أزمة ليبية حائرة تبحث عن منقذ، تطوف البلدان شرقا وغربا آملة في إيجاد حل سياسي يرأب الصدع، ويوقف نزيف دماء الشعب الليبي الذي وجد نفسه وسط معارك طاحنة، واقتتال مسلح هو الأعنف في تاريخ ليبيا المعاصر.

مشوار الحوار الليبي والذي طرق أبوابا عدة -دون جدوى حتى الآن - من بينها غدامس والسودان والجزائر وجنيف والمغرب، عاد مجددا إلى الجزائر، في خطوة وصفها المراقبون بأنها طريق الحل.

الخبراء أكدوا حسب "مصر العربية"، أن الحوار الليبي في الجزائر لم يلق مصير الحوارات السابقة، مؤكدين أن قوى المعارضة - رغم رفض بعضها - قد تضطر إلى الموافقة على آلية سياسية لحل الأزمة، في ظل توجه المجتمع الدولي والعربي لتسليح الجيش الليبي.

بلال مؤمن، الباحث والمحلل السياسي قال، إن الحوار الليبي في الجزائر، لن يلقى مصير سالفيه، مؤكدا أن الجزائر لاعب أساسي في الملف الليبي، وتكاد تكون المسألة برمتها تخضع لتفاهمات بين المخابرات الحربية المصرية ونظيرتها الجزائرية.

وأضاف أن الدور الجزائري يحظى برعاية وقبول أممي، مشيرا إلى أن مخرجات الحوار ستكون ذات أهمية كبيرة إذا ما حدث اتفاق بين الفصائل الليبية المختلفة.

وعن إعلان فجر ليبيا مقاطعتها ورفضها مخرجات الحوار، قال المحلل السياسي، إن هذا سيعرضها في حالة وقوع اتفاق بين الأطراف المختلفة إلى لعب دور جماعات العنف المسلح، وربما يضعها في كفة واحدة مع بعض التنظيمات الجهادية الموجودة على الساحة الليبية، مؤكدا أن مراجعة فجر ليبيا لموقفها المقاطع للحوار أمر في غاية الأهمية.

وعن اختلاف الحوار الجزائري عن الجلسات السابقة، أضاف مؤمن أنه ربما تكون القضية الليبية قد حظيت باهتمام دولي كبير في الفترة الأخيرة، وقد طرحت مسألة التدخل العسكري في ليبيا، وهو بالتأكيد سيكون تدخلا لصالح حكومة عبد الله الثني التي تحظى بالاعتراف الدولي، وهو ما يجعل من التدخل العسكري الدولي تهديدا مباشرا للمعارضة، ربما يدفعها للجوء إلى طاولة الحوار، وتقديم بعض التنازلات.

ومن جانبه، أكد الدكتور يسري العزباوي، الباحث السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الحوار الليبي في الجزائر، خطوة هامة نحو تحقيق التوافق السياسي بين فرقاء ليبيا المتنازعين.

وأضاف الباحث بمركز الأهرام أن انتقال الحوار الليبي من المغرب إلى الجزائر، يؤكد فكرة عدم وجود رؤية حقيقية لحل الأزمة الليبية سياسيا، مؤكدا أن هناك دولا تستفيد من الصراعات العربية، ومن حالة عدم الاستقرار التي ضربت المنطقة.

وعن آليات نجاح حوار الجزائر، قال الخبير السياسي، إن الحوار الليبي في الجزائر يأتي هذه المرة وهناك مجتمع دولي وعربي أصبح شبه مجتمع على تسليح الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، ومن ثم باتت المعارضة أمام خيار واحد وهو الجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى تسوية تصب في صالحها.

وأوضح العزباوي أن كل الجهود الرامية إلى رأب الصدع الليبي، تفتقد إلى الرؤية العربية الموحدة، والتخطيط الفعال، مشيرا إلى أن الأزمة الليبية لا يمكن حلها بعيدا عن أزمات المنطقة.

وانطلقت في الجزائر، جولة للحوار بين الفرقاء الليبيين برعاية الأمم المتحدة، لبحث مخرج سياسي للأزمة في البلاد.

وأعلنت الإذاعة الحكومية الجزائرية، أنه "انطلقت يوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة أعمال الاجتماع الذي يضم قادة أحزاب سياسية ونشطاء سياسيين ليبيين بدعم من الجزائر وبرعاية من الأمم المتحدة بغية إيجاد حل سياسي للأزمة في ليبيا".

وأشارت إلى أنه ترأس الاجتماع نائب وزير الخارجية المكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية الجزائري، عبد القادر مساهل، بحضور المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا، برناردينو ليون، دون تحديد سقف زمني لهذا الحوار.

وبدورها، قالت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، عبر صفحتها الرسمية على موقع "تويتر"، إن "القادة والنشطاء السياسيين الليبيين يجتمعون اليوم، في العاصمة الجزائرية لدعم الحوار السياسي الليبي"، دون تقديم مزيد من التفاصيل عن هوية المشاركين وعددهم والملفات التي سيبحثونها.

ونقلت الإذاعة الجزائرية عن مساهل قوله، خلال افتتاح الجلسة إن اجتماع قادة أحزاب ونشطاء سياسيين ليبيين، اليوم يعد "محطة انطلاق واعدة"، لتحقيق التوافق الوطني الذي يتطلع إليه الشعب الليبي.

وقال إن "الجزائر تشارك مع ليبيا الشقيقة علاقات جوار وتاريخ مشترك، ولا يمكن أن تبقى اليدين مكتوفتين في وقت يعيش الأشقاء الليبيون فتنة خطيرة جدا تهدد البلاد ووحدتها".

وأعلن حزب "العدالة والبناء" الإسلامي في ليبيا عزمه المشاركة في الحوار الذي تستضيفه الجزائر، وقال الحزب، في بيان له، إنه تلقى دعوة من الجزائر للمشاركة في اللقاء الحواري الذي يجمع شخصيات سياسية ورؤساء أحزاب في ليبيا برعاية الأمم المتحدة.

وجلست الأطراف المشاركة بالحوار الليبي بمدينة الصخيرات المغربية، لأول مرة، على طاولة واحدة، السبت الماضي، إلى جانب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، برناردينو ليون، ووزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، بصفته ممثلا للبلد المضيف للمفاوضات، قبل أن تبدأ الوفود المشاركة في الحوار مشاورات معها الكيانات التي تمثلها حتى الأربعاء المقبل.

وكان كل طرف عقد مع المبعوث الأممي إلى ليبيا، منذ الخميس الماضي، جلسات منفردة، بالمدينة نفسها.

ومن جانبها، أعلنت ميليشيات "فجر ليبيا" رفضها أي مخرجات للحوار الذي ينعقد في الجزائر، متهمة جميع الأحزاب السياسية بما فيها "الإسلامية والليبرالية"، أنها "تشارك في جولة الحوار بالجزائر، بهدف تقاسم السلطة في المشهد السياسي الذي سيفرزه الحوار"، وهو أمر مفروض ولن نرضى بمخرجاته.

وطالبت "فجر ليبيا" بمنع حزب تحالف القوى الوطنية، الذي يتزعمه محمد جبريل، رئيس المكتب التنفيذي إبان المجلس الانتقالي السابق، وجماعة الإخوان المسلمين أيضاً، من دخول المشهد السياسي، حتى تنتهي المرحلة الانتقالية، وتتم صياغة دستور دائم لإنهاء الانقسام السياسي.

وتعد جولة الحوار الليبي بالجزائر، استكمالاً لجولات الحوار السياسي التي أعلن عنها برناردينو ليون، المبعوث الدولي الخاص إلى ليبيا، والذي أكد انعقاد ثلاث جولات موازية للحوار الرئيسي في المغرب، الأولى بضيافة الجزائر تختص بقادة الأحزاب وناشطين وسياسيين، والثانية في ضيافة بروكسل يشارك فيها قادة التشكيلات المسلحة، والثالثة في مصر، التي يتوقع أن تحتضن ممثلي القبائل والنازحين والمهجرين.

وينتظر أن يستكمل جولة الحوار السياسي في المغرب اليوم الأربعاء، بعدما انتهت أعمال الجلسة الأولى السبت الماضي ولمدة ثلاثة أيام، ونوقش فيها مشروع تشكيل حكومة توافقية وانسحاب المسلحين من المدن واعتماد جدول زمني لهيئة صياغة الدستور.