فهو أصبح صندوق أسود متدخل في كافة مؤسسات و لا يريد القرب من مؤسساته ، و يجب إصلاح و استكمال مجلس إدارته ، و تولى مسؤولياته بالكامل ، لتغيير سعر الصرف من قبله". 

ورد محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير بأن إقفالهم للمنظومة كان نتيجة حالة الضرورة القصوى المتمثلة في الإقفال الكامل لإنتاج النفط وتصديره وانهيار أسعاره في الأسواق العالمية، بالإضافة إلى أن المركزي كان سيفتح المنظومة فور تعديل سعر الرسم على مبيعات النقد الأجنبي، وأضاف أن المصرف المركزي نفذ كافة الطلبات المالية الواردة إليه من الحكومة لمواجهة كورونا، كما يقدر عدد الاعتمادات المفتوحة لتوريد السلع خلال أكتوبر 2019 حتى تاريخ فتح منظومة مبيعات النقد الأجنبي اليوم أكثر من 4 مليارات دولار أي ما يعادل 15 مليار دينار، فضلاً عن مبيعات النقد الأجنبي للأغراض الشخصية وأرباب الأسر الذي يوجه جزء منه لتمويل احتياجات السوق.

وبالتوازي مع هذه الحرب الجانبية بين السراج والكبير، سحب أعضاء مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي: علي سالم، وامراجع غيث سليمان، ومحمد أحمد المختار، وعبد الرحمن هابيل، دعوتهم إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس إدارة المصرف، وقالوا في بيانهم إن "المجلس الرئاسي لم يحرك ساكناً بعد صدور الدعوة للاجتماع، ولم يصدر عنه ما يفيد ما التزم به من استعداد، واتضح أن الغرض الوحيد من الإلحاح لعقد الاجتماع استخدام هذه الدعوة كورقة ضغط لا غير.

واعتبر مراقبون أن السبب الحقيقي للصراع هو سعي جماعة الإخوان لسحب البساط من تحت أقدام فائز السراج وحكومته، والانفراد عبر محافظ المصرف المركزي، بالتحكم في الموارد المالية للدولة، وكذلك إلى رفض الإخوان المسيطرين على المصرف المركزي صرف الاعتمادات الخاصة بخطة التوقي من فيروس "كورونا" في المنطقتين للشرقية والجنوبية الخاضعتين لنفوذ الحكومة المؤقتة، والتي أقرها المجلس الرئاسي.

واتهم المتحدث الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، منتصف مارس (آذار) الماضي تنظيم "الإخوان" بالسيطرة على المصرف المركزي في العاصمة طرابلس الذي عين كوادره في مناصب عليا وقيادية بمجلس الإدارة "لتمويل جماعاته وميليشياته".وأشار المسماري في مؤتمر صحفي إلى أن "هؤلاء العناصر صرفوا للميليشيات الارهابية في يوم واحد 2 مليار، فيما كان الشعب الليبي يموت أمام المصارف".

وأكد رئيس لجنة السيولة في المصرف المركزي الليبي بالبيضاء رمزي آغا لـ"العربية.نت"، مارس الماضي، أن المصرف المركزي بطرابلس، "مختطف" من أذرع الإخوان في ليبيا، مشيرا إلى أن أموال ومدخرات الليبيين تذهب لتمويل الميليشيات المسلّحة والمرتزقة الأجانب، لافتاً إلى أن أغلب أعضاء مجلس الإدارة يتبعون الجماعة.

ومن بين القيادات "الإخوانية" التي تغولت في المصرف، القيادي فتحي عقوب الذي يشغل منصب أمين سر مجلس إدارة المصرف، وهو أحد أبرز المؤيدين لمجلس "شورى ثوار بنغازي" الذي أسسه تنظيم "أنصار الشريعة" المصنف تنظيما إرهابيا.وطارق المقريف الذي يعدّ من أهمّ القيادات الإخوانية التي تتحكمّ بمفاصل المصرف المركزي، حيث يشغل منصب عضو مجلس الإدارة، و هو أيضا عضو مجلس إدارة المؤسسة المصرفية العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة مبادرة "صلتك" القطرية، وهي مؤسسة توفر التدريب المهني والمساعدة لرجال الأعمال الشباب على إطلاق مشاريعهم في قطر والعالم العربي، يقيم في قطر، ويوصف بأنه إحدى رجالاتها في ليبيا.

وفي تطور جديد، أصدر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الإثنين قرارا بخفض مرتبات العاملين بالوحدات الإدارية في جميع المؤسسات الممولة من الخزانة العامة بنسبة 20 في المئة بداية من الشهر القادم، في خطوة تزيد عبئا جديدا على كاهل الليبيين الذين يعانون أزمات معيشية صعبة جراء الحروب وخطر تفشي وباء كورونا في ظل تردي القطاع الصحي في البلاد.

ويرى المتابعون للشأن الليبي أن الخطوة تشير إلى إذعان السراج لمطالب حلفائه الإسلاميين الذين يقدمون تواصل الإغداق على جبهات القتال واستجلاب السلاح والمرتزقة على قوت الليبيين.حيث يأتي القرار في وقت لم يستلم فيه أغلب الموظفين الحكوميين في ليبيا مرتباتهم للثلاثة أشهر الماضية بسبب الخلافات في إدارة الموارد المالية بين السراج ومحافظ البنك المركزي في طرابلس المدعوم من الإسلاميين.

وكان السراج في بداية الأمر يرفض سياسات التقشف المالية التي يحاول الكبير فرضها لضمان الإنفاق على الحرب، لكن يبدو أنه يبدي لينا الأن في الاستجابة لهذه السياسات.وأدى رفضه لسياسات الكبير إلى شن حملة إعلامية عليه تتهمه بالتقصير في تمويل جبهات القتال، وصلت إلى حد التلويح بإقالته وإعلان حكومة "ثوار" أو حكومة حرب.

ويقول مراقبون إن هدف محافظ المصرف المركزي من إيقاف المرتبات رغم تأكيد وزير المالية فرج بومطاري وجود تغطية مالية كافية لصرفها والتلويح بإجراءات تقشفية أخرى كرفع الدعم عن الوقود، هدفه خلق ضغط شعبي على القبائل والجيش الليبي لإعادة فتح حقول النفط، إضافة إلى ادّخار الأموال لاستمرار الإنفاق على الحرب.

وتعتبر ثروات ليبيا النفطية جوهر الصراع في ليبيا، إذ تستحوذ حكومة الوفاق على أغلب مواردها، ما استدعى تدخل القبائل الليبية في الشرق والجنوب في منتصف شهر فبراير حيث أغلقت القبائل الليبية الحقول والموانئ النفطية متهمة حكومة الوفاق بإهدار ثروات الشعب على الحروب وجلب المقاتلين الأجانب.

ويتمسك شيوخ القبائل بقرار غلق الحقول والمصارف والموانئ النفطية لحين تشكيل حكومة موحدة قادرة على حماية مقدرات الليبيين وضرورة وضع حد للعبث القائم بمؤسسات الدولة المالية، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي وجهاز الاستثمارات الخارجية.وطالب شيوخ القبائل الليبية الأمم المتحدة بسحب اعترافها بالمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق والمجلس الأعلى للدولة، في وقت يسيطر فيه الجيش الوطني الليبي على مناطق واسعة.

وعلق نائب رئيس المجلس الأعلى لمشايخ وأعيان ليبيا الشيخ السنوسي الحليق، على الأزمة الراهنة وقال إذا كان السراج جادا في دعوته، لتوحيد هاتين المؤسستين الاستراتيجيتين، مصرف ليبيا المركزي في طرابلس وفي البيضاء فإن  فان باب الحوار مشروط بتنفيذ القرار رقم 247 لسنة 2013، والقاضي بعودة مقر المؤسسة الوطنية للنفط إلى بنغازي، وإعادة مصرف ليبيا المركزي إلى مقر تأسيسه في بنغازي كذلك.مضيفا أن بنغازي هى المقر الرئيسي لهاتين المؤسستين وتنعم بالاستقرار والآمان. ووصف الحليق، الصديق الكبير، بالعابث بمقدرات الليبيين وهو يساوم الليبيين الذين أقفلوا النفط ويساومهم بالمرتبات.

وأقرت حكومة الوفاق موازنة العام 2020 بإنفاق قدره 27.9 مليار دولار مقابل 33.67 مليار دولار للعام 2019. وفي وقت يعيش فيه الليبيون أوضاعا اجتماعية مأزومة، تمضي حكومة الوفاق في فرض موازنة تقشفية، تثقل كاهل المواطنين، في حين تصرف الأموال في دعم جبهات القتال بالمال والسلاح والمرتزقة.

وعقد السراج اتفاقات مشبوهة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدعمه بالمرتزقة والأسلحة، وفتح الأخير جسرا جويا وبحريا لنقل المرتزقة السوريين إلى العاصمة والمدن الخاضعة لسيطرة المجلس الرئاسي وتحدثت تقارير اعلامية عن قيام حكومة السراج بتمويل المرتزقة بأموال طائلة فيما يعاني المواطن الليبي من تردي الأوضاع المعيشية. 

وتكشف قبل نحو شهرين عن ضخ مصرف ليبيا المركزي نحو أربعة مليارات دولار بشكل وديعة بعائد صفري من الفوائد في المصرف المركزي التركي، دعما لاقتصاد تركيا الذي يعانى الأمرين نتيجة انخفاض قيمة الليرة التركية بأكثر من 25% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي. ووصفها رئيس لجنة السيولة النقدية في مصرف ليبيا المركزي بالبيضاء رمزي الآغا بالصفقة المشبوهة والوديعة لنحو 4 سنوات.

وبحسب صحيفة "العرب" اللندنية، ينذر تجاهل حكومة الوفاق للغضب الشعبي من سوء إدارتها لموارد البلاد المالية وتبديدها للأموال في استجلاب المقاتلين ونجدة البنك المركزي التركي (4 مليارات دولار وديعة) على حساب الداخل المأزوم، باندلاع احتجاجات اجتماعية هدد سكان طرابلس بتفجيرها إذا ما مضت الحكومة في اتباع سياسة تقشف قد تصل إلى رفع الدعم عن الوقود، وهو ما تتجلى ملامحه في خفض موازنة 2020 مقارنة بـ2019.

وتضيف الصحيفة أنه من المتوقع أن تتصاعد الأزمة بين حكومة الوفاق وموظفي القطاع العام، بعد إقرار موازنة تقشفية تشمل التخفيضات في رواتب الموظفين وحجب المكافآت والعلاوات والتقليص في عدد موظفي القطاع العام، إلى جانب التلويح برفع الدعم عن الوقود.

وتعاني ليبيا، أحد أهم منتجي النفط في إفريقيا، من أزمات متلاحقة حيث تعرضت ثروات البلاد خلال السنوات الماضية، لعمليات سلب ونهب من طرف الميليشيات وعمليات الفساد طالت جميع القطاعات والمؤسسات الاقتصادية. ويأمل الليبيون في أن يتم تأمين ثروات البلاد، وإنهاء خطر المليشيات، وتوحيد مؤسسات الدولة وعلي رأسها المؤسسات الاقتصادية.