عندما نختبر الأداء الحكومي لابد أن تستدعي ذاكرتنا مسطرة تقييم مهمة وهي أن الحكومة الجيدة هي التي تحقق تحسينات أكثر على الشأن العام .حكومة زيدان التي كان يفترض أن تكون حكومة إدارة أزمة تحولت إلى نموذج لأزمة الإدارة وبامتياز .

هذا لا يعني أن المشكلة هي مشكلة إدارات بل أنها مشكلة خيارات في التعامل مع مختلف الملفات  وخاصة الكبيرة منها كفوضى انتشار السلاح و المصالحة الوطنية وليس نهاية ببناء جهاز شرطة مهني على عقيدة حماية المواطن والقانون أو مؤسسة عسكرية محترفة على عقيدة حماية الوطن والدستور .حكومة زيدان وجدت نفسها لا تملك من أوراق اللعبة إلى صنبور المال العام الذي تديره أو العلاقات الدولية التي تؤمن لها الاعتراف الخارجي .

زيدان لم يفكر بغير الأوراق المتاحة لهذا بدل أن يلبس حكومته كراسة واجبات على مقاسها وتبقى حكومة تسيير أعمال حولها إلى حكومة تسييل أموال ،  ولكن سياسة الخزائن المفتوحة والصكوك مقابل السكوت كان مؤداها صناعة ثقافة الابتزاز وتحولت المليشيات وعسكرت القبائل والمناطق إلى فرانكشتاين الذي ابتكر المخلوق البشع الذي لم يعد قادرا على ترويضه .

الحالة الزيدانية:

المهم أن حكومة زيدان صارت جزء من المشكلة أكثر من كونها جزء من الحل وخاصة أن أهم أوراقها (المال العام) صار يتآكل بغلق مرافئ تصدير النفط ، ولكن الإطاحة بهذه الحكومة بدون بديل أو بدون إعادة ترسيم للمرحلة الانتقالية سوف يفاقم حالة الارتباك التي تعاني منها المرحلة الانتقالية  ، ويقول احد المحللين انه عند الحديث عن رئيس الحكومة الانتقالية ، السيد علي زيدان ، يجد المتأمل في منهجية هذه الشخصية وأسلوبها في إدارة دفة الحكومة صعوبة بالغة في تقييمها . فعلى غير المألوف لدى عامة الليبيون أن تجد شخصية سياسية مطاطة بهذا الشكل ، وبات من الصعوبة أن تؤطر في خانة معينة ، لابالذم ولا بالمديح . الحالة الزيدانية يمكن وصفها بالمركبة ، حيث يندرج سلوكه تحت بند الشجاعة ، والوطنية المطلقة . مثلما يندرج تحت بند البلادة وسعة البال المبالغ فيها . وفي كل الأحوال لانستطيع أن نظلم الرجل باتهامه بالتقصير أو عدم القدرة . 

إن المتأمل في الشأن الليبي وما يعتريه من حالات مد وجزر ، وتباين في الآراء بين النخب السياسية ، سواء تلك التي استطاعت أن تستغفل المواطن في لحظة تجل ، ودخلت " ريكسوس " من الباب الواسع ، أو تلك التي لازالت تحاول اقتناص الفرصة بالظهور المرة تلو الأخرى على شاشات التلفاز للعبث بالعقول الطيبة التي لم تفهم بعد فك أبجدية الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة ، والتنطع الذي يقدمه البعض منا على أنه حق من حقوق المواطنة ، والارتداد لحقبة الخمسينيات ، ومايرافق كل هذا التباين هنا وهناك من فوضى اجتماعية ونعرات قبلية ، وتصفية حسابات ، ونشاط متعاظم للحالمين بإمكانية العودة إلى الخلف المدعوم بإرادة شعبية شبه منعدمة جراء الإحباط الناجم عن عدم تلمس الجانب الموضئ من ثورة 17 فبراير والأحلام المنكسرة على حائط الشطط الذي يمارسه من يصنفون أنفسهم من الثوار ، ومن المجرمين ونهازي الفرص على حد سواء . وهي بطبيعة الحال هي ذات الأسباب والظروف التي دفعت بوزيري الداخلية "عاشور  شوايل " و " محمد الشيخ " إلى الاستقالة بلا مقدمات بعد انطلاقة قوية وتطبيقات شجاعة في بداية عملهما .

زيدان أو غير زيدان في أحوال كهذه لايمكنه أن يحرك المركب بالاتجاه الصح ولو قيد أنملة ، وبالتالي فإن إقالة الحكومة في ظرف تمر فيه البلاد بتوتر كبير ، ونشاط واسع لبعض الجماعات الحدية ، بما فيها تلك التي تتخذ من الدين دربا لتحقيق الغاية .

بانوراما ليبية .

المتفحص للواقع المعاش في ليبيا ببصيرة العقل لابعين العاطفة يخلص ببساطة إلى أن إقالة الحكومة الانتقالية سيخلق بلا شك فراغا سياسيا سيدفع بواقع الحال نحو المزيد من التدهور والانفلات الأمني . فاللائمة تعود على من غمسنا أصابعنا في غفلة منا بحبر سذاجتنا كي يقودوا مركب ليبيا إلى الدولة الديمقراطية ، فهم سبب ماتعانيه ليبيا من ترد في مسيرتها ، ناجم عن التضاد المفرط في الرؤى ، ورغبة كل طرف في الاستفراد بمفاتيح السلطة على حساب استحقاقات ليبيا مابعد الثورة .

والحقيقة المرة هي التي يرويها بمرارة كل من خرج طواعية أو أخرج عنوة من ردهات وأروقة " ريكسوس " لا تلك التي نحسبها على ضعف أداء الحكومة . 

ويظل وجود الحكومة الضعيفة في ظروف بالغة التعقيد محاطة بحالة ترقب وتوعد رافضة لتمديد عمر المؤتمر الوطني ، أفضل حالا من حالة الفراغ المطلق الذي لايستطيع أيا منا أن يتنبأ بمداه على كافة الأصعدة . فالمؤتمر غير القابل للإجماع على رأي لن يجمع بسهولة وفي وقت مناسب على رئيس وحكومة جديدة في الوقت المناسب .وستظل المشكلة الأكبر لدى الحكومة والمؤتمر الوطني هي قفل آبار النفط وتوقف الانتاج وكذلك انتشار السلاح اذ تطالب الجماعة المدججة بالسلاح بالحكم الذاتي وحصة أكبر من إيرادات مبيعات النفط، وتحتل موانئ رأس لانوف والسدرة والزويتينة التي كانت تنقل في السابق 600 ألف برميل يومياً من صادرات الخام الليبي.

وكان ابراهيم جضران من اهم المتشيدين على ساحة تلك المليشيات المسيطرة على اهم الموانئ ومصادر النفط في ليبيا قد باشر في عصيانه وتماديه بالقوة على إقفال ميناء السدرة الذي يقع في شرق ليبيا ومطالبته بالاعتراف بإقليم برقم كإقليم مستقر يستنفع بموارد النفط دون تدخل الحكومة الليبية ذكرت انباء صحفية بريطانية ان مايسمى بمكتب اقليم برقة وعد بحماية السفن التي تدخل المواني النفطية الليبية التي يسيطر عليها لتحميل النفط في تحد مباشر للحكومة الليبية. وقالت صحيفة صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي إنها اطلعت على رسالة بعث بها مكتب اقليم برقة لشركات تجارة نفطية عالمية يقول فيها انها مستعد لضمان امن وسلامة السفن التى تدخل لتحميل النفط من المواني وخاصة ميناء السدرةالا ان الشركات الدولية شككت في مصداقية الرسالة ووعود الحماية وقدرة هذه ملشيات على تقديمها بالنظر الى محدودية قدراتها العسكرية وخاصة البحرية ونشرت وزارة العدل الامريكية على الانترنت أن الجضران رئيس مايسمى بالمكتب السياسي لاقليم برقة قام باستئجار شركة تتخد من مونتريال مقرا لها بمبلغ 2 مليون دولار لدعم قضيته للاعتراف ببرقة كاقليم مستقل ذاتيا في الولايات و اتصل بشركة يملكها ضابط استخبارات اسرائيلي سابق يدعي " اري بن ميناشى" للتاثير على ايجاد حل للمساعدة الاقتصادية من خلال جذب مشترين للنفط الليبي

 زيدان وحكومته الي أين ؟

فيما كان الصحفي عبد الحفيظ علي رأي اخر حيث قال ...عند محاولة تقييم حكومة علي زيدان وماعليها فإن ثمة سؤال يطرح نفسه بالضرورة .. حتى لايكون في اي تقييم اغماط لحق احد سوا أكانوا من الذين يقفون في صف هذه الحكومة او الذين يقفون ضدها وهو هل هناك امكانية لايجاد تقييم حقيقي لايجانب الصواب في ظل غياب المعلومات عن المواطن العادي بحيث يضحى كل تقييم مجرد استنتاجات من مشاهد ظاهرة قد لانستطيع الوصول الى حقيقتها الكامنة فيها .. وبالتالي فإن أي تقييم هو اشبه مايكون بالحكم على الجز الظاهر من الجبل اما ماهو مخفي فلاقدرة لاحد على محاولة استنباطه.. فالذين يقفون مع علي زيدان يقولون انه كان قادرا على تقديم صور منطقية للعالم عن الوضوع في ليبيا في ظل كافة الظروف التي تحياها وبعيدا عن التهويل الذي تسعى اليه بعض وسائل الاعلام لتشويه الواقع الليبي وتقديمه بصورة الواقع المنفلت والذي لايمكن احتوائه..وذلك عن طريق استثمار علاقاته الخارجية كما انه نجح في جذب بعض الاستثمارات الاجنبية لليبيا ولو عن طريق تقديم بعض التنازلات التي يرونها مبررة في الوقت الحالي ..كما انهم يقولون انه نجح في اخراج التشكيلات المسلحة من مدينة طرابلس كخطوة اولى لاخراجها من كافة المدن الليبية .

وهي امور يقابلها الطرف الاخر بالتشكيك فاخراج التشكيلات يقولون جاء بعد سقوط العديد من القتلى ونتيجة لارادة شعبية بالاساس بل انهم يتهمونه با ستغلال ماحدث لاظهار مكاسب لحكومته..ويضيفون الى ذلك ان الوضع الامني اصبح اكثر انفلاتا مما كان عليه ..بل انه قد طال علي زيدان نفسه .. وماحادثة اختطافه الا خير دليل على ذلك ولاينفي هذا من يتهم زيدان نفسه باعداد مايسمونه مسرحية الاختطاف لاستدرار الدعم الداخلي والخارجي على حد سواء.. وان هذا الانفلات وعدم القدرة على انشاء جيش حقيقي قد ساهم في سيطرة بعض المجموعات المسلحة على مقدرات البلاد الاقتصادية كالنفط وحتى الكهرباء.اما التنازلات بشان جلب بعض الاستثمارات فيحيلونها الى خانة استنزاف الثروة الوطنية وان كل المكاسب المعلن عنها ماهي الا مكاسب وهمية .. وتتعدد الاتهامات من اتهامه بالتسويف والمماطلة الى الاستقواء بالاجنبي .. وهي اتهامات تحيلها الحكومات الى الاعتصامات والاحتجاجات المتكررة والتي ادت الى تعطيل عمل العديد من وزارتها في اكثر من مناسبة .. كما انه وبالنظر الى الخلافات الظاهرة بين الحكومة والمؤتمر الوطني قد جعل عربة الدولة تسير في مكان واحد دون ان تتقدم خطوة الى الامام. 

ان تقييم عمل الحكومة لايمكن ان يتاتى الا بعد توفر كل المعلومات ومالم يحدث ذلك فإن كل قول يبقى مجرد استنتاجات تحتمل الخطأ والصواب.

زيدان هلي يجيد المناورة ؟

وفي وقت سابق أصدرت الحكومة المؤقتة بيانا حول الأحداث التي جرت يوم أمس السبت الماضي في مدينة سبها وأسفرت عن عدد من القتلى والجرحى . أكد السيد " محمد خليل ابوالسعود " وزير الإعلام الذي الى البيان أن الحاكم العسكري لمنطقة الجنوب تعرض لاعتداء أثناء افتتاحه معسكرا للجيش الليبي بمدينة تراغن أدى إلى وفاة عدد من مرافقيه ونجم عنه توترا للوضع الأمني بمدينة سبها وتبادلا لإطلاق النار أسفر عن وفاة 27 شخصا وجرح 72 شخصا بسبها ومرزق ومنطقة الشاطئ وأن الحكومة فور وقوع هذه الأحداث شكلت الحكومة لجنة وزارية لمتابعة ومعالجة الأوضاع واتخاذ الإجراءات اللازمة فقامت وزارة الدفاع بإعطاء تعليماتها لسلاح الجو الليبي باستطلاع المنطقة على مدار الساعة. كما نشرت وحدات من الجيش المتمركزة بمدينة سبها لتأمين بعض المرافق الحيوية والمناطق السكنية التي شهدت تبادلا لإطلاق النار وأرسلت قوات إضافية لتعزيز وحدات الجيش المتواجدة هناك . 

كما وعد زيدان في مؤتمر صحفي ان هناك تغيرات في بعض الوزارات خلال الأسبوع القادم والتي من شأنها ان تحدث التغيير للاحسن . ولكن يظل السؤال قائما هل سيغير تغيير وزراء زيدان رأي الناس في إسقاط الحكومة ؟